ليلة اجتياح الموصل: المالكي نائم وصهره يصدر اوامر انسحاب القوات المرابطة
كما لم يكن صعبا تشخيص ان مخططي الازمة والداعمين لجماعاتها الارهابية ومموليها وموفري مستلزماتها اللوجستية من اعداء سورية هم انفسهم يناصبون العراق العداء سواء كان المالكي رئيسا لحكومته او لم يكن، فهدف هؤلاء على كل مراحل التاريخ اطفاء الشعلة الحضارية والتنويرية والانبعاثية للعراق وسورية.
ومن المؤكد ان المالكي قد ادرك ذلك كله، لكنه لم يجرؤ على مناكفة اميركا والخروج على طاعتها، والحاق العراق بموقعه الطبيعي التاريخي في اطار مقاومة امركة العالم الذي ايقظته الازمة السورية من سباته وصار يمتد من الصين الى ايران فسورية ولبنان وحتى دول البريكس.
في السياسة، كما في العسكرتاريا، فان الهجوم افضل وسيلة للدفاع، وكانت امام المالكي فرصة تاريخية لتصحيح مسار انتدابه من قبل الادارة الاميركية لرئاسة الحكومة العراقية بالوقوف مع ارادة شعبه ضد اميركا، وكان بامكانه ان يتحول الى بطل وطني لو عمد الى الغاء الاتفاقية الامنية بسبب دفع اميركا الجماعات الارهابية الى سورية ومنها الى العراق من خلال الدول الحليفة لاميركا مثل الاردن وتركيا والسعودية، واعلن انضمامه الى اطار مقاومة امركة العالم، لكنه لم يفعل، وظل يلعب في المنطقة الرخوة بين اميركا وحلفائها واطار مقاومة امركة العالم، وهذا الامر انعكس سلبا على صورته في المشهد العالمي فبدا شاحبا بلا ملامح، وقد كشفت ردود الفعل الايجابية على اختيار العبادي بديلا عنه من دول ذات توجهات متضادة (اميركا وايران مثلا) ومن كيانات عراقية متضادة ايضا (الكرد وعصائب اهل الحق مثلا) ليس رغبة في وضوح لم يستبن بعد لحيدر العبادي انما عزوف عن شحوب المالكي.
ثالثا: العداء الاقليمي.
بالوقائع التاريخية، ثمة يقين بان بعض دول الطوق العراقي (تركيا والخليج) تريد العراق دائما كاسحة الغام امامها ضد ايران غير الاميركية، اما ايران الشاهنشاهية الاميركية فكانت صنما تخر امامه الرؤوس والعروش الخليجية، وقد دفعت كما هو معروف هذه الدول صدام حسين الى خوض حرب طاحنة لمدة ثماني سنوات ضد ايران حولت العراق من دولة قاب قوسين او ادنى من مغادرة العالم الثالث الى العالم المتقدم الى حطام دولة.
اجل ان الاطاحة بالمالكي كانت هوسا خليجيا صرفت من اجله اموال هائلة سواء على صعيد تمويل الجماعات الارهابية او تمويل مناهضيه او رشوة صناع القرار الاميركي لكنه لم يقصد الاطاحة بالمالكي نفسه كشخص، بل يقصد رفضا عارما لتحول العراق من كاسحة الغام الى مرشة ماء.
رابعا: الموصل وما بعدها:
مازال اقتحام الموصل من قبل الجماعات المسلحة يثير مئات الاسئلة حول الكيفية التي تمكنت فيها الوف من المسلحين من اقتحام مدينة يربو عدد القوات المسلحة فيها على الخمسة وسبعين الف جندي وشرطي بكامل عددهم العسكرية اللازمة لمواجهة اي اقتحام من هذا النوع، لكن ادراك ان ضلوع محطات استخبارات اميركية وصهيونية تتخذ من اربيل والسليمانية مقرات لها بالتعاون مع الاستخبارات الكردية باستمالة بعض قيادات الجيش بالرشوة حينا والترويع حينا اخر، وان بعض قيادات الجيش والشرطة دأبت على خيانة شرفها العسكري من خلال ظاهرة (الجنود الفضائيين) الذين ينحصر وجود اسمائهم في سجلات الرواتب التي يقبضها عنهم الضباط الفاسدون ولاوجود لهم على الارض بين الوحدات العسكرية، قد اسهمت في وقوع نكبة الجيش الكبرى، اضافة الى هزال نوع التسليح وهشاشة التدريب وانعدام الانسجام بين الوحدات العسكرية في الموصل وصلاح الدين مع البيئة الاجتماعية على خلفيات تنابز طائفي مقيت، واشتداد التناحر بين المكونات السياسية وانعكاسه الشرطي على المكونات الاجتماعية، وامعانه في اذلال ضباط الحيش العراقي السابق وحرمانهم من ابسط حقوقهم المهنية والانسانية، واستشعاره الخوف من اعادتهم الى الجيش الحالي للافادة من خبراتهم الميدانية المتراكمة، وتسريح الالوف من اساتذة الجامعات والكفاءات العراقية على خلفية شمولهم باجراءات قانون المساءلة والعدالة.
