<!– /* Font Definitions */ @font-face {font-family:”Cambria Math”; panose-1:2 4 5 3 5 4 6 3 2 4; mso-font-charset:1; mso-generic-font-family:roman; mso-font-format:other; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:0 0 0 0 0 0;} @font-face {font-family:Calibri; panose-1:2 15 5 2 2 2 4 3 2 4; mso-font-charset:0; mso-generic-font-family:swiss; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:-1610611985 1073750139 0 0 159 0;} /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-unhide:no; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:””; margin-top:0cm; margin-right:0cm; margin-bottom:10.0pt; margin-left:0cm; text-align:right; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:11.0pt; font-family:”Calibri”,”sans-serif”; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} p.MsoNoSpacing, li.MsoNoSpacing, div.MsoNoSpacing {mso-style-priority:1; mso-style-unhide:no; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:””; margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:11.0pt; font-family:”Calibri”,”sans-serif”; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} .MsoChpDefault {mso-style-type:export-only; mso-default-props:yes; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:Calibri; mso-fareast-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} .MsoPapDefault {mso-style-type:export-only; margin-bottom:10.0pt; line-height:115%;} @page Section1 {size:612.0pt 792.0pt; margin:72.0pt 90.0pt 72.0pt 90.0pt; mso-header-margin:36.0pt; mso-footer-margin:36.0pt; mso-paper-source:0;} div.Section1 {page:Section1;} –>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”جدول عادي”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin-top:0cm;
mso-para-margin-right:0cm;
mso-para-margin-bottom:10.0pt;
mso-para-margin-left:0cm;
line-height:115%;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;}
عذاب الركابي
“الذاكرة ُ هيَ كلّ ما يبقى لنا من النسيان.. والكتابة ُ هيَ كلّ ما تبقى لنا من َ الذاكرة ..” يواخيم سارتوريوس
“وجوه مرّت” عنوان الكتاب الجديد الذي صدرَ للكاتب والقاص والروائي الكبير عبدالرحمن مجيد الربيعي، وقدْ كانَ الكتابُ كما أرادَ لهُ الكاتبُ حالة قصّصية، إضافة ً إلى رصيده في فنّ القصّة ِ القصيرة، اختارَ لها عنوانا ًفرعيا ًلهُ دلالته: “بورتريهات عراقية”. فأبطال هذه ِ القصّص حقيقيون، ورُبّما همُ – كما يراهم الكاتبُ – استثنائيون ..، همُ كتّاب وشعراء وفنّانون، ونماذج اجتماعية، الصانع الأمهر لها الواقع، يصعبُ تكرارها، كلّ واحد ٍمنهم، عاشَ حياته ديوانا ً متنقلا، أو قصّة أوْ موقفا ً، فكانً حالة ً أوْ صورة لا تنسى. وكانَ بطلُ هذه ِ القصّص، بالإضافة ِ إلى الشخصية الرئيسة، المُفارقة، واللحظة النادرة الموحية، والموقف الصاخب والمدوي في حياة أولئك المبدعين.
وقدْ أحسنَ الربيعي صنعا ًحينَ بدأ َحالته القصّصية بشيخ الأدباء المتمردين المنسيّ الشاعر الرجيم حسين مردان الذي أطلق َعلى نفسه ِ ألقابا ً شهيرة، ظلت تتردّد بينَ الكتاب والمثقفين سنينا ًطويلة حتّى بعدَ وفاته مثل قوله: “أنا دكتاتور الكلمة ِ وربّ المعذبين” و”أنا عبقري، وفلتة من فلتات هذا الدهر اللعين”..، وكان حسين مردان فلتة ً في شعره ِ .. وتمرده ِ .. وأخلاقهِ .. وطريقة عيشه ِ .. وفي أدبه ِ .. ومواقفه. يقول ُالربيعي وهوَ يرسمُ بورتريها له: “حملت قصائده جرأة اجتماعية، وانقلاباً على المتعارف، وستقوده لاحقا ًإلى المحكمة، ليكون أولَ شاعر ٍ عراقي يُحاكمَ لا لموقفه السياسي بلْ لاعتدائه على المحرمات الاجتماعية ولأساءته إلى الأخلاق العامة”.
