المحتجون ينددون بالمحاصصة الطائفية ويطالبون بوأدها لانقاذ الوطن والشعب من التشرذم
المتظاهرون: اصلاحات العبادي كسيحة وشكلية ولم تمس جوهر الفساد
محاولات محمومة لشق صف الجموع المتظاهرة والانقلاب على ارادة الجماهير
بعض الاعلاميين يرفضون ادانة (اولياء نعمتهم) من حيتان الفساد ولصوص الوطن
متابعة: علي الحميد:
طالب متظاهرو الاحتجاجات العراقية لدى تجدد حراكهم الشعبي للاسبوع السابع على التوالي بالاسراع في الاصلاحات وعدم تسويفها فيما حاولت مجموعة منهم اقتحام المنطقة الخضراء مركز الادارات الحكومية العليا والسفارات ودعوا الى اقالة رئيس مجلس القضاء وتنظيف مؤسسات الدولة من الفاسدين.
وانطلق مئات الالاف من العراقيين في تظاهرات بساحة التحرير وسط بغداد وفي مدن اخرى في 10 محافظات اخرى هي كربلاء والنجف والديوانية والمثنى وذي قار وواسط وميسان والبصرة (جنوب) وبابل وديالى (وسط) ضمن حراكهم الشعبي الاسبوعي للدعوة للاصلاح وضرب الفساد ومعالجة تردي الخدمات رافعين اعلاما عراقية ومنددين بالطائفية.
وشدد المحتجون في هتافاتهم والشعارات التي رفعوها على ضرورة الاسراع باصلاح القضاء وتطهير دوائر ومؤسسات الدولة من العناصر الفاسدة ومحاكمة المتورطين بعمليات الفساد .كما طالبوا بإقالة رئيس مجلس القضاء الاعلى مدحت المحمود ودعوا لحل مجلس النواب ونددوا بالمحاصصة حاملين شعارات “كلا كلا للطائفية”.
وفي ساحة التحرير بوسط بغداد حيث اتخذت السلطات الامنية اجراءات امنية مشددة ونشرت عناصر اجهزتها في محيط الساحة واغلقت الشوارع المؤدية لها من جميع الاتجاهات لكن مجموعة من المتظاهرين رفعوا الاسلاك الشائكة من جسر الجمهورية في محاولة لاقتحام المنطقة الخضراء مركز الادارات الحكومية العليا والسفارات الاجنبية وذلك بعد ايام من قرار رئيس العبادي في 28 من الشهر الماضي بفتحها امام المواطنين بعد 13 عاما من منعهم دخولها لكن هذا القرار لم ينفذ لحد الان.
وفي محافظات خارج بغداد فقد طالب المتظاهرون باختيار محافظين جدد واستقالة حكوماتها المحلية وانتخاب اخرى بدلها واجراء عمليات شاملة لتنظيف مؤسسات هذه المحافظات من الفاسدين واسترجاع الاموال التي نهبها مسؤولوها من المواطنين.
وفي وقت سابق اليوم شدد المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني خلال خطبة الجمعة بمدينة كربلاء على ضرورة الى الاسراع بوتيرة الاصلاحات التي تشهدها البلاد حاليا بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية ودعا الى تقييم اداء المسؤولين وطرد غير الكفوئين والعودة لاعتماد قانون التعليم الالزامي وحذر من استيلاء فاسدين على قرض قيمته 5 مليارات دولارات قدمه البنك المركزي لمؤسسات محلية لتحسين ادائها مؤكدا على ضرورة معالجة نقص الماء في محافظة البصرة.
والاربعاء الماضي وضمن حزم الاصلاحات التي دأب العبادي على اعلانها منذ التاسع من الشهر الماضي فقد قرر اعفاء 123 وكيل وزارة ومديرا عاما من مناصبهم واحالتهم الى التقاعد. ومن جانبها وجهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء امس الوزارات والمحافظات والجهات الحكومية كافة العمل بقرار مجلس الوزراء بشأن تخفيض الرواتب والرواتب التقاعدية للرئاسات الثلاث والوزراء الوكلاء ومن بدرجتهم والمستشارين والمديرين العامين ومن بدرجتهم مؤكدة وتطبيقه بدءا من الاول من الشهر الحالي ايلول (سبتمبر).
يذكر انه ضمن حملة الاصلاحات التي اعلنها العبادي مؤخرا فقد قرر اواخر الشهر الماضي تقليص عدد المناصب الوزارية الى 22 بدلا من 33 عبر الغاء ثلاثة مناصب لنواب رئيس الوزراء واربع وزارات ودمج ثماني وزارات وجعلها اربعا فقط.
