في عام 2014، جرت احدى اغرب صفقات الفساد، حيث تمثلت بايقاف العمل بمشروع شبكة اتصالات لمدة عام كامل، ثم اعادة التفاوض مع الشركة لتمارس عملها، مع دفع الحكومة العراقية مبالغ تعويضية لها، بسبب ايقافها عن العمل، طريقة نفذها مكتب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وبأمره.
حيث كشف مصدر مسؤول إن “مشروع نوروزتيل، وهي شبكة اتصالات وخدمات انترنت كردية، ومشروع إستثماري، لا تتحمل فيه وزارة الاتصالات صرف دولار واحد، بل هو مسؤولية الجهة المستثمرة التي تتحمل كافة كلف إنشاء المشروع، وبعد الإنتهاء من إكمال المشروع تتحقق الأرباح التي تتراوح بين ٥ إلى ١٥ مليون دولار شهرياً، ومنها حصة للوزارة، تقدر بـ26%”.
وبين ان “ما حصل هو ايقاف عمل هذه الشركة، من قبل المالكي ومكتبه ومتنفذين بوزارة الاتصالات، لاسباب مجهولة، ثم بعد عام من الايقاف، تحرك مكتب رئيس الوزراء لاحياء المشروع من جديد، ما ادى الى دفع مبالغ تعويضية لشركة نوروزتيل، بسبب خسارتها وفوات المنفعة”.
واوضح “لقد تمت إعادة التعاقد مع شركة نوروزتيل بإشراف المالكي وبطلب من نفس الكادر الوزاري وبنفس الشروط السابقة، حيث شكل المالكي لجنة للتسوية مع الشركة فتم الإتفاق على تعويضهم بمبلغ يتجاوز المئة وسبعون مليون دولار حيث كان تقرير شركة (أرنست يونغ) أن تعوض شركة نوروزتيل بمبلغ 227 مليون دولار، رغم ان كلفة المشروع الذي لم ينجز تتراوح بين مئة إلى مئة وخمسين مليون دولار، ولم ينفذ أكثر من نصف المشروع، ولكن شركة نوروزتيل طالبت بتعويض (فوات المنفعة) حيث إن الوارد السنوي يتراوح بين ستين مليون إلى مئة وثمانين مليون دولار، لذلك صدر تقرير إرنست يونغ التعويض بهذا المقدار، وإن المالكي طلب تخفيض المبلغ بمقدار ٢٥٪، ليصل الى هذا المبلغ النهائي”.
وولفت الى ان “المالكي صدق على كافة مقررات لجنة التسوية، وأصدر كتاباً من مكتبه موجهاً إلى وزارة المالية، بدفع مبلغ التعويض والبالغ أقل بمقدار ٢٥٪ من المبلغ الكلي (٢٢٧ مليون) أي يتوجب دفع مبلغ أكثر من مئة وسبعين مليون دولار لشركة نوروزتيل”.
وكشفت وثائق تثبيت التسوية مع الشركة وكتاب المالكي الى وزارة المالية لاطلاق مبلغ التعويض، كما موضح ادناه.
وبهذه الصفقة “المبهمة” عادت الشركة لتعمل في اقليم كردستان، بعد ان استحصلت على مبلغ تعويض كبير جدا، بسبب ايقاف واعادة تسوية، بطريقة “غريبة”، حيث اوقفت عن العمل اثناء المراحل الاولى للمشروع، واستكملت عملها بذات الشروط السابقة، مع مبلغ مالي، هل كان للمالكي ومكتبه حصة من مبلغ التعويض؟ وما الجدوى من هذه “العملية” برمتها؟.
من جهة اخرى كشف تحقيق استقصائي أجرته مؤسسة “بروبابليكا” للصحافة الاستقصائية بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست، عن تخلي الإدارة الأميركية عن خططها التي أقرتها لدعم استقرار العراق ما بعد الانسحاب الكامل في ديسمبر 2011، مما تسبب في تعزيز سياسة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الطائفية، وتنامي التنظيمات المتشددة وأهمها “داعش”.
وقال التحقيق الذي اعتمد على وثائق وحوارات مع مسؤولين سابقين في الخارجية الأميركية خلال فترة تولي هيلاري كلينتون منصب وزيرة الخارجية، إن إدارة الرئيس باراك أوباما تجاهلت إنفاق ما يقرب من 1.6 مليار دولار كانت مخصصة لدعم برامج أميركية مدنية لمحاربة التطرف والطائفية، وتدعيم منظومة الحكم المحلي في عدة محافظات عراقية.
وأشار التحقيق إلى أن الخارجية الأميركية أوقفت هذا التمويل، ووجهته إلى دعم التحرك الأميركي في نزاعات أخرى كالنزاع الليبي وغيرها من العمليات الدبلوماسية والعسكرية.
وقال المسؤولون السابقون في الخارجية الأميركية إن وقف هذه البرامج، التي كان أهمها برنامج مكافحة التطرف وبرنامج المصالحة وتسوية النزاعات الذي حقق نجاحات في فض نزاعات عرقية وطائفية عدة، كان بمثابة “قطع الأذنين واليدين” في مواجهة المخاطر المحدقة التي كانت تدرك الإدارة الأميركية أنها تتصاعد على مرأى ومسمع من حكومة المالكي رئيس الوزراء العراقي آنذاك.
وأوضح التحقيق أن الخارجية الأميركية عرضت مد المالكي بمنظومة طائرات من دون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية لتدعيم حربه في مواجهة التنظيمات المتطرفة، لكنه لم يكن متشجعا لذلك وقاوم أي محاولة من واشنطن لتدشين برامج دعم مدني وأمني في محافظات ذات غالبية سنية.
وخلص التحقيق إلى أن الجيوب الاستراتيجية التي خلفها تقليص النفقات على المرحلة الانتقالية التي تفصل بين الوجود الأميركي العسكري والوجود الأميركي الدبلوماسي والتقني في العراق، يضاف إلى ذلك الانتهازية السياسية للمالكي من أجل الانفراد بخصومه السنة وفرض هيمنته الكاملة على العراق ما بعد الانسحاب الأميركي، جميعها عوامل ساهمت في ظهور داعش وتمددها وسيطرتها على مناطق مثلت بؤرة الصدام بين المالكي والعرب السنة.
واستنكر التحقيق صمت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عن هذا القصور الواضح في تعاملها مع أزمة العراق ضمن تواجدها في الإدارة الأميركية، مشيرا إلى عدم ذكر كلينتون للأمر بأي صورة من الصور في كتابها “خيارات صعبة”، الذي أصدرته قبل أعوام وتضمن تفاصيل تجربتها في وزارة الخارجية.