وكانَ حسين مردان (بودلير) عصره، مقبولا ً ومهضوماً، جمالُ شعره، وقوة نثره، جعلَ لهُ أتباعا، ومريدين. ذكرَ الربيعي أحد أتباعه كبير شعراء الحداثة بلند الحيدري. كتبَ المقالة باقتدار ِ، في أشهر المجلات ِ العراقية وأوسعها انتشارا ً وقتها وهيَ مجلة “ألف باء”. يقولُ الربيعي ذلك َلأنّ “مَنْ يقرأ مقالة ًلهُ يحسّ وكأنّهُ يمضغ قطعة َشوكولاته نادرة”.
“إنّ الوظيفة الثانية للفنون هيَ توضيح وجلاء التجربة” أروين أدمان!
وهذا ما فعله ُالصديق الربيعي في بورتريه الأديب خيون راشد فهوَ قصّة اكتملت فيها كلّ المقومات الفنّية، بخبرته التي منحتها مذاقا ً خاصا ً، لا بلغتها السهلة الذوبان الرائعة الطعم ِكقطعة الشوكولاته فحسب إنما بالتقاط ِ اللحظات النادرة والطريفة والتي منحت بطل القصّة كلّ هذا الخلود، فذكر السلوك الجنسي الشاذ في حياة خيون راشد ليسَ مهما ً، بقدر ما هوَ مهم الطريقة والخطة المحكمة التي يتم من خلالها تجسيد هذا السلوك، وهوَ يصدر من كاتب وأديب وشخصية معروفة في الوسط الوظيفي والاجتماعي والأدبي، أما تعاطيه الخمر كانَ وسيلة للخلاص، وقصّة خيون راشد مع “بعير” البدوي الذي سقاه ُخيون زجاجة خمر كاملة فأسكره ليتخلص من خواره الذي أقلقه في نومه ِ، كانَ هوَ الخاسر فيها، فقد اقتلع البعير في لحظة ِ سكر ٍ شباك بيته، حتّى غدا الموقف الطريف هذا مثلا ً بينَ الناس، وقسما ً ساخراً، أورده الربيعي وهو يرسمُ بورتريها لهذه ِ الشخصية الفذة: “وحقّ أبو راشد صديق الغلمان، ومسكّر البعران”.
قصّة “كوزان” هيَ بوتريه للبطل ِ والمكان معا ً ..، فهوَ شخصية شعبية ، نتاجُ الحارة ِ والحيّ الشعبي، وبلباقته ِ ، وحسن تدبيره ، وحركاته ِ التمثيلية ، حولتهُ إلى شخصية هامة ، ذائعة الصيت ، فلمْ يَعد ذلك َ الشخص الذي يُنادي لجذب ِ وإغراء روّاد السينما فحسب ، إنما اختيرَ ليجسّد الشخصيات التراثية في الكرنفالات التي كانت تقام في مدينة الناصرية أيام عاشوراء، وفي الطقوس الشيعية وهم يحيون رموزهم في ما يسمونه “التشابيه الحسينية”.
قصّة “كوزان” قصّة مكان حافل بالغرائب والعجائب ..، رُبّما لمْ تستطع أسطر التاريخ الإلمام بكلّ تفاصيلها ..، وقدْ جسّدتها القصّة، وهيَ تشير إلى تفاصيل في غاية الدقة: “كان َ كوزان لا يرتدي إلا دشداشة مقلمة، غالبا ً ما يرفع ذيلها ليلمه بحزام لباسه الداخلي”. و”وأحيانا ً يتحولُ الأمرُ إلى شجار ٍ بالأيدي أوْ بالشتائم بينَ الراغبين في الفيلم والرافضين له، ولنْ تهدأ الأمور إلا بتدخل الشرطة الذينَ يهرعُ كوزان لطلبهم حتّى لا تتطور الأمور إلى القتل”.
