كتابة ومتابعة: نادية العبيدي:
في وقت تشير المؤشرات الاقتصادية ان العراق من خلال موازنته للعام المقبل يبدو كأعجاز نخل خاوية، تواصل حكومة حيدر العبادي حربها على الفساد والهدر في الاموال، وفيما حذر صندوق النقد الدولي من انكماش اقتصاد العراق بنحو خمسة بالمائة هذا العام، تجد الدولة العراقية نفسها امام تحديات الفساد المستشري في مفاصل الدولة كمهمة رئيسية في خضم نفقات كبيرة تفرضها الحرب على الإرهاب.
وفتح رئيس الوزراء حيدر العبادي الأسبوع الماضي جبهة جديدة في الحرب على الفساد مخاطبا الشعب العراقي “بدأنا بالحيتان الكبيرة في مكافحة المفسدين، وأوجه رسالة تحذيرية إلى كل من يأخذ راتبا دون وجه حق”.
وقال العبادي انه “سيمضي قدما في حملته هذه، حتى ولو كلفته حياته”، على حد تعبيره.
وأدى تراجع اسعار النفط العالمية، الى التحذير من خطورة ما يؤول اليه اقتصاد العراق، في وقت تراوحت فيه أسعار النفط في حدود الستين دولارا.
ويرى خبراء ان الحل الواقعي في ظل الحالة الراهنة، زيادة الإنتاج النفطي الى 4 ملايين برميل نفط خلال العام المقبل، فيما لا تظهر فيه مؤشرات ارتفاع أسعار النفط العالمية.
ويتوقع من الحكومة العراقية لاستيعاب نفقات الحرب على الإرهاب، تسريع اصلاحات المؤسسات والقضاء على الفساد المالي والاداري في الدولة.
وكشفت أولى خطوات الإصلاح، اسماء اكثر من 50 الف منتسب عسكري وهمي في الدفاع، و75 الف منتسب في الداخلية، و12 الف موظف بصفة عامل نظافة في امانة بغداد، و24 الف اسماً وهمياً في هيئة التقاعد، فيما يظل الاقتصاد العراقي يترنح امام النفقات الكبيرة التي تفرضها الرواتب الضخمة للمسؤولين وامتيازاتهم المالية.
ويقول خبراء اقتصاديون” ان الكشف عن الفضائيين والموظفين الوهميين سيساهم الى حد كبير في سد العجز المالي في موازنة 2015، فيما يتوقع ان يصل الانفاق على الدفاع في 2015 الى نحو ربع الميزانية.
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد اعلن خلال تسنمه منصب رئاسة الوزراء بانه ينوي اجراء اصلاحات والقيام ببناء دولة مؤسسات والقضاء على الفساد الاداري والمالي في دوائر الدولة.
ولكي يمضي العراق في إعادة بناء بنيته التحتية المتهالكة المتضررة من جراء الحروب والحصار الاقتصادي لاسيما في مجال الكهرباء، فان مضطر الى تأجيل دفعة قيمتها 4.6 مليار دولار من التعويضات المتعلقة باحتلالها للكويت في عامي 1990 و1991.
كما يتوجب على الدول الإقليمية لاسيما النفطية منها، مساعدة بغداد في تحمل قسط من تكاليف الحرب، لاسيما وان خطر الإرهاب يتجاوز العراق الى حدود هذه الدول.
ان ميزانية العراق دفعت ثمن حروب الاخرين، منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتسبّبت مغامرات عسكرية دفعت دول الخليج واميركا النظام السابق اليها بتحويل ميزانية العراق التي كانت اهم واقوى ميزانية في المنطقة الى ميزانية خاوية، واليوم، فان التاريخ يعيد نفسه، بعدما تسببت تدخلات نفس الدول في دعم الجماعات الارهابية في سورية، الى انتشار التطرف وتمدد داعش الى العراق.
وتفرض الحرب التي يخوضها العراق ضد الإرهاب على الدول التي غذته ومولته وسلحته ان تحافظ على شعرة معاوية مع العراق وان تكف عن دعم الجماعات الارهابية، والا ، فانها كما يتوقع معظم السياسيين وخبراء الارهاب ستجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الارهاب وعلى اراضيها ولا مندوحة من هذا.
