87% من المعتقلين لا يعرفون سبب اعتقالهم،
ولم تصدر بحقهم مذكرات اعتقال قانونية
نسبة التعذيب في السجون والمعتقلات الحكومية تبلغ مئة بالمئة
81% من المعتقلين لم يحظوا بأية زيارة من قبل أقاربهم أو ذويهم لمعرفة أحوالهم ومصيرهم
العرب اونلاين: علي العبد الله:
حين يتم الإعلان عن وجود لجان لحقوق الإنسان عاملة في العراق يرتفع مستوى التفاؤل عند الكثير بكشف الظلم وزواله، ويزداد الأمل حين تكون تلك اللجان تابعة إلى هيئة أممية- الأمم المتحدة- وهي التي لا تخضع إلى أي سلطان سوى القانون الدولي بمقتضى تعريفها؛ وبالتالي فإنها تدير شؤونها بمقتضى القوانين الدولية والمواد والقوانين التي اكتسبت شرعيتها من تأييد واعتراف الدول بها.
لكن إذا نظرنا إلى واقع العراق وحال العراقيين فسنجد أن الأمل قد تبدد في ليلة وضحاها، فالقانون الدولي يسري بنظرهم على دولة دون دولة أخرى، فالمعيار هو ما تمليه المصالح لبعض الدول الكبرى وآخر ما يفكرون به هو تطبيق مضامين القانون لرفع الظلم والاضطهاد، ولأجل هذا فقد آل حال العراق إلى ما هو عليه الآن لمصلحة دول كبرى لها مصالح في العراق والتي انتقت من القانون الدولي ما يبرر وجودها ويستر استمرار بقائها.
وإذا ما قلبّنا صفحات ما تعرض له العراق أرضا وشعبا وعلى مدى سنوات التي مرت في ظل الاحتلال والحكومات التي نصبها لقرأنا الكثير من التناقضات؛ ولسطرنا الكم الهائل من الخلل في تطبيق القانون الدولي فضلا عن تنفيذ القانون المحلي، فقد أهملت العديد من بنوده، وتم تطبيق عكس التشريعات والتوصيات الدولية، ومن أهم ما تم خرقه مواد وقوانين حقوق الإنسان الدولية التي خصصت لغرض حماية الإنسان وحفظ كرامته.
وقبل البدء في استعراض بعض بنود حقوق الإنسان التي وضعت بإشراف لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، لابد أن نورد بعض الأرقام التي اكتنفت مسيرة الظلم في العراق من غير أن تقوم هذه اللجنة أو غيرها بتحريك أي ساكن سوى الشجب والاستنكار.
لقد بلغت نسبة التعذيب في السجون والمعتقلات العراقية 100% للمعتقلين، ويمكننا أن نلاحظ في هذه القضية ما يلي:
1. إن العديد من المعتقلين قد تعرض إلى أكثر من نوع من أنواع التعذيب.
2. الكثير من المعتقلين لم يحظ بمحاكمة قانونية عادلة، ومن أتيحت له الفرصة بالعرض على القضاء فلم يحصد إلا محاكمة صورية.
3. تجاوز الاحتجاز المدة القانونية المحددة لغرض الاستجواب، والبعض تجاوزت مدة اعتقالهم أربع سنوات دون أي إجراء قانوني بحقهم، وكل ما حصلوا عليه في هذا الوقت هو التعذيب فقط.
4. إن 87 % من المعتقلين لا يعرفون سبب اعتقالهم، ولم تصدر بحقهم مذكرات اعتقال قانونية.
5. إن 81 % منهم لم يحظوا بأية زيارة من قبل أقاربهم أو ذويهم لمعرفة أحوالهم ومصيرهم.
وما ذكرناه من أرقام وحقائق سابقة ذكرتها بعض جمعيات حقوق الإنسان مثل مركز إكرام لحقوق الإنسان. وعند تصفحي لنصوص ومواد قانون لجنة مناهضة التعذيب التي أنشأت في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984 والذي تتألف مواده من 33 مادة، وجدت أن الحكومة العراقية وأجهزتها قد أخلت ولأكثر من مرة بحق المواطنين وخرقت مواد حقوق الإنسان المتفق عليها دوليا.
فالعراقيون اليوم يعيشون مأساة حقيقية؛ وتتستر هذه المأساة بشرعية حكومية ودولية دون تدخل أي طرف دولي في وضع حد لمعاناة هؤلاء المواطنين، بل العكس تماما يحدث اليوم حين باتت هذه المآسي مترسخة تحت غطاء حكومي وسكوت دولي وقد حلت مكان حقوق الإنسان لتصبح مواد ضياع الإنسان.