قصّة “مدلول يدّه”، نسيج من الواقع المتمثل في شخصية البطل ووالده المرابي الجشع .. ، والفانتازيا التي صاحبت سلوكية البطل مدلول في قصّة حبّه العجيبة، وهوَ الغبي .. الفاشل.. ومصدر التندر والسخرية في المنطقة، خسرَ مدلول المدرسة .. والأب .. والوقت ، ولكنه رغمَ الثمن الذي كانَ باهظا ً من صفعات الشرطة، إلا أنه ُ فاز َ بلقب ِ “مجنون شيماء” الذي لا يضاهيه لقب إلا لقب الشاعر قيس بن الملوح وهوَ (مجنون ليلى)..، اللقب الذي انتهى بالبطل مدلول في آخر أيامه إلى مستشفى الأمراض العقلية ببغداد.
قصّة “حامد جمعة” .. وقصائده ُالموزونة بدا البورتريه فيها كاريكاتيريا محضا ..، شخصية وُلِدت .. وعاشت.. ثمّ خلدت بالمصادفة ، يتحولُ البطلُ من شخص ٍ يرتاد ُ المجالس الأدبية والثقافية، والجلوس في أشهر مقاهي الأدب والثقافة ، التي كانَ فيها كرسي للسياب والبياتي ..، إلى شاعر ٍ، من دون أنْ يكتبَ الشعر، فالقصيدة التي تنسب لهُ ، وربما يتبجحُ بها ، هي (أجرة) نوم ٍ شاعر ٍ مخمور لا يجدُ مكانا ً ينامُ فيه ، كيْ يختصرَ ليل بغداد ، إلا في الفندق الذي يملكهُ – حامد جمعة الذي أصبح يشترط أنْ تكونَ القصيدة – الأجرة موزونة ومقفاة ..، حتّى أصبح البطل حامد جمعة علما ً، واسمُه ُ في مجلدات أعلام أدباء العراق المعاصرين، بلْ نجم من نجوم الأدب والشعر في بغداد الحبيبة: “غادرنا بغدادَ وحامد جمعة نجمٌ من نجوم الأدب فيها، حتّى أنّه أشرف َ على الصفحة الثقافية لإحدى الجرائد التي أصدرتها الدولة هذا ما سمعناهُ عنه ُ لاحقا ً، ونحنُ ننأى بعيدا ً عن بغداد الحبيبة اضطرارا “.
أمّا بورتريه خالد الحدّاد فقدْ بدا شاحبا ً، وحزين الملامح والألوان والخطوط..، لوحة تشكيلية أجادتها أصابع ُ رسّام ٍ ماهر ٍ مثل الربيعي الذي بدأ حياته طالبا ً في معهد الفنون الجميلة ببغداد ..، فطبيعي أنْ يشكّل ، ويرسمَ ، ويجيد فنّ البورتريه، بلْ هوَ القادر على وضع قواعد هذا الفنّ الجديد الجميل في أدبنا ، ألا وهوَ: القصّة- البورتريه وهوَ المبدع المهووس بالتجريب، المصحوب باللذة والنحول والألم ِ معا ً. هذا العبقري أندريه جيد يقولُ في كتابه “قوت الأرض”: “أعمالنا تلتصقُ بنا كالوميض بفسفوره ، صحيحٌ أنّها تصنع ُ أبهتنا ، لكنْ بإذابتنا”.
