المجموعة القصصية (إشارات لزمن ضائع) والعودة الى قصة المتعة والفكرة قراءة : داود سلمان الشويلي

المجموعة القصصية للقاص كامل التميمي ، التي تحمل عنوان (إشارات لزمن ضائع)، و تضم ثمانية عشر قصة قصيرة ، غير مؤرخة لكي نعرف مراحل تطور اليات كتابة القصة عنده ، اذ ان هذه المجموعة هي الاولى له، و تحمل اغلب قصصها هواجس وافكارا فنطازية ، او يمكن ان نقول عنها انها مرتحلة من الاساطير و الحكايات الشعبية الى عالم القصة القصيرة ، اقرأعلى سبيل المثال قصة ( بيت الالهة ) ، وقصة ( خرافة الطيور )، تطرح مجموعة من الاسئلة الشكلية .
اول هذه الاسئلة الشكلية عن جنس النصوص ، إذ بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا اختلاف كبير ، اختلاف في البناء والشكل ، والهدف والآليات ، واللغة ، وغيرها من اشتراطات كل فن من هذه الفنون السردية التي تحدث عنها القاص التميمي في المقدمة ،عندما قال : ((حاولت في هذه المجموعة أن أحقق تساوقا وانسجاما بين عناصر القصة وأصل إلى الهدف المرجو من الكتابة السردية في المتعة والفائدة وإنْ كنت منحازا للفكرة قليلاً…)).
القصة عند التميمي تقف على اضلاع مثلث متساوي الاضلاع ، على الضلع الاول وضع المتعة ، وعلى الضلع الثاني وضع الفائدة ، وعلى الضلع الثالث وضع الفكرة .
يعود بنا القاص التميمي التاريخ الاولي لكتابة لالقصة القصيرة في العراق والعالم ، الى حيث هدف القصة وهو ” المتعة ” و ” الفائدة ” وهو برأي هدف ” ارستقراطي”إذ كانت القصة وقتذاك تلعب مثل هذا الدور عند القاريء ، عندما يستلقي احدنا ويقرأ قصة للمتعة ، والفائدة التي تجلبها تلك المتعة ، اما الان فإن دور القصة القصيرة هو احداث صدمة قوية لوعي وذاكرة وفكر المتلقي، بحيث تبدل اسم القائم بالقراءة من قاري سلبي الى متلقي مشارك ، متفاعل ، قادر على استيعاب شدة الصدمة ورد الفعل لها .
ويعود كذلك القاص التميمي بنا الى عالم بعض قصاصي البدايات في العراق واعتمادهم على ” الفكرة ” والفكرة فقط ونسيان اشتراطات القصة القصيرة الاخرى.
اما الفكرة وكما يقول الجاحظ “المعاني مطروحة في الطّريق, يعرفها العجم يّوالقرويّ والبدويّ, وانّماالشّأن في اقامة الوزن وتحبيراللّفظ وسهولة المخرج, وفيصحّة الطّبع وجودة السّبك”، فقد كانت ماثلة للعيان في اي عمل ابداعي ، وحتى القصة الشيئية هناك فكرة ما تنتضمها .
والجاحظ بقوله ذاك قد اعطى لاشتراطات كل فن دور كبير في اخراج هذه المعاني ، اي الافكار ، للوجود بابداع متمكن.
غلاف المجموعة يحمل عبارة تؤكد تصنيف ما تضمه مجموعة القاص كامل التميمي المعنونة (إشارات لزمن ضائع)هو”قصص قصيرة جدا ” ، فيما لو قرأنا متن المجموعة ، فإننا نجد ان ما تضمههي : قصص قصيرة فحسب ” ، وهذا خطأ في التصنيف .
ويجيبك القاص التميمي عن ذلك في رسالة خاصة لي ، فيقول : (لم اجنس النصوص انا بالقصيرة جدا ، المطبعة بدون علمي واستنادا لآراء واردة جنست)، مع العلم لا توجد قصة قصيرة جدا في المجموعة ، وانا لا ارى اية اراء واردة فيها.
هنا نسأل المطبعة ،والمطبعة لا تسأل، الا انا نسأل القائمين على طبع المجموعة القصصية في المطبعة ، كيف سوغت لهم انفسهم ان يجنسون المادة التي داخل المجموعة بقصص قصيرة جدا ، فيما هي قصص قصيرة فقط؟ اليس هناك فرقا بين المصطلحين ؟
هذه الملاحظة التي اوردتها واكدت عليها تاتي من باب القراءة السيموطيقية ،اذ انها تهدف الى قراءة الانساق والادلة والرموز المثبتة على الغلاف الخارجي ، على عتبة الكتاب كمدخل لو درست ما تحمله هذه المجموعة دراسة سيموطيقية.
ان استنطاق ما في الغلاف من رموز ودلالات وانساق هي اول مراحل الولوج لاي كتابة نريد ان نقرأ ما في متنها من امور كثيرة .
فقراءة متن المجموعة القصصية يخبرنا انها قصص قصيرة ، فيما الغلاف يقول خلاف ذلك ، اذ يطلق عليها اسم قصص قصيرة جدا ، الا ان الكاتب اجاب بجوابرفع عن المجموعة سوء الفهم عند المتلقي.
اتساءل كيف يتمكن الكاتب ان يرفع سوء فهم القراء والمتلقين الاخرين الذين يقرأون هذه المجموعة ، ايتصل بهم واحدا واحدا ليزيل سوء الفهم هذا ام ان ذلك يبقى وحصافة المتلقي و القاريء؟
اترك الاجابة عن هذا السؤال الى ذائقة القاريء والمتلقي الحصيف ، وحسن نيته في عمليتي القراءة والتلقي . ان تجنيس النصوص السردية لا يعتمد الطول فحسب ( 30 صفحة او اقل ) بل هناك لكل جنس اشتراطان معينة ، خاصة التي لها علاقة بالحدث ، والوصف ، والحوار ، هذه الاقانيم الثلاثة تختلف في حالة كون النص هو قصة قصيرة ، او قصيرة جدا. ” القصةالقصيرة ” تعتمدعلى حدث معين يقع تقديمه على اشخاص قليلين قد يكون البطل لوحده، او مع شخوص قليلون، ويمكن ان تشير اشارة عابرة لاوصافهم الخارجية ، واشكالهم الجسمانية ، وليس لها علاقة بالحالة النفسية ، لان ذلك يعود الى عالم الرواية ، او ان القصة القصيرة معنية بتقديم حالة البطل النفسية ، اي تدرس حالته النفسية.
القصة القصيرة مكثفة ومركزة على حدث واحد لتعبر عن رؤية الكاتب.
ومن خصائصها بصورة عامة هي الوحدة ، فتكون واحدية الحدث ، وواحدية البطل ، وواحدية الهدف والقصد.
اما ” القصةالقصيرةجدا ” فتعتمد اختيار اللغةالموحية التي تثيرالتأويلات لتعطي معاني كثيرة الى المتلقين ، فيستقبلوها حسب كل متلقي وتأويله له ، دون فرض مسار واحد في التأويل.
وان يكون طولها عدة اسطر ، اذ لا تستغرق كثيرا في الوصف ، ولا الحوار ، ولا تتحمل اكثر من فكرة يكون تقديمها سهل ، فيما هي ربما صعبة ، وكذلك قلة في الشخوص ، كأن يكون واحدا غير البطل .
تشتركالقصة القصيرة مع القصيرة جدا في وجود بطل وحدث ونهاية، ويختلفان في كون القصة القصيرة جدا مكثفة جدا ، ونهايتها تكون غيرمتوقعة .
نصل الى بديهية تؤكد ان القصة القصيرة تختلف عنها القصة القصيرة جدا ، وهذا ليس اكتشاف بقدر ما هو واقع يقف امام الاعين ويشير باصابع مختلفة للاثنين معا.
اتمنى للقاص اوقات مثمرة بالابداع

Facebook
Twitter