العراق و الكويت .. نحو حل عادل و دائمالقسم الثاني – تاج آل غدير

عام 1963 وقع ولي عهد الكويت مع رئيس وزراء العراق – أحمد حسن البكر – وثيقة إعتراف عراقية بالكويت ومذكرة للتفاهم الأخوي بين البلدين , وقد تلقى رئيس وزراء العراق إستنادا الى مصادر صحافية تلك الفترة مبلغ 17 مليون دينار كويتي )من أجل تعزيز التعاون الأخوي وتدعيم ركائز الوحدة العربية ).
إنقلابات ودسائس وبيع وشراء قائمة على قدمٍ وساق في العراق وشيخ المشيخة يزحف برا ً و بحرا حتى عام 1978 فقد إنتبه الجانب الكويتي لقوة النظام العراقي خاصة بعد إتفاقية 1975 بين صدام والشاه وتصفية الوجود العسكري للثورة الكردية في شمال العراق . جاءت الكويت بمشروعها الذي عرضته على الجانب العراقي والقاضي بأنشاء ميناء مركزي عالمي في الخليج تشترك فيه الكويت والعراق حيث يتم عبر هذا الميناء ربط الخليج بأوروبا عبر تركيا , وهو نفس المشروع ( الألماني – العثماني ) الذي أحبطته الكويت عبر اتفاقها مع بريطانيا عام 1899 . لكن هذا المشروع تم تأجيله لأن ( السيد النائب ) كان مشغولا بوضع الخطط ودراسة التفاصيل للوصول الى السلطة وتصفية خصومه من رفاق الامس والقضاء على جميع معارضيه وفي عام 1979 تم له ما اراد لكن خطرا كبيرا برز على الساحة الا وهو ظهور إيران جديدة .. إيران شيعية ثورية تريد أن تصدر ثورتها , فمن سيوقفها ..؟ وهكذا كان , حربا ضروسا أكلت الاخضر واليابس , أرامل وايتام , شهداء ومفقودين وأموال مهدورة وأحزان ودماء في كلا الجانبين . والاخوة في الخليج يديمون الحرب , إنتصار احد الطرفين على الآخر ممنوع , وإيقاف الحرب ممنوع أيضا . ثماني سنوات من الحرب على ابواب الخليج ولم يرتفع سعر النفط بل ان الاسواق كانت غارقة بنفط الخليج فلماذا تتوقف هذه الحرب ولمصلحة مَن ؟
عام 1988 توقفت حرب إيران والعراق وبدلا من أن يتجه ( القائد ) نحو الشعب ليقلب صفحة جديدة ويقوم بعملية نقد ذاتية حقيقية ويقرأ الواقع قراءة علمية مستعينا بأهل العقل والرأي وأعطاء فسحة من الحريات الدينية والسياسية وترميم إقتصاد البلد والمصالحة مع جيران العراق بما فيها الجارة إيران , بدلا من كل هذا أطلق الذئاب بين صفوف الشعب وأكثر من بناء أجهزته الامنيه وغرق بالدم حتى اذنيه , ثم في عام 1989 أثار موضوع الأضرار الأقتصادية التي لحقت بالعراق جراء إنتاج النفط من قبل الامارات والكويت خارج حصص الأوبك وإتهم الكويت بسرقة (النفط العراقي ( وإعترفت الكويت حينها بسرقة ما قيمته 2,6 مليار دولار من النفط من حقل الرميلة ( ومن عام 1979 الى عام 1990 تقدمت المملكة العربية السعودية بمشروع يلزم الكويت على الاعتراف بحدود العراق الحقيقية التي رسخها المرحوم عبد الكريم قاسم والتي تعرفها السعودية جيدا – جزيرتين وشريط بحري بطول 70 كيلومترا – وهذه هي حدود العراق وتعويضا ماليا معقولا عما خسره العراق لكن ) القائد ) رفض كل ذلك وصنع لنفسه عالما وهميا وصدقه , والقصة معروفة منذ ذلك الحين وحتى 2003 .