وبعد مئة يوم مضت على حكومة العبادي، ومازالت تطلعات العراقيين تتطلع الى شبه امل ، بعد خيبات طالت لعقدٍ ونيف، من الحياة الاستثنائية، نتيجة وضعٍ سياسي متأرجح، يشوبه الانهيار بأية لحظة، لاسيما في حكومتي المالكي وسعيه الى تكريس النفوذ السلطوي على حساب الاصلاحات والمعالجات التي يرنو اليها المجتمع.
كبح جماح الولاية الثالثة، أفرز حيدر العبادي، رئيساً للوزراء على غرار مشابه لاختيار محازبه المالكي، عند تنحية رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري، عملية وضعت العبادي في جدلية الاصلاح او السير على نهج السلف الحاكم آنذاك، ما جعل من حتمية الاصلاح رغبة عارمة في منهجية الحكومة الجديدة القائمة ضمن التوافق الوطني.
سبعون مليار دولار حصيلة الانفاق الحكومي طيلة ولايتي المالكي على المؤسسة العسكرية، وذلك من اجل بناء جيشٍ عله يحمي سور وطنه المستباح من كل صوبٍ وحدبٍ وجـار، ناهيك عن صفقات الاسلحة الروسية التي كُشفت معالمها الفاسدة من قبل الجانب الروسي، حيث ادعى الاخير تورط مسؤولين عراقيين كبار في عقدِ صفقةٍ فاسدة على حساب المال العام، حيث اطاحت هذه الصفقة ببعض مقربي المالكي، ويبرهن إنهيار قطعات الجيش العراقي وانسحابها من عمق المعركة مع داعش من مدينة الموصل، الى مشارف بغداد، على وجود كوة واضحة وفجوة عميقة بين قيادات القطعات العسكرية وافرادها المجندين، مما افقدها ثقة المواطن العراقي بها، الذي عد مجاميع “الحشد الشعبي” هي البديل الناجع، قبال الخوف من زحف عناصر التنظيم المتطرف نحو العاصمة بغداد، الامر الذي دفع بالعبادي الى إعادة ثقة المواطن بالجيش، عبر حل مكتب القائد للقوات المسلحة، وتسريح قائد القوات البرية “علي غيدان” والفريق “عبود كنبر” وقادة فرق عسكرية آخرين وإحالتهم على التقاعد، والكشف عن “خمسين الف جندي فضائي”، داخل المؤسسة الامنية.
لحظة شجاعة يصفها غالبية الجمهور في العراق من ساسة ومواطنين وقادة وزعماء دينيين، من لدن رئيس وزرائهم الجديد، حيث رحب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بقرار العبادي واصفاً ما يقوم به رئيس الوزراء عبارة عن خطوات اولية هدفها الإصلاح- إصلاح ما كان من سلفه”، في اشارة الى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ومن جانبه اكد مكتب العبادي عبر لسان المتحدث الرسمي رافد جبوري ان “قرار القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي إعفاء عدد من القادة من مناصبهم وإحالة آخرين الى التقاعد هدفه تحسين الأداء العسكري ووضع معايير ثلاثة اساسية هي الكفاءة والشجاعة والنزاهة التي تضمن محاربة الفساد”.
وتضمن البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي طرحه امام البرلمان إبان تشكيل حكومته بتاريخ [8-9-2014]، مقترح قانون لدمج مليشيات ومقاتلي “الحشد الشعبي” والعشائر الذين يقاتلون عناصر تنظيم داعش الارهابي، تحت غطاء رسمي يسمى “الحرس الوطني”، وينص القانون المقترح بحسب العبادي على ان “كل محافظة عراقية ستكون محمية من قبل ابنائها المنتسبين الى الحرس الوطني”، مشيراً الى ان “الحرس الوطني سيكون جيشاً رديفاً للجيش العراقي”.
ويوضح المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي ان “العبادي كلف لجنة وزارية بعضوية وزير الدفاع خالد العبيدي ووزير المالية هوشيار زيباري ونائبي رئيس الوزراء صالح المطلك وبهاء الاعرجي وهيئة المصالحة الوطنية وذلك لاعداد مسودة قانون الحرس الوطني”.
وعن التزام الحكومة بتقديم القانون، يؤكد الحديثي ان “تشريع قانون الحرس الوطني التزام قانوني تم الاتفاق عليه من خلال وثيقة العهد السياسي الموقعة بين الكتل السياسية والتي ضمنت في البرنامج الحكومي”.
ويتابع الحديثي بالقول ان “تشكيلات الحرس الوطني الجديد ستضم عناصر من الجيش السابق وأبناء العشائر وقوات الحشد الشعبي الذين يقاتلون مجاميع داعش مع أبناء القوات المسلحة”.
