كنتُ من الطوابق العليا
أنظر إليهم بفضول يغادرون العمارة
واليوم أغادرُها
وفي الطوابق العليا من ينظر لي بفضول
كأني أحمل كُليتيّ بسَلّةِ التسوّق
هكذا ألحَقُ بمن غادروا قبلي
وأتبادل معهم تدخين أصابع الكفين
فقد جعلتْ منا بوابة ُالمغادرة أصدقاءً
أمشي وراءهم
لألمّ ما يتساقط من أعضائهم في الطريق
ولأحثهم على استعجال النهاية
بمضاعفة شحنات الخرَف
إنهم المتقاعدون
أصدقائي الذين غمسوا رؤوسَهم بالدُهان
ليصبغوا بها ما كلح من ضمائر الجاحدين
ظناً بأن الصِباغَ يُرَمّمُ الخراب
* *
يسعلونَ
ويبصقون بمناديلهم
ليُبقوا بحوزتهم تذكاراتٍ من أيام الحرائق
وفي المقاهي العتيقة
يُرممون ذكرياتِهم بدخان السكائر والحسرات
قضوا العمر بطوله يقظين
حتى ملوا
فاتخذوا من نظاراتهم درّاجات هوائية
يتنزهون عليها وهم نيام
إنهم قَدَري
مهما طِرتُ مُغتراً بريشي وزقزقتي
بعيداً عن قِدْرهِمُ المَغلي
فإن بندقية العمر ستُسقطني فيه
لأفقدَ أخر ريشاتي
محتفظاً من زقزقتي بنداء استغاثة
* *
إنهم اليوم أصدقائي
أهربُ من شيخوختهم تعبيراً عن اعتزازي بها
إذا ما تعثر أحدهم أقول له :
كان عليّ أن أستبدلَ عُكّازَكَ برجلي
في المرّة المقبلة عندما تنوي أن تعثر
ينبغي أن تُوكِلَ أمرَ عثرتكَ لي
فهي من نصيبي
* *
لقد سكبوا أعمارهم في كؤوس الأخرين
وعندما احتاجوا للشرب
تسلل الأخرون وغادروا المشرب
لذلك يتخذون من عكازاتهم ناياتٍ
أو قصَباتٍ
لشفط رغوة الفرح من فنجان الروح
كأنّ عُكازاتِهم توائِمُهم
خرجتْ معهم من بطون أمهاتهم
وصارت تزاحمهم على شُبّاكِ الرواتب
* *
عندما يلهثون
يصّاعدُ الغبارُ من ثقوب أنوفهم
غبارُ العمائر التي شيّدوها في شبابهم
واليومَ يحملون حطامَها في جيوبهم
أما الجسور التي عبروا عليها أيامَ الشباب
فقد سحبوها وراءَهم – أيام الكهولة –
مثلَ الكِلاب بسلسلة
تاركين الذين يرومون العبور
يتشبّثون بجثث الغرقى
* *
وماذا ظلّ لهم
أعضاءَهم صادرتها مفارزُ الأحفاد
كلّ مفرزة صادرتْ منهم عضواً
حتى وصلوا النهاية هياكلَ عظم
لم يبقَ ما يدلّ عليهم سوى الأنين
ومع ذلك
ما زالوا يحملون أحفادهم في جيوبهم المثقوبة
في كلّ خطوة
يسقط َُمن الثقوب اصغرُ الأحفادِ عُمراً
إذا ما فرغتْ جيوبهم
سيتخذون من ثقوبها فتحاتٍ للتهوية
أيها الأصدقاءُ الطيبون
بَدَلَ أنْ تملأوا جيوبَكم بالأحفاد الجاحدين
إملأوها بحُقن الأنسولين
فأحفادُكم لن يُعيروكم أسنانهم
لتمضغوا بها لُبانَ الصَبر