القضاء العراقي: اتهامات بعدم الكفاءة والانحياز

بغداد/ اورنيوز/ حارث حسن: كثيرون من الذين عارضوا نظام صدّام حسين وعملوا على إيصال معلومات عن جرائمه وانتهاكاته للمنظمات الدوليّة لحقوق الإنسان مثل منظمة “العفو الدوليّة” ومنظمة “هيومان رايتس ووتش”، لم يتوقّعوا أن تقوم هذه المنظمات بنشر تقارير حول انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في العراق الذي يقوده اليوم معارضو نظام صدّام.

وثمّة فجوة كبيرة بين ما كان متوقعاً أن يكون عليه العراق ما بعد صدّام وبين الواقع. وهذه الفجوة تعبّر عن نفسها بشكل خاص في نظام العدالة العراقي، اذ أشار التقرير الأخير الصادر عن منظمة العفو الدوليّة إلى عدم توفّر نظام فعال للعدالة في العراق.

وقد أشار تقرير منظمة العفو الدوليّة عن العراق للعام 2013 إلى وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وإلى فشل القضاء العراقي في ضمان نظام للعدالة يلتقي مع المعايير الدوليّة. وانتقد التقرير اللجوء المتزايد إلى أحكام الإعدام وانتشار التعذيب والمعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز، خصوصاً تلك التي تسيطر عليها وزارتا الدفاع والداخليّة. كذلك أشار التقرير إلى الانتهاكات الجسيمة التي تقوم بها الجماعات المسلحة، لكنه انتقد أيضاً الاعتقالات الجماعيّة التي تنفّذها الحكومة، وأكّد أن عدداً كبيراً من المحكومين ومن الذين نفّذت بحقّهم أحكام الإعدام لم يحظوا بمحاكمة عادلة.

وأكّد المحامي خزعل صبار من بغداد على صحّة هذه المعلومات. وكمثال على ذلك، أشار إلى قضيّة تفجيرات وزارة الخارجيّة وإعدام مجموعة تتألف من 11 متهماً ثم اعتقال مجموعة أخرى بالتهمة نفسها وإعدام ستّة من أفرادها. كذلك، ثمّة مجموعة ثالثة تتألف من سبعة أشخاص لم ينفّذ فيهم الحكم بعد في القضيّة نفسها. ووفقاً لصبار، فإنه من غير الممكن أن تحاكم مجموعات مختلفة على أساس الجريمة نفسها.  

وقد أصدر المجلس الأعلى للقضاء بياناً ردّ فيه على تقرير منظمة العفو الدوليّة، موضحاً أن عقوبة الإعدام تصدر حصراً بحقّ مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تهدّد أمن المواطنين وحياتهم وأن “المحاكم تطبّق هذه العقوبة بعد إجراء تحقيقات ومحاكمات تتوفّر فيها جميع المعايير الدوليّة للمحاكمات العادلة”. وفي الكلمة التي ألقاها رئيس السلطة القضائيّة الاتحاديّة مدحت المحمود في شباط/فبراير الماضي بمناسبة افتتاح أوّل مقرّ للسلطة، أقرّ بصعوبة المهمّة التي تواجه القضاء بسبب العدد الهائل من القضايا لا سيّما تلك التي تتعلق بالإرهاب. لكنه دافع عن سجلّ القضاء العراقي في التعامل مع تلك القضايا باستقلاليّة ونزاهة.

وسعت السلطة القضائيّة مؤخراً إلى تصحيح بعض الإجراءات من قبيل عدم التعويل حصراً على شهادة من يُعرَف بالمخبر السرّي في قضايا الإرهاب والعنف، بسبب اكتشاف الكثير من الدعاوى الكيديّة. كذلك شرعت باستخدام نظام الأرشفة الإلكترونيّة بحق الأشخاص المتهمين بقضايا مختلفة وخصوصاً الإرهاب، من أجل الحدّ من أوامر إلقاء القبض المزوّرة.