وحول الأسباب التي تعرقل تشريع قانون الحرس الوطني، يوضح المتحدث الحكومي ان “هناك تعقيدات أعاقت تشريع هذا القانون وفق المدد المحددة له من ضمنها ايجاد صيغة متفق عليها من قبل جميع الأطراف لتمريرها في مجلس النواب دون ايّ اعتراضات”.
من جهة اخرى تسلمت الحكومة الجديدة ميزانية خاوية، ومحافظات مثقلة بالديون، بسبب عدم اقرار موازنة 2014، التي اتضح انه لا وجود لها، بعد ان انفقت من قبل الحكومة السابقة، بدون حساب او مصادقة عليها، في اكبر خرق دستوري يشهده العراق، فضلاً عن انخفاض اسعار النفط بشكل كبير ولا سيما ان اكثر من 95% من واردات العراق تاتي من النفط، وهذا ينعكس على ايرادات العراق المالية بالأضافة الى ما تنفقه الحكومة في مواجهة الأرهاب من سلاح ورواتب لمنتسبي القوات الامنية ومقاتلي الحشد الشعبي والعشائر.
واكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح، ان “انخفاض اسعار النفط بشكل كبير جعل العراق امام ازمة مالية كبيرة لان موازنة العراق تعتمد بالدرجة الاولى في ايراداتها على النفط”، مشيراً الى ان “الدوله تفكر بطريقتين الاولى تعظيم الصادرات النفطية قدر الأمكان باستخدم كل ما متاح لتعويض انخفاض السعر، و الاخرى ان الدولة تدرس النفقات التي تعتقد انها غير ضرورية وغير مناسبة في الوقت الحالي وتقللها فضلا عن وجود مشاريع يمكن تاجيلها باستثناء المشاريع الحياتية”.
ومن ضمن معالجات الازمة المالية التي تنعكس بشكلٍ سلبي على الاداء الحكومي، يضيف صالح ان “معالجة الازمة النقدية سوف لا تمس الطبقة الفقيرة، لكن هناك بعض الرسوم والضرائب ممكن فرضها، وهي تمس شرائح ذات دخل عال والتي يكون لديها انفاق استهلاكي فوق الحاجة”، لافتا الى ان “اليوم لدينا معارك مستمرة مع الارهاب فتقديم الدعم للحشد الشعبي والجندي من اجل الدفاع عن العراق له اولوية على المرافق الحياتية الاخرى”.
كان قانون “العفو العام” عن المعتقلين، الذي أبرم الاتفاق عليه في مباحثات تشكيل الحكومة على أن ينفذ خلال ثلاثة أشهر من العام الاول من عمر وزارة العبادي، وبعد مضي 100 يوم على الحكومة الجديدة، لم ينفذ قانون العفو العام لغاية الان، وتمت الاستعاضة عنه بإحالة المعتقلين والمسجونين الى لجان قضائية، ويقول عنها المراقبون السياسيون انها قد تمدد الاشهر الثلاثة المحددة الى سنوات عدة، لان النظر في الملف الواحد يستغرق اكثر من يومين، مع وجود عشرات الآلاف من المعتقلين، وقلة عدد القضاة، المشكوك اساسا بعدالة احكامهم، كونهم معينين في الغالب من قبل السلطة التنفيذية السابقة.
اما الغاء قانون الاجتثاث وانهاء عمل هيئة المساءلة والعدالة، وتحويل الموضوع من سياسي الى قضائي، يشمل كل من اساء للعراقيين، والمحددة له مدة 6 أشهر، فلم يتم الشروع به، مع وجود جهات من الحكومة السابقة، وخاصة رئاسة هيئة المساءلة، تدعي بوجود اكثر من مليون ملف يتطلب النظر فيها، ما يثير التساؤل: ما الذي كانت تفعله هذه الهيئة طوال الـ 11 سنة الماضية!!؟.
ويرى المراقبون ان أمام حكومة العبادي مرحلة صعبة مقبلة، تتمثّل في توجيه الجهود لمحاربة تنظيم “داعش”، وحلّ أزمات مئات الآلاف من النازحين بسبب أعمال العنف، وتحتاج مثل هذه المهمّة إلى التوافق الداخليّ المطلوب، والتواؤم على المستوى الوطنيّ، وهو الشرط غير المعلن دوليّاً وأمريكيّاً لتوفير دعم للعراق في حربه ضدّ “داعش”