وكانت الحكومة اقرت في التاسع من الشهر الماضي حزمة اصلاحات لمكافحة الفساد وترهل مؤسسات الدولة ووافق عليها البرلمان بعد يومين مرفقا اياها بحزمة اصلاحات اضافية مكملة .
واتت هذه الخطوات الاصلاحية بعد اسابيع من التظاهرات في بغداد ومناطق عراقية عدة طالب خلالها المحتجون بتحسين الخدمات لا سيما المياه والكهرباء ومكافحة الفساد ومحاسبة المقصرين. وتلقى هذه المطالب دعما مهما من المرجعية العليا بدعوتها للعبادي ليكون اكثر جرأة وشجاعة ضد الفساد.
وقد نجحت التظاهرات العفوية التي انطلقت في 31 تموز 2015 في تغيير الواقع السياسي بالبلد عبر الدفع باتجاه قرارات حكومية جريئة، في الإصلاح، ليتزامن ذلك مع تزايد تدخل القوى الاقليمية عن طريق ادواتها المحلية لحرف التظاهرات عن أهدافها.
ووسط القلق المتزايد من فعاليات المندسين بين المتظاهرين والتمويل الأجنبي والمحلي لهم،حذر محللون وناشطون مدنيون من اطالة امد التظاهرات في ظل تدخل اقليمي، يحولها الى فوضى وصراع على السلطة عن طريق اعادة تاهيل رموز البعث، وتمكنين الحواضن الإرهابية.
وفي هذا الشأن تقول الاعلامية زمن الفتلاوي ان “اغلب منظمي التظاهرات في بغداد والمحافظات الاخرى تابعين لاجندات سياسية لذلك نرى ان مسار التظاهرات قد تغير من مطالب خدمية الى ورقات اصلاحية والاطاحة ببعض الشخصيات السياسية”.
وتضيف الفتلاوي ان “هناك مخطط يحاك من قبل شخصيات مشبوهة لنصب سرادق الاعتصام وادخال بغداد في فوضى وتشتيت جهد القوات الامنية في مكافحة الارهاب”.
وتقول مصادر المتظاهرين، ان تلك الجهات تسعى عبر المندسين، الى جر التظاهرات إلى العنف، ورفع شعارات ضد جهة معينة وسياسيّ طائفة معينة دون غيرها ونقل التظاهرات الى الوسط والجنوب كون تلك المحافظات تمثل العمود الفقري للبلد فالخلل الامني فيها يجر البلاد الى فوضى لا يحمد عقباها.
الى ذلك يقول الكاتب والمراقب للشأن العراقي معن حسن ان “اتحاد القوى يحاول مع بعض الاطراف الحكومية والشخصيات المدنية باستغلال ادامة عمر التظاهرات ولتحقيق مكاسب ومنافع شخصية وحزبية”،
و اتضحت الصورة مع انعقاد مؤتمر الدوحة الذي اكد على ضرورة دعم التظاهرات، فيما الحقيقة تقول العكس، إذ لا يحظى هؤلاء بتأييد جماهيري إلا بين المندسين الذين قبضوا ثمن أعمالهم مقدما لتحريف التظاهرات عن مقاصدها.
وبهذا الصدد يقول المحلل السياسي عبد العزيز العيساوي ان “اهداف مؤتمر الدوحة الذي ضم شخصيات متهمة بالارهاب ومطلوب للقضاء العراقي، تجلى في فكرة رئيسية ومهمة وهي طرح وجوه سنية جديدة على الساحة بالاضافة الى اعادة خميس الخنجر ورافع العيساوي الى الواجة السياسية مستغلين الانشغال في التظاهرات الاصلاحية”.
ويضيف العيساوي ان “التظاهرات اصبحت لا قيمة لها في ظل وجود المنتفعين الذين سرقوا جهود المطالبين بالاصلاح ومكافحة الارهاب، لتوجية الجماهير نحو الاساءة الى الرموز الوطنية”، ولم يخفي العيساوي قلقه من “الاعتصامات في بلد يعاني من الارهاب ما يخلق فوضى تمكّن داعش في تحقيق انجازات”.
ويشير تقرير صحفي الى ان شخصيات مدنية ادعت تنظيم التظاهرات تقاضت مبالغ مادية طائلة لحرف مسار التظاهرات .
ولمح التقرير الى ان هناك ثمة كاتب يدّعي انه مع التظاهرات، ويسخّر عموده اليومي وتدويناته، للتحريض على الحكومة، فيما يغض النظر عن مصدر تمويله المعروف وهو إقليم كردستان، الى الحد الذي لم يتجرأ فيه على تفسير الإصرار من مسعود بارزاني على البقاء رئيسا ابديا في الإقليم، فيما الكاتب نفسه انتقد مراراً وتكراراً رئيس الحكومة السابقة، في سعيه الى ولاية ثالثة.