وخالد الحدّاد لوحة تشكيلية مُتقنة ، ومٌعبرة ، لشاعر ٍ منسي، مُنكسر ٍ، حياته الكتاب ، بلْ رفيقه الدائم ، فهوَ لا يُرى في المدينة إلا وهوَ يتأبطه مع الجرائد والمجلات..، ملامحه القنوط، واليأس ، والحزن ، وسيطرة الوحي الشعريّ عليه. تلك َ هيَ ملامحه ، بلْ البورتريه الذي رسمه لهُ أيضا ً مجتمعه: “كأنّهُ في حديث ٍ طويل ٍ مع نفسه”. عاشق مدينة – الناصرية بامتياز ، وكاتب المراثي الأول فيها ، لكلّ منْ يتوفاه الله ، وهوَ الشاعر الحزين أبدا ً ، والباحث عن الفرح ِ بلا جدوى: “دلّوني على ومضة الفرح هذه وسأخطها بديوان كامل ٍ لا بقصيدة ٍ واحدة”.
قصّة “جابر الخطاب” المعلم بالمدرسة الريفية قصّة الإنسان- الوهم ، الحالم بمجد ٍ أدبيّ من لا شيء ، كمنْ يفكر بتشييد بناء أوْ عمارة بدون أساسات صلبة ، .. رجلٌ اكتشفَ فجأة ً أنّه ُ لديه المقدرة على تسجيل القصّص ، وليسَ كتابتها لأنّها قصص الآخرين، فهوَ ما أنْ يستمع إلى شخص يحكي تفاصيل حياته حتّى تصبح َ هذه ِ التفاصيل مادته وهو (قاصوص) مُحنّك: “لما أخوك الأستاذ جابر يشوف واحد عنده استعداد يسمعني قصّة حياته ، لا أفلته ، أمسك به ، وأقعد معه في القهوة ، وأطلب شاي أوْ بيبسي اللي يحب ، حتّى يتحسن مزاجه ، فيتكلم عن حياته ، وما مرّ به ، وبعد يوم أوْ يومين أكون انتهيت من كتابتها ، وأسمعها له فيفرح ويشكرني ..”، “أنا كاتب واقعي ، لا أزيد ولا أنقص ، كلّ واحد مثل ما يحكي لي قصّة أكتبها”.
وآخر إنجازات جابر الخطاب أنّه فتح َ مقهى للأدباء والرواد ، وقرّرَ أنْ يسجل َ قصّصه “النائمة بالدفاتر اللي راح تأكلها الفيران” على أشرطة وبصوته “وثيقة وتبقى أمانة عندَ أولاده حتّى يأتي يوم يطبعونها فيه بكتب”. وقد اختارَ لها عنوانا ً مميزا ً وجذابا ً”سفينة الفضاء، عفوا ً سفينة الصحراء”.
أما عبدالكريم الفياض إمبراطور الليل الذي تميزَ من بين صحبه وأصدقائه “فرسان الليل ومعوقو النهار”، بالجرأة ِ .. والشجاعة ِ .. ورجاحة القول والرأي معا، فهوَ قصّة أخرى مكتوبة بحبر ِ الحزن، ودموع الشجن والشوق والتذكر .. الحبر الذي يمتلك منهُ الربيعي في خزان أصابعه الكثير .. والفياض الأكثر جرأة من بين تلك الشلة التي يجمعها (حديث الأدب والفن) ، وتهاويم ومفارقات ليل بغداد الجميل قبلَ أنْ يحكمَ شبح الموت والقتل .. وانتشار فيروس الأحزاب والملل والمخبرين من كلَ جنس .. ، وأصناف من الحاكمين والمسؤولين ما أنزل الله بهم من سلطان..، عبدالكريم فياض كما جسّده ُ البورتريه المُتقن ، هوَ خريج معهد الفنون الجميلة – قسم المسرح ، لكنّ حياته مسرح آخر متنقل حتّى قبلَ أنْ يدخلَ قاعات الدرس، وهوَ ممثل بالطبيعة، قبلَ أنْ يسند إليه أيّ دور ، رجلٌ عنوانه البار:
“عنواني الليل ، ومنه أمارس زعامتي على كلّ بارات ومقاهي شاعر أبي نؤاس”. إمبراطور التسكع والسّهر.. ومُؤرخ لكل تفاصيل ليل بغداد وهوَ الحالم دائما ًبجوارب تدفيء ساقيه ..بدأ جريئا ً، وأنهى حياته بجرأة ٍ غير مسبوقة ، وهوَ يرمي بجسده ِ أمام سيارة طائشة.