رابعا: الكويت والعراق بعد 2003 : بعد ربيع عام 2003 ورث العراق عن النظام السابق عددا هائلا وغير مسبوق من ( العقوبات ) القرارات الدولية تحت طائلة الفصل السابع والتي بلغت سبعين قرارا إستمرت حتى عام 2009 حيث تم إلغاؤها من قبل مجلس الأمن الدولي بأستثناء القرارات او العقوبات المتعلقة بالكويت . ويعد القرار ( 678 ) الصادر سنة 1990 والداعي لإخراج العراق من الكويت بالقوة , ساريا حتى هذه الساعة بسبب بقاء ملف المفقودين والأسرى الكويتيين والأرشيف الكويتي , غير محسوم لحد الان . كذلك القرار رقم ( 833 ) الصادر عام 1993 والذي ينص على ترسيم الحدود بين العراق والكويت والتي يبلغ طولها 216 كيلومترا حيث شكلت لجنة دولية لترسيم الحدود بين الطرفين عام 1994 وادى الترسيم الى إستقطاع أراض عراقية من ناحية صفوان ومنطقة ام قصر فضلا على تأكيد اللجنة بأن جزيرتي وربة وبوبيان تتبعان للكويت وإن جميع الأدلّة التأريخية تشير الى وجود اتفاق بين البلدين على الحدود . ولم توضح اللجنة هذه الادلّة ولا الاتفاق المعقود بين البلدين لأنه لو كان موجودا لما كان لوجود لجنة الترسيم الدولية أي معنى .
أمام هكذا واقع فأن العراق يجب ان يعرض قضيته أمام الأمم المتحدة والمحاكم الدولية المختصة , لان عراق اليوم ليس كعراق النظام السابق ولان بقاء الوضع كما هو عليه يعني ان العراق سيبقى تحت طائلة البند السابع حتى تسمح الكويت بخروجه وخروجه مرهون بملف الاسرى والمفقودين والارشيف , فكيف يستطيع العراق الجديد ان يغلق مثل هذا الملف وهو لم يكن طرفا فيه , ان اقل ما يعني هذا هو بقاء العراق تحت طائلة البند السابع الى الابد . أما القرار 833 فأن لجنة الامم المتحدة المكلفة بتخطيط الحدود لم تعط أي ادلة تأريخية حقيقية على تبعية الجزيرتين للكويت ولم تبرر استقطاعها أراضي عراقية في صفوان وام قصر عائدة لمزارعين عراقيين عبر اجيال عديدة . لكن اللجنة وصفت خور عبدالله بأعتباره الحدود المائية للعراق وأكدت على الحق الملاحي فيه والمقرر بموجب اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 وان الحق في الملاحة غير قابل للتعليق .
ورغم قبول العراق بهذه القرارات وسعيه المستمر الى قلب صفحة جديدة فأن الكويت تريد من خلال إنشائها ميناء مبارك ( بوبيان ) فرض امر واقع جديد على العراق مخالفة بذلك القرار 833 ذاته . والحقيقة كما تبدو فأن أهداف الكويت من وراء تضييق المنفذ الملاحي الوحيد للعراق , تبدو أبعد من مجرد انشاء ميناء , إن الكويت تريد من خلال ذلك تحجيم الدور الذي يمكن ان يلعبه العراق اقتصاديا ومن خلال ميناء الفاو والممر الجاف الذي سيربط الخليج بدول حوض المتوسط واوروبا , انها تريد ان تكون شريكا اقتصاديا للعراق في منفذه البحري الوحيد وفي ممره الجاف وتجريد العراق من ميزته الجغرافية ومن الدور الذي سيلعبه في اقتصاديات العالم . إن على العراق ان يكثف انشطته على الساحة الدولية ويسعى جديا وبموقف واحد بإعادة النظر في الحدود العراقية الكويتية على اساس القانون الدولي وما تقرره المحاكم الدولية المختصة , وليس على اساس قرارات او عقوبات فرضت على نظام دكتاتوري متهور . وعلى الكويت ان تفهم ان الحل الدائم لقضية كقضية الحدود يجب ان يكون عادلا وصادرا اساسا عن لجان متخصصة من الدولتين الجارتين وان كل طرف سيأتي بأدلته وشواهده على حدوده وفي حالة خلافهما فأن المحاكم الدولية هي التي تفصل بينهما . اما ملف المفقودين والارشيف فان البحث عنهم لا يجب ان يكون شرطا لاخراج العراق من الفصل السابع بل ان لجنة من الطرفين هي التي يمكن ان تتابع ذلك.
واخيرا نقول ان ميناء الفاو بالنسبة لنا هو قضية مصيرية وان ممرنا الملاحي هو خط احمر غير قابل للتفاوض والمساومات . اننا نلاحظ من خلال تحليلنا لما تكتبه الاقلام الكويتية , ان الكويت قد تلجأ الى تكتيكات معروفة لإحتواء ردود الفعل العراقية مثل : إلغاء المرحلة الرابعة من ميناء بوبيان مبارك , إقامة ميناء عراقي كويتي مشترك , أو ميناء دولي تديره شركات دولية متخصصة … الخ
كل هذه المقترحات المتوقعة لن تغير من الواقع شيئا . ان من حق الشعب العراقي ومن حق العراق ان يكون لديه ميناؤه الخاص به وممره البحري الذي يؤمّن للعراق حقوقه الملاحية .
وان على الكويت ان تكف عن سياستها المبنية على استثمار الخلافات بين الاطراف العراقية المشاركة في العملية السياسية من خلال سعيها لتحييد طرف وكسب آخر وإضعاف طرف ثالث . وعلى العراق ان يجابه ما يتعرض له بموقفٍ موحّد واضح و قوي من شأنه وقف الاطماع الكويتية وحصوله على بعض حقوقه .

Facebook
Twitter