فأين لجنة مناهضة التعذيب اليوم مما يحدث في العراق والتي تقول المادة “15” من مواد حقوق الإنسان في لجنة مناهضة التعذيب: “”تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال”” فما نجده اليوم هو عكس تطبيق هذه المادة تماما في المعتقلات العراقية، فالشهادة تحت التعذيب هي صك مصدق لدى الحكومة في تنفيذ العقوبات الجنائية ضد من تعرض لهذه الضغوط الجسدية والنفسية بغية الحصول على المعلومة لإدانة الشخص المعتقل وبأي وسيلة أخرى كانت، وأصبح التعذيب حقا مشروعا تمارسه الدولة للحصول على المعلومة وفي أي وقت شاءت، والحالات التي تشهد بذلك كثيرة ومنها ما قد يتسبب التعذيب في وفاة الشخص المعتقل دون ذكر أي معلومة حتى ولو خاطئة تدينه بها قبل موته جراء التعذيب، وقد شاهدنا الكثير من هذه الحالات على شاشات التلفزيون العراقية والعربية التي عرضت شهادات المعتقلين أو ذويهم.
ورغم ما قامت به الكثير من الجمعيات الإنسانية المختصة بحقوق الإنسان مثل مركز إكرام لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والإقليمية مثل الهلال الأحمر والصليب الأحمر صلاحياتها في توصيل معاناة وانتهاكات ضد الشعب العراقي إلى لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عن طريق شكاوى رسمية وشخصية وتقارير طبية وشهادات حية سمعية وبصرية وخطية من قبل المعتقلين، وأقيمت ندوات ومهرجانات للغرض نفسه، إلا أن ذلك كله لم يجد نفعا فلم يتحرك ساكنا من قبل اللجان ولو على أدنى مستوى مثل إرسال مبعوث خاص لتحري الحقائق وكشف الملابسات، وهذا أحد الواجبات القانونية للجنة التي تحتم عليها القيام بهذا الإجراء عندما تتسلم هذه الشكاوى والتقارير سواء كانت دولية أم من قبل الأفراد وحسب المادة “20” الفقرة الأولى إلى الخامسة منه والتي تنص على:
1. إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقا بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوى تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف، تدعو اللجنة الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات، وتحقيقا لهذه الغاية ( تدعوا الطرف المعني) إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات
2. وللجنة بعد أن تأخذ في اعتبارها أية ملاحظات تكون قد قدمتها الدولة الطرف المعنية وأية معلومات ذات صلة متاحة لها، أن تعين – إذا قررت أن هنالك ما يبرر ذلك- عضوا أو أكثر من أعضائها لإجراء تحقيق سرى وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى اللجنة بصورة مستعجلة.
3. وفى حالة إجراء تحقيق بمقتضى الفقرة “2” من هذه المادة، تلتمس اللجنة تعاون الدولة الطرف المعنية، وقد يشمل التحقيق – بالاتفاق مع الدولة الطرف – القيام بزيارة أراضي الدولة المعنية.
4. وعلى اللجنة- بعد فحص النتائج التي يتوصل إليها عضوها أو أعضائها وفقا للفقرة “2” من هذه المادة- أن تحيل إلى الدولة الطرف المعنية هذه النتائج مع أي تعليقات واقتراحات قد تبدو ملائمة بسبب الوضع القائم.
5. تكون جميع إجراءات اللجنة المشار إليها في الفقرات “1” إلى “4” من هذه المادة سرية، وفى جميع مراحل الإجراءات يلتمس تعاون الدولة الطرف، ويجوز للجنة وبعد استكمال هذه الإجراءات المتعلقة بأي تحقيق يتم وفقا للفقرة “2”، أن تقرر بعد إجراء مشاورات مع الدولة الطرف المعنية إدراج بيان موجز بنتائج الإجراءات في تقريرها السنوي المعد وفقا للمادة “24”. انتهت مواد هذه اللجنة.
فكم من معلومة وتوثيق خطي ومرئي وشكوى قدمت إلى هذه اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب، لكن لم نر أية خطوة عملية تجاه هذا الموضوع، وكم من معتقل توفي تحت التعذيب وذهب حقه سدى دون أي تحقيق أو توثيق دولي؟ وهناك كم هائل من الأسئلة موضوع بين يدي هذه اللجنة كي تقوم بعملها ومهمتها الإنسانية المكلفة بها في الحد من معاناة المعتقلين واسترداد حقوقهم.
وقد اكتفيت بنشر هذين المادتين لأنها توضح عمل هذه اللجنة وتحدد من سلطات هذه الدولة، لكن ما تضمنته بنود هذه الاتفاقية الكثير الكثير من المواد التي انتهكتها الحكومة العراقية بدون أية رقابة أو سلطة دولية تحد من ممارستها، فإلى متى يسكت الجميع ويتغافلون عن حقوق العراق والعراقيين؟