صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

الظاهـرة الحزبية وأزمة الديمقراطية التقليدية-القسم الثاني

 


غاية المجتمع الاشتراكي الجديد تكوين مجتمع سعيد حر  في حاجاته المادية

 

 

الرؤى الدكتاتورية استغلت التