صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

المرأة المطلقة .. من حياة فاشلة إلى واقع مؤلم

الطلاق كلمة يصعب على كثير من الناس النطق بها أو حتى سماعها إذ أنها تشي بالكثير من الدلالات فهي تعني هدم أسرة وتعاسة  أبناء ليس لهم من جريرة إلا أنهم ولدوا لوالدين استحالت بينهما العشرة ، كما أنها تعني أن هناك طرف ضعيف وهو المرأة التي يمثل لها الطلاق مرحلة جديدة من المعاناة ليس معروفا متى يمكن أن تتوقف.
فالطلاق بقدر ما يمثل للمرأة في لحظة شعورية معينة حالة من الخلاص من حياة زوجية فاشلة وهو حق منحه الله للزوج والزوجة على السواء إلا أنه في كثير من الأحيان وبكل أسف تستحيل حياة المرأة بعده بفترة زمنية طالت أو قصرت إلى شكل أسوأ من الإحباط والإخفاق نتيجة النظرة المجتمعية التي ابتعدت كثيرا عن التوجيهات الإسلامية فيما يخص المطلقة.
نظرة ظالمة في البداية يقول الشيخ شعبان سليمان ( داعية وخطيب) ليس خافيا على أحد تلك النظرة المجتمعية المستهجنة التي تعانيها المرأة المطلقة في بيئتها فالجميع بما فيهم أقارب المطلقة نفسها ينظرون إليها نظرة ظالمة إلى حد كبير ففضلا عن كونها تتحمل المسئولية كاملة عن فشل حياتها الزوجية والوصول للطلاق فإنها تكون مطمعا في نفس الوقت لمن في قلوبهم مرضا إذ هي عندهم صيد سمين يمكن إيقاعه في الشباك في أي وقت.
وأكد الشيخ سليمان أن تلك النظرة الظالمة تتناقض وتتعارض بالطبع مع الإسلام وقيمه فنظرة الإسلام للمرأة المطلقة نظرة موضوعية لا امتهان فيها ولا تجريح فالفشل في العلاقة الزوجية لا يعني أن المرأة أو حتى الرجل قد ارتكبا جرما فالكثير من حالات الفشل ربما يرجع لانعدام التوافق بين الزوجين على مستويات متعددة فكان في الانفصال والطلاق الحل الأفضل بدلا من حياة زوجية يعاني منها كلا الطرفين طوال حياتهما الزوجية.
وأضاف الشيخ سليمان أن هدم أسرة يعد في حد ذاته كارثة اجتماعية فالأسرة هي اللبنة الأساسية التي على أساسها يقوم المجتمع الإسلامي وهو ما يفسر لماذا يصر الغرب ومؤتمرات الأمم المتحدة على فرض مجموعة من المواثيق والمعاهدات على مجتمعاتنا العربية والإسلامية فالهدف كما يتضح هو تدمير بنيان الأسر المسلمة وتحويلها إلى كيانات هلامية تتصارع فيما بينها في إطار تمركز كل فرد فيها حول نفسه وفقط دون الالتفات إلى احتياجات الآخرين.
وأوضح الشيخ سليمان أن الإسلام مع كل هذا الحرص والتشديد على تماسك الأسرة المسلمة إلا أنه شرع الطلاق الذي يكون في حالات معينة هو الحل الذي لا مفر منه غير أنه ما من شك في أن الله سبحانه وتعالى لا يحب من الرجل أن يطلق زوجته ولهذا كان الأصل في الطلاق الكراهة كما يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مستدلا بقوله تعالى في الذين يؤلون من نسائهم: ” للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم  وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم” ففي رجعوهم قال: “فإن الله غفور رحيم ” يعني الله يغفر لهم ويرحمهم وفي عزمهم الطلاق قال: “فإن الله سميع عليم “وهذا يدل على أن الله لا يحب منهم أن يعزموا الطلاق.. وفي الحديث وإن كان ضعيفا – يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” إن أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق”.
النظرة الإسلامية
ويتفق الشيخ سعد أحمد ( خطيب) مع ما ذهب إليه الشيخ شعبان سليمان قائلا إن من أكبر مساوئ الطلاق في الوقت الحاضر وفي ظل غياب الكثير من القيم الإسلامية هو معاناة المطلقة في حياتها الخاصة التي سرعان ما تكتشف وبعد فترة قصيرة من طلاقها أنها هربت من عذاب حياة زوجية فاشلة إلى عذاب أشد لا تعرف كيف تتخلص منه.
وأضاف الشيخ أحمد أن ما يحدث الآن تجاه المرأة يعيد لذاكرتنا ما كنا قد قرأناه عن نظرة المجتمع الجاهلي للمرأة المطلقة التي كان يتم التعامل معها ككم مهمل لا قيمة له فهي منبوذة سواء في بيت أهلها أو خارج بيت أهلها فلا يتقدم لها أحد حتى تصل المطلقة إلى درجة معينة من الضيق والضجر كانت تدفع ببعضهن إلى الانعزال أو الموت كمدا.
وأوضح فضيلته أن الإسلام عندما جاء كانت قضية المرأة أحد أهم القضايا التي تعاطى معها باهتمام شديد فعمل على تغيير الكثير من عادات المجتمع ونظرته إليها فرفض احتقارها والتقليل من شأنها وإغفال كيانها واعتبارها مجرد جسد للمتعة.
وأشار فضيلته إلى أن من بين تلك الأشياء المرتبطة بالمرأة هو الموقف من المطلقة التي يجب استحضار أنها مكسورة القلب وأن حالتها النفسية متدهورة فتستحق المعاملة الحسنة والكلام الطيب والاحتواء العاطفي حتى تخرج من أزمتها وتستشعر أنها إنسانة طبيعية وأن ما وقع لها هو قدر يجب أن ترضى به وتنظر إلى الغد بكل امل وتفاؤل.
وقال الشيخ سعد إن صحابة الرسول رضي الله عنهم تعاملوا مع المرأة المطلقة بشكل عملي فكانت الكثير من زوجاتهم مطلقات ومن ذلك مثلا السيدة (أسماء بنت عميس رضي الله عنها) التي تزوجت من أبي بكر الصديق ومن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من أم المؤمنين ( زينب بنت جحش) رضي الله عنها وكانت مطلقة من زيد بن حارثة رضي الله عنه.
وأكد فضيلته أن المسلمين لو اقتدوا بالرسول الكريم وصحابته في إتباع نهجهم مع المرأة المطلقة لما رأينا هذا الكم الهائل من المطلقات اللائي أصيبن بأمراض نفسية وعصبية إذ كانت الكثيرات منهن يعتبرن أن ما مضى قد مضى وانتهى وأن عليهن أن ينظرن للمستقبل برضا كامل وقلب مفتوح فالحياة لا تقف عند أحد. نادمة ولكن
يحكي (خ.ع) مأساة أخته (أ .ع) فيقول إن أختي وبعد زواجها بعامين فقط توترت علاقتها بزوجها وكثرت خلافاتهما لدرجة كبيرة جدا أفشلت معها جهود كل الوسطاء وأهل الخير في الإصلاح وتقريب وجهات النظر خاصة وأن الطرفين ( أختي وزوجها) كانا قد  قررا الطلاق وأنه لا تراجع عنه مطلقا.
وأضاف:”بالفعل حصلت أختي على ما كانت تتمناه وتسعى إليه ولا انسى وجهها يوم أن جاءتها ورقة الطلاق إذ كان يمتلأ فرحة وسعادة وكأنها حصلت على حكما بالبراءة من تهمة لم ترتكبها وليس ورقة تعلنها بأن حياتها الزوجية قد فشلت وأن عليها أن تخطط لحياة جديدة لا يعلم نهايتها إلا الله عز وجل”.
واستطرد (خ.ع) :” لكن سعادة أختي لم تستمر طويلا فما أن مر أسبوع واحد حتى بدأت تشعر بخطأها وتسرعها في إتخاذ قرار الطلاق وتحول وجهها السعيد إلى وجه يحمل كل هموم الدنيا وكأبتها”.
وأوضح أن أخته اعتقدت أنها عندما تعود لبيت أهلها ستكون طريقة التعامل معها على الأقل كما كانت عليه قبل زواجها لكنها وجدت اختلافا كبيرا حيث كان الجميع في البيت يضيق بها وبسلوكها في المنزل بل كانوا يعدوا عليها حركاتها وسكناتها بل وأنفاسها فهي لم تعد كما كانت بل أصبحت مطلقة وبالتالي فإن العيون عليها من كل جانب.
وقال :” ذات مرة بكت أختي بيد يدي وقالت إنني أعترف بأني تسرعت في قرار طلاقي ولهذا أريد منك أن تحاول أن تعيدني لزوجي فنار بيت زوجي خير لي من هذا الحياة التعسة التي أعيشها والتي فيها فقدت كل إحساسي بأني إنسانة تمتلك مساحة من الحرية والكينونة”.. لكنني أخبرتها بأنني لا أستطيع أن أفعل ذلك خاصة وأن طليقها قد تزوج بأخرى واستقرت حياته.
عذاب البعد
أما ( ر.م) فتقول إنني لم أقرر طلب الطلاق إلا بعدما تيقنت استحالة الحياة مع زوجي الذي دامت حياتي معه أكثر من 10 سنوات كانت كلها أيام سوداء إذ لم تقتصر معاملة السيئة معي عند حد بخله وتضييقه علي في الإنفاق على المنزل بل لدرجة الضرب والاهانة اليومية غير أنني كنت أصبرر وأتحمل حتى ينعم أبنائي الثلاثة بالتربية بين والديهما وأن لا يشعر أحدهم بالنقص أو الحرمان.
وأضافت :” لم أتحمل ولم أطق الاستمرار مع زوجي  خاصة وأن هذه الحياة أصابتني بعدد من الأمراض كان أسوأها الاكتئاب فألححت عليه أن يطلقني وأنني متنازلة عن كل حقوقي المادية وهنا ساومني – سامحه الله – على أن أترك له الأولاد أيضا في مقابل الحصول على الطلاق فوافقت رغبة في النجاة بنفسي”.
وأوضحت:” ما أن مرت أيام قلائل بعد طلاقنا وعودتي إلى منزل أبي حتى استشعرت فقداني لأبنائي الثلاثة الذين لم أعد أعرف كيف يعيشون ومن يهتم بهم فيجهز لهم طعامهم ويغسل لهم ملابسهم ويرعاهم إذا ما مرضوا وغير ذلك من التفاصيل الكثيرة التي لا يقوم بهم إلا من يحبهم ويصبر عليهم وهي كلها أمور أعلم يقينا أن أبيهم لن يقوم بها”.
وقالت” إن تفكيري في أولادي وقلقي عليهم حول حياتي إلى جحيم فلم أعد مستمتعة بأي شئ أكل واشرب فقط لكي تستمر الحياة بل وصل الأمر إلى درجة أنني فكرت بالفعل في الانتحار لولا أني تذكرت الله عز وجل وخفت من عذابه فتراجعت عن الفكرة وسألته سبحانه وتعالى أن يخفف عني عبء ما أنا فيه”.
وأضافت :”إن معاناتي لم تقتصر فقط على قلقي على أولادي بل امتدت أيضا لتشمل معاملة أهلي وجيراني وحتى صديقاتي اللائي بتن يخفن مني على أزواجهن غير أن ما آلمني وأنساني كل هذا هو اشتياقي إلى أولادي.

Facebook
Twitter