قصّة “عفون” أقلّ القصّص إثارة ومرارة..، بدا بطلا ً عاديا ً، تصرّفَ بما يليق باسمه، فبعدَ رياضة رفع الأثقال في شبابه ، عملَ شرطي أمن.. سرّي، وهوَ الأكثر شراسة في المدينة. وربما كانَ الأكثر شراهة جنسية، فقدْ تزوج َ من ثلاث نساء، وكانَ يجمعهن في بيت ٍ واحد ٍ، ولكن المدهش والغريب في قصّته: “أنّه ينكح نساءه الثلاث كلّ ليلة، يتناوبن على فراشه الواحدة بعدَ الأخرى، وكلّ واحدة يفرغ منها تذهب إلى غرفتها، أمّا هوَ فينام وحده، ولا يُحبذ أنْ تشاركه الفراش أي واحدة منهن”. أمّا نهايته ، فقد كانت أكثر مأساوية ، وإن كانت لا تخلو من سينمائية جاهزة على طريقة أفلام الإجرام المصرية القديمة فقد “وجدَ مذبوحا ً في غرفته التي كانَ يصرّ على النوم فيها وحيدا “. وقدْ سجلت الجريمة ضدّ مجهول.
والقصّة – البورتريه الأخيرة كانَ بطلها محسن ريسان الملقب بـ (الحولي) لبدانته من كثرة ما يأكل. صاحب الصوت المميز وهوَ ينادي على أصحابه ، حتّى استحقَ لقب الصوت الديكي بجدارة ٍ . محسن ريسان الذي لمْ يفلح في المدرسة لأنّ “دماغه صفر في الدروس” ، وقع عليه الاختيار ليكون رافع أثقال بامتياز، وقدْ كانَ لهُ ذلك، حتّى اصبحَ “بطل المدينة في رفع الأثقال وهوَ في العشرين من عمره”. حظي بالشهرة ، وهوَ يصبح رياضيا ً مشهورا ً ، وصوره تنشر في الجرائد ، لكنّه ظلّ وفيا ً لأصدقائه، وهوَ ينادي عليهم بصوته الديكي ، الذي لمْ يتبدلْ.
في “وجوه مرّت” القصّة القصيرة – البورتريه كانَ الكاتب الكبير عبدالرحمن الربيعي يرسم بالكلمات لكي يُمتع قارئه .. ويخلّد أبطاله بأسلوب يفيضُ بالدفء والشاعريةِ والتميزِ بلا حدود! وهو يعود ُ بالقاريء بموضوعية إلى المفردة الشعبية في اللهجة العراقية التي جاء ورودها ضروريا ً بلْ لا يكتملُ نسيج القصّة إلا بها ..، وقدْ برع َ أيضا ً باستخدام كلّ تقنيات الفنّ التشكيلي من فرشاة إلى الألوان والخطوط، كما لجأ إلى (الكولاج) وهوَ يوائم بينَ لحظات الزمان وتفاصيل المكان، لتبدو الشخصية أكثر قربا ُ .. وإقناعا ً . وهناك حميمية التناول ، جسّدتها بوضوح العلاقة التي كانَ يرتبط بها الكاتب بأبطال حقيقيين ، كانوا يُؤرخون للحظة زمنية فيها من التراب والتبر معا.
الكاتب الكبير عبدالرحمن الربيعي في كتابه الجديد “وجوه مَرّت” يفتحُ أمام المبدعين وكتّاب القصة نافورة الضوء كيْ يمرّوا آمنين إلى مدنهم .. وأزمانهم.. وأصدقائهم، حبرهم ُعسلُ الحميمية ودمع الشوق وذبذبة أجسادهم النحيلة وهم يكتبون القصّة القصيرة – البورتريه!