وتُتّهَم السلطة القضائيّة من قبل معارضي رئيس الوزراء نوري المالكي، بأنها أصبحت خاضعة بشدّة لنفوذ الحكومة، ويُتّهَم المالكي بأنه يستخدَم القضاء للتخلّص من خصومه. وقد بدأت هذه الاتهامات منذ الانتخابات الماضية في العام 2010، حينما تبنّت المحكمة الاتحاديّة تفسيراً للدستور سمح للمالكي بتشكيل الحكومة الحاليّة على الرغم من أنه لم يكن الفائز الأول في الانتخابات. ثم تكرّرت مع قيام المحكمة الاتحاديّة بالحكم لصالح الحكومة في خلافاتها مع البرلمان، بشكل أضعف البرلمان كثيراً خصوصاً بعد تجريده من سلطة تشريع القوانين بمعزل عن الحكومة. ومؤخراً وعلى خلفيّة الصراع بين المالكي ورئيس البرلمان أسامة النجيفي بشأن الميزانيّة وتهديد المالكي باللجوء الى القضاء، ثمّة مخاوف من تجريد البرلمان من سلطته الوحيدة المتبقية وهي إجراء التعديلات على مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة.

ومنذ اتهام نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي بالتورّط في نشاطات داعمة للإرهاب ثم بعد عام واحد توجيه اتهام مماثل لوزير الماليّة السابق رافع العيساوي، ساد الاعتقاد بأن الحكومة نجحت في توظيف القضاء لضرب خصومها السياسيّين. ومؤخراً تعمَّق هذا الاعتقاد، قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعيّة المقبلة. فقد قامت الهيئة القضائيّة الانتخابيّة بحرمان بعض المرشّحين المعارضين المعروفين بمعارضتهم الشديدة للمالكي، من المشاركة في الانتخابات. وعلى سبيل المثال، اعتبر قرار للهيئة أن رافع العيساوي غير مؤهّل للمشاركة في الانتخابات لوجود مذكّرتَي اعتقال بحقّه بتهم فساد وثلاث مذكّرات اعتقال بتهم إرهاب ولرفضه المثول أمام القضاء للدفاع عن نفسه. كذلك وبناءً على شكوى مقدّمة من النائبة في ائتلاف المالكي حنان الفتلاوي، قرّرت الهيئة حرمان النائب عن التيار الصدري جواد الشهيلي من الترشّح للانتخابات البرلمانيّة بسبب اتهامه بجريمة اختلاس.

وعلى الرغم من أن الهيئة ذاتها نقضت قرارات للمفوضيّة بحرمان نائبَين آخرَين معارضَين للمالكي هما صباح الساعدي ومثال الألوسي من المشاركة في الانتخابات، إلا أن ذلك لم يؤثّر في الاعتقاد السائد بأن القضاء يميل إلى الموقف الحكومي في معظم الأحيان. ويعطي معارضو المالكي مثالاً آخر في هذا الإطار وهو تبرئة القضاء لمشعان الجبوري الذي كان أحد خصوم المالكي وأصبح حليفاً له مؤخراً، من تهم خطيرة تتعلّق بالفساد المالي ودعم الإرهاب.

وتتعلّق المشكلة أساساً بتفسير فقرة في القانون الانتخابي تقضي بأن يكون المرشّح للانتخابات “حسن السيرة والسلوك”. وهي فقرة سمحت لائتلاف المالكي بالطعن في بعض المرشّحين لأنهم متّهمون بجرائم معيّنة. وبسبب ذلك، قام البرلمان بإصدار “تفسير” لتلك الفقرة يلزم المفوضيّة بعدم استبعاد أي مرشّح لم يصدر بحقه حكم قضائي بات ونهائي. وهو تفسير لم ينسجم على ما يبدو مع موقف السلطة القضائيّة، كما يتّضح في البيان الذي أصدره مجلس المفوّضين في المفوضيّة العليا للانتخابات في 25 آذار/مارس الجاري والذي أعلن فيه أعضاؤه استقالتهم الجماعيّة بسبب الضغوطات الكبيرة الناجمة عن “التنازع بين السلطتَين التشريعيّة والقضائيّة”.

ما زالت الكيفيّة التي ستنتهي إليها هذه الأزمة الجديدة غير واضحة. لكن ليس من المتوقّع أن تنتهي الضغوطات على القضاء العراقي الذي يواجه تحدّي إثبات استقلاليته ونزاهته، وهو تحدّ لا يبدو أنه نجح حتى الآن في التعامل معه.

 

Facebook
Twitter