ورغم اهمية العوامل مارة الذكر الا انها تبدو بسيطة امام المتاهة التي وقعت بها وحدات الجيش بسبب اهمال القائد العام للقوات المسلحة العراقية (نوري المالكي) لما يحدث على الارض.
ففي حين كانت العصابات الارهابية تبتلع ثلث العراق من دون ان تطلق عليها رصاصة واحدة فقط كان المالكي ليلتها يغط في نوم عميق ويرفض حارسه (وصهره في الوقت نفسه) ايقاظه للرد على استغاثة ضباط وحدات بقيت مرابطة في مواقعها وتدارك بعض ما يمكن تداركه، بل يذهب بعض المقربين من دائرة المالكي الضيقة الى ان ذلك الحارس والصهر اصدر امرا باسم (المالكي النائم) لتلك الوحدات بالانسحاب، وهذا الامر بصرف النظر عن دقة تفاصيله يبدو معقولا جدا عند مقارنته مع رفض المالكي شرح ما حدث في الموصل وصلاح الدين في اجتماع القيادات العراقية (وفيهم رئيس الجمهورية بالوكالة ورئيس مجلس النواب) زاعما ان ثمة اسرارا خطيرة لايجوز البوح بها، وبالطبع فان تبريرا مثل هذا لا تخفى محاولته ذر الرماد في العيون مقرونة باصرار على ابقاء حقيقة ماحدث ومنها امر الانسحاب داخل دائرة ضيقة، ويعاضد هذا الاستنتاج عزوف المالكي عن محاكمة كبار الضباط الخونة واصداره امرا باحالة بعضهم على التقاعد فسره البعض على انه مكافأة لضمان سكوتهم عن دور المالكي في وقوع نكبة العاشر من حزيران.
ثم ، وبينما كانت بعض الوحدات العسكرية تجاهد في ظروف نفسية وتسليحية معقدة لصد داعش من الاقتراب من بغداد كان المالكي يصرف جل وقته في منبريات الدفاع عن حكومته ومهاجمة انداده وفي الدفاع عن الولاية الثالثة.
اذن، فشل المالكي كقائد عام للقوات المسلحة العراقية انعكس شرطيا على مسؤوليته كرئيس للوزراء، ويعود فشله العسكري الى سماعه للصوت المنفرد، صوته هو وطاقمه الاستشاري الذي حرص على تقديم ما يحب المالكي سماعه، وانصرافه عن سماع الاصوات الاخرى التي نادت بالاعتماد على مصادر تسليح متعددة وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة الاميركية، وحثت على ايجاد الفريق الحكومي المتعدد الاصوات لا الفريق الحكومي المنفرد الصوت والمنغلق على نفسه.
من المؤكد ان وقوع ماحدث في الموصل ناجم عن تخطيط عدائي مركب اسهمت فيه اميركا والكيان الصهيوني ومشيخات الخليج وتركيا وبعض الاكراد، لكن من المؤكد ايضا ان تفادي ما حصل كان ممكنا لو ان المالكي مارس مسؤوليته العسكرية على نحو اكثر جدية ولو ان احسن اختيار قياداته العسكرية الميدانية، ومن المؤكد كذلك فان المالكي كان سيخسر الانتخابات لو ان مخططي اجتياح الموصل قد نفذوه قبل توجه العراقيين الى صناديق الاقتراع، فمجزرة قاعدة سبايكر التي راح ضحيتها 1700 طالبا في كلية الطيران ومجندا كانت كافية لان تدمغ المالكي بالهزيمة.
كان صعبا على حلفاء المالكي وشركائه في الحكومة ( مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحسين الشهرستاني وابراهيم الجعفري وحزب الفضيلة والى حد ما زعيم كتلة بدر هادي العامري) تجرع كأس هزيمة لم يكونوا طرفا فيها، لذا فقد استبطنوا استبعاده مؤيدين بزخم سياسي داخلي (الاكراد واسامة النجيفي وصالح المطلك واياد علاوي) وزخم سياسي عراقي معارض خارجي (حارث الضاري وخميس الخنجر واكرم زنكنه وارشد زيباري واخرين) وزخم سياسي دولي داعم (اميركا واوربا ومحميات الخليج وتركيا)، ولم يستطيع المالكي الافلات من قوة هذه القبضة فحاول استثارة جماهيره للنزول الى الشارع ومحاكاة التجربة المصرية في بعض تموضعاتها، لكنه فوجئ بضعف الاستجابة، فلم تخرج غير تظاهرتين في بغداد لم يتجاوز عديدهما الالفي متظاهر، وتظاهرتين في كربلاء وميسان لم يتجاوز عديهما بضع مئات، وتظاهرة في البصرة من بضع مئات ايضا كان لعشائر بني مالك (عشيرة المالكي) الثقل الاكبر فيها اذ هددت بالتمرد او قطع الطرق في حالة استبعاد المالكي عن الولاية الثالثة.
(يتبع)