لم يتطرق المشرع العراقي للفصل العشائري مع أنه أحد الأعراف المتبعة لإنهاء العديد من الخلافات في المجتمع، واكتفى بإيراده ضمن مفهوم الصلح بوصفه أحد أسباب البراءة عن جرائم معينة، أو تخفيف العقوبة في تلك التي لا تقبل الصلح لكن ثمة ظروف تحيط بمرتكبها تقدرها محكمة الموضوع.
ومن جهة أخرى، أوصت التوجهات القضائية التمييزية بمراعاة الروابط الاجتماعية في إصدار الأحكام باستثناء حالات معينة من بينها بشاعة الجريمة أو طابعها الإرهابي، لكن تزويج النساء قسراً تحت العنوان “الفصليّة” -بحسب قضاة- غير جائز ويعد باطلاً من الناحتين القانونية والشرعية.
ويقول قاضي التحقيق مهدي عبود في حديث مع اعلام القضاء، إن “المشرّع العراقي لم يتطرق إلى الفصول العشائرية كواحدة من أسباب انتهاء الدعوى الجزائية”.
وبين عبود أن “القانون جاء بالصلح في جرائم نصت عليها المادة الثالثة من قانون اصول المحاكمات الجزائية بعضها لا يشترط فيها موافقة القاضي، أما الآخر فيجب أن تحصل بموافقته”.
ويمكن أن يأتي الفصل العشائري بحسب القاضي عبود، كـ”أحد صور الصلح، فقد تدفع الدية خارج المحكمة ومن ثم يحصل التنازل”.
ويجزم بأن “الاوراق التحقيقية لا يذكر فيها حصول الفصل بين اطراف الدعاوى أنما يتطرق فقط بحسب القانون إلى الصلح”.
أما بخصوص فصّلية النساء ومنحنهن إلى عائلة المتضرّر، فيعلّق عبود بالقول، أن “اغلب هذه الزيجات تتم خارج المحكمة”، مؤكداً أنه “من الناحية القانونية والشرعية باطل؛ لأن المرأة تأخذ مكرّهه ويعاقب المشرّع العراقي المشتركين في هذه الجريمة”.
ويشّرح عبود حالة عرضت عليه مؤخراً، بالقول “شعرت من خلال مواقف احدى النساء أنها غير راضية بإبرام عقد زواجها عندما كنت قاضياً للأحوال الشخصية”.
وتابع “أنني طلبت من عائلة الخطيبين مغادرة المرافعة وتحدّثت مع الفتاة وأبلغتني بأن ذويها يرومون تزويجها عنوة فرفضت إبرام العقد وشرحت لذويها أن هذا الزواج غير جائز”.
وبنحو عام، يواصل عبود أن “القاضي في حال عرض عليه الصلح والتنازل ينظر في الجريمة فإذا تقبل بذلك الإجراء يغلق الدعوى ويعد قراره بمنزلة البراءة”.
وأضاف “أما الجرائم التي لا تقبل الصلح فأن على القاضي استكمال التحقيق ويصدر قراره وفقاً للقانون والذي قد يكون احالة المتهم على محكمة الموضوع”.
من جانبه، يرى رئيس الهيئة الاولى لمحكمة جنايات الرصافة القاضي أحمد الأميري في تصريح إلى اعلام القضاء، أن “المحكمة تنظر إلى الفصل العشائري من الناحية الانسانية التي قد يكون سبباً لتخفيف الحكم الصادر بحق المدان”.
وفي مقابل ذلك، بيّن الأميري أن “لا مجال لتخفيف العقوبة عن الجرائم البشعة حتى وأن حصل الفصل العشائري”، لافتاً إلى أن “السلطة التقديرية للقاضي هي المسؤولة عن تحديد العقوبة بالنظر إلى ظروف الجريمة وسوابق المتهم”.
وأوضح أن “الفصل العشائري يكمن ذكره في حيثيات الدعوى على سبيل الاسترسال فقط، ولا يأتي في نص قرار الحكم”، مبيناً “كما أنه لا يؤثر في الوصف القانوني للمتهم والمادة المسندة إلى جريمته”.
وشدّد الأميري على أن “توجهات محكمة التمييز الاتحادية الأخيرة تميل إلى الصلح كسبب في تخفيف العقوبة من أجل تقوية الروابط الاجتماعية”.