كاتبٌ آخر، صاحب عمود يومي، عُرف بعلاقاته الوثيقة مع المطبّلين لبارزاني مثلما عُرف بعلاقاته الخليجية، وتلقيه الدعم المالي المعروف، يصمت أيضا عن الفساد في الإقليم، بل والفساد في المؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها والتي يعرف الجميع مصدر تمويلها، فيعيب على رئيس الوزراء حيدر العبادي تأخره في الإصلاح، وكيف ان المتظاهرين باتوا يضيقون ذرعا بمماطلاته.
اعلامي آخر، يزعم انه يقود التظاهرات، يوّجه الشباب من حوله بشعارات معينة ويستثني الجهة التي يتلقى منها التمويل، بل ويحذر الشباب من مغبة عمل ذلك بذريعة التركيز على هدف معين، لجهة عدم تشتيت الجهد.
اعلامي عراقي، يعمل في صحيفة عراقية ، لم يتجرأ يوما على انتقاد الإرهاب السعودي بسبب علاقاته السابقة مع اعلاميين خليجيين ، فيما يدعو المتظاهرين الى شعارات “انقلابية”.
وهؤلاء النفعيون والانتهازيون باتوا مكشوفين، ولم يعودوا يمثّلون الا انفسهم، لانّ الشباب العراقي كشف أمرهم، بعدما باتت الأغلبية من المتظاهرين تدرك كم هي حجم الدخل الشهري الذي يتلقونه من الجهات التي تدعمهم.
وقال شاب عراقي متظاهر في ساحة التحرير في بغداد “سنصدق هؤلاء لو انهم انتقدوا مسعود بارزاني ولو لمرة واحدة، وسنصدّقهم لو انهم اعلنوا التوقف عن استلام الدعم من هذه الجهة السياسية وتلك، ولو كتبوا مقالا واحدا يفضح الدور السعودي المخرّب في العراق”.
وتأتي هجرة الشباب من العراق الى اوربا واحدة من نتائج الفساد الحكومي والبرلماني.
فقد كتب الناشط المدني والكاتب عامر موسى الشيخ على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” عن مشروع الهجرة، بان احد اصدقاءه قرر ان يهاجر، واضعا جسرا من الأحلام التي قد يحقق من خلالها شيء لطفليه الصغيرين، وفي خضم دوامة التظاهر وهاجس الهجرة وحرقته على ما يجري في البلد، حاول اقناع زوجته على الامر، واضعا اياها امام خيارين، اما ان تنتظره او أن تهاجر معه.
وتختصر هذه القصة، حال الكثير من الشباب العراقي الذي ادمن على فكرة الهجرة من دون حسابات دقيقة، لنتائج هذه المغامرة، وبات الامر مجرد هاجس وليس مشروعا مخططا له يثمر عن مستقبل ناجح.
وعلى النقيض من ذلك، فان هناك شبابا عراقيا، يرفض فكرة الهروب من الوطن الى المستقبل المجهول، ويرى ان المرحلة الحالية تتطلب التعاون والصبر في ظل حرب وطنية على الفساد والارهاب معا.
وفي حين يتاهب علي حسن الذي تخرج من جامعة بابل العام الماضي الى الهجرة عبر تركيا، يقول الناشط المدني احمد الخالدي، انه “رغم الوضع المتأزم في البلد، لكن الهجرة في الوقت الحالي فكرة غير صائبة، وان الدفاع عن الوطن بحاجة لنا جميعا، عبر الدعم المعنوي، او المشاركة في القتال”.
وفي نفس المنحى أكد الناشط المدني احمد البصري على أن “هجرة الشباب تتزامن تماما مع انتصارات الحشد الشعبي، واعتقد بأن هنالك من يحاول ان يفرغ الوسط والجنوب من الشباب”.
وتابع “تفريغ البلد من الشباب لايمكن القول عنه مؤامرة، لكنه سلسلة تداعيات ادت بالشاب العراقي الى التفكير بالهجرة”.
وتابع “من الاسباب التي دعت الى ذلك هو شعور الشاب العراقي باليأس بسبب البطالة وعدم قدرته على التعببير عن قدراته ومؤهلاته وتوظيفها للحصول على وظيفة او ددخل مادي”.
وأعربت المرجعية الدينية، الجمعة، 28 آب الماضي عن قلقها من اتساع ظاهرة هجرة الشباب العراقي الى الخارج، وفيما حذرت من افراغ العراق من الطاقات الشبابية، دعت الشباب الى إعادة النظر بخيارتهم.
وتشير متابعات صحفية واعلامية الى تسلسل الاحداث، وماتنشره وسائل الميديا بان ظاهرة هجرة الشباب العراقي الى بلدان اخرى اتسعت خلال الآونة الاخيرة.
وعبر السفر الى تركيا ودول اخرى يستعين الشباب بمجاميع التهريب لتحقيق هدف الهجرة.
واهاب الكربلائي بالمسؤولين الى “ادراك حجم خطورة هذه الظاهرة وتداعياتها على البلد، والعمل بصورة جادة على اصلاح الاوضاع بخطة تنموية شاملة في مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية والزراعية”، حاثا على “تنشيط القطاع الخاص لاستيعاب العاطلين عن العمل”.
الباحث الاجتماعي ماجد حسين من بابل، يرى ان “الشباب المحبط يحتاج الى مشاريع تؤهله لان يكون فرادا ايجابيا في المجتمع”، مشيرا الى ان “هناك تضخيم في الظاهرة فالكثير من الشباب العراقي يقاتل ويقدم التضحيات دفاعا عن الوطن”.
و حذّر وزير الهجرة جاسم محمد في 6 أيلول الجاري من تداعيات مغادرة العراقيين البلاد ولجوئهم الى الدول الأوربية، عاداً ازدياد عدد المهاجرين العراقيين إلى الخارج خطرا مقدحا في تشرد الفئة العمرية الأهم من السكان.
وعزا الوزير في بيان صحفي ازدياد الهجرة في البلاد الى “إطالة أمد الأزمات البنيوية بقطاعات الأمن والاقتصاد والخدمات فضلا عن النزاعات الدائرة في الجوار العراقي الممثلة بسوريا وانعكاسها على الداخل العراقي”.
وكان مدونون قد اطلقوا في مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حملة مدنية ضد هجرة الشباب، واطلقوا معها “هاشتاغ”، داعين الى عدم الهجرة وافراغ البلد من الشباب، وحظيت هذه الحملة بتأييد واسع من قبل الناشطين والمدونين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعترف الشاب كريم الخفاجي من بابل بان البعض من الشباب في بغداد وبابل ومناطق الوسط والجنوب سافر الى تركيا والاردن بغية الهجرة بطرق غير شرعية.
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين عبرت، في 22 آب الماضي، عن قلقها “الشديد” إزاء زيادة أعداد المهاجرين العراقيين غير الشرعيين، فيما أشارت إلى قرب عقد اجتماع مع عدد من الدول للتفاهم حول هذا موضوع.
وأدت الأحداث التي مر بها العراق بعد الحرب في 2003، وسيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة شمال البلاد في عام 2014، إلى عملية نزوح واسعة داخل العراق، فضلا عن هجرة أعداد كبيرة من الأسر والأفراد إلى خارج البلاد.
ويؤكد قصي العبودي وهو ناشط مدني التحق منذ ايام مع الحشد الشعبي “اعطاء فكرة عن حجم الشباب الذين هاجروا خارج العراق غير صحيح وهناك من يتعمد ان يكبر حجم الشباب الذين خرجوا”.
وتابع “هنالك من يحاول الاساءة للحشد الشعبي بشكل مستمر، لكننا مع بعض الاصدقاء سنعمم فكرة التأييد المستمر الذي كنا عليه منذ انطلاق الحشد الشعبي على دعمه، مستمرون بهذا الدعم والبعض من الاصدقاء التحق معنا في الحشد”.
وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان، أكدت في 5 من آب الجاري، أن أكثر من 17 عراقياً لقوا حتفهم خلال هروبهم من تركيا إلى الدول الأوربية خلال تموز المنصرم، وفي حين بيّنت أن أكثر من 400 ألف مهاجر عراقي إلى تركيا يسعون للهجرة منها بصورة غير مشروعة، حذرتهم من المخاطر المترتبة على حياتهم من جراء ذلك.
المدون فريد الخزرجي يرى ان ابعادا سياسية وراء هجرة الشباب، فيقول ان “هناك تركيز متعمد على هجرة الشباب والتظاهرات، لابعاد الاهتمام عن الحشد الشعبي والتطوع في صفوفه”.
ومهما كان حجم الظاهرة، فان العراق بحاجة الى المشاريع الصناعية والزراعية ودعم الخطط الكفيلة بتوفير فرص العمل لتوظيف الاف من الشباب العاطل عن العمل، اما الحديث بعاطفة وحماس عن الظاهرة من دون اجراءات ميدانية، فسوف لن يحد من الظاهرة.