لم أصدق ما سمعته على لسان رئيس أركان قوات المعارضة الليبية السيد عبد الفتاح يونس في مؤتمره الصحفي حول ما تقوم به قوات الحلف الغربي الإجرامي ضد ليبيا قصفاً وقتلاً وتدميراً، فبدل أن يحث هذا الرجل هذه القوات على توخي الحذر والدقة وهي تدك بلاده بقنابلها وأن تبتعد عن المدنيين لمسافات كبيرة يقوم بعملية استجداء مخجلة على الهواء مباشرة لهؤلاء القتلة ليقوموا بالمزيد من القتل والتدمير، ويحاول التغطية على استخذائه وهبوطه المريع هو ومن يمثل إلى درك الجواسيس والعملاء بالقول أن حلف “النيتو” لم يخدم قواته، وأن الحلف وضع تاجا على رؤوسهم دون أن يقدم لهم شيئا، وكلنا نعلم أنه لولا قوات هؤلاء الأعداء وهذا الحلف ما بقي يونس ولا قواته “الثورية” في ليبيا كلها، ولكانوا اليوم مبعثرين في مصر أو في الصحراء الليبية.
الأمة العربية ومن لديهم ضمائر حية وفي مقدمتهم جماهير الشعب الليبي نساءً ورجالاً وأطفالاً يصرخون لوقف هذه الحرب العبثية بين الإخوة والأشقاء، وينادون بحل سلمي للأزمة تجنب الجماهيرية الليبية حرباً أهلية تأتي على كل شيء، ناهيك عن ترسيخ حقد لا يزول في ألف عام بين هؤلاء الأخوة والأشقاء ويجعل من إعادة بناء البلد غاية من الصعب إدراكها.
السيد عبد الفتاح يونس الذي سمعناه ورأيناه يهتف مراراً ضد أمريكا والدول الاستعمارية يناشد قوات هذه الدول أن تقصف أهله وذويه لأنهم يسكنون في المنطقة الواقعة خارج بنغازي.
إن من سمع تصريحات هذا الإنسان اعتقد فعلاً أن الذين يقصدهم بالدمار والموت وراجياً من حلفائه الجدد قصفهم وقتلهم أعداء وليسوا ليبيين مثله، وقد سمعنا وصفه لقوات الجيش الليبي النظامية بالعدو فهل هذا معقول؟.
من البديهي أن مصلحة ليبيا في وقف القتال، ووقف التدخل الأجنبي، ووقف العدوان من كافة الأطراف على المدنيين. كما ان مصلحة ليبيا في دولة موحدة وحكومة مركزية واحدة.
دعونا ندقق في ما يحدث بليبيا وكيف تطرح الأطراف مواقفها من كل هذه البديهيات المحددة للمصلحة الوطنية الليبية.
الزعيم القذافي ومعه الاعم الاغلب من الليبيين يوافقون على وقف إطلاق النار من غير شروط، بينما المتمردون وبالاعتماد على تدخل “النيتو” يرفضون وقف إطلاق النار إلا إذا تحقق شرط تنحي القذافي وخروجه من بلده. الزعيم القذافي ومن معه في موقف دفاع عن وطنهم ضد غزو خارجي من الجو حتى الآن ، ورجال مخابرات الدول المشاركة في هذا الغزو والعدوان موجودون بكثرة في بنغازي والمنطقة الشرقية التي يسيطر عليها المتمردون، بينما تقوم مجموعات التمرد المسلحة بالإغارة غرباً كلما سنحت لها الفرصة معلنة بكل وضوح أن هدفها طرابلس لإسقاط النظام بالقوة ولا تتوانى عن استخدام أقذر الأساليب وأكثرها دموية لبسط سلطتها ولتحقيق أحلامها في انتزاع السلطة من القذافي، وقد شهدنا حالات إعدام كثيرة نفذتها قوات التمرد والمتمردين في مناطق نفوذهم، والنماذج كانت أوضح من عين الشمس في إجدابيا ومدن النفط كالبريقة و راس لانوف، ولا نعرف كيف يدعي هؤلاء حرصهم على أرواح المدنيين فهل بنادقهم وقذائفهم وصواريخهم مصنعة لتجنب إصابة المدنيين مثلاً؟
القذافي يطلب كف يد الغرب عن ليبيا عسكرياً وعن نفطها، وسوابق الرجل تؤكد وطنيته في هذا المجال ذلك أن ليبيا هي الوحيدة التي تتحكم في نفطها وتقوم شركاتها بإدارة العمل والتجارة على هذا الصعيد دون أن تسمح لأحد بتحديد خياراتها من حيث الكم أوالجهات التي تصدر إليها.
حركة التمرد تطلب المزيد من التدخل الغربي الاستعماري في بلدها عسكرياً وربما بعد فترة تطلب تدخلاً برياً تحت ذرائع مختلفة كما أنها تضع مواردها النفطية تحت سيطرة الغرباء أو سماسرتهم من العرب الذين يشاركون في العدوان على ليبيا ويمولوه.
وحول وحدة ليبيا والانتقال السلمي للسلطة والديمقراطية المرجوة والانتخابات، تنادي اللجان الشعبية في ليبيا بدستور جديد وانتخابات حرة وقانون أحزاب وإعلام جديد وفي المقابل يقول المتمردون ذات الشيء لكن بعد أن يستولوا على السلطة بمعاونة حلف النيتو الاستعماري وتكون الدولة قد دمرت وعادت إلى عصور ما قبل التاريخ مثلما وقع للعراق ، ويضيفون شرطاً في طلباتهم يقول برحيل القذافي وأسرته عن الحكم ومن ليبيا كلها.
بالمقارنة العادلة والنزيهة بين الطرفين سنجد أن ما يطرحه الزعيم الليبي وفريقه أقرب لمصلحة ليبيا وأمنها ومستقبل شعبها مما يطرحه المتمردون والمعارضون الليبراليون على حد سواء.
إن الهامش الضيق بين الطرح الرسمي الليبي والطرح المناويء له يمكن جسره عبر المفاوضات المباشرة أو بالواسطة، لكن ما لا يمكن جسره أو التسامح فيه هذا القتل الجاري بين الأشقاء وهذا الحجم الهائل من الدمار والخراب الذي ألحقته وتلحقه طائرات وصواريخ حلف النيتو الذي تواليه مجموعات التمرد وتطلب منه المزيد. الوقت يمر وآلة الحرب والدم المجنونة تحصد المزيد من أرواح الليبيين بدون تمييز، وقد حان الوقت لكي يعيد المتمردون التفكير في وطنهم الذي يتسع للجميع وكيف يجنبوه التقسيم والدمار، لقد حان الوقت كي يستعيد المتمردون عقولهم وضمائرهم إن كانوا حقاً يحبون بلدهم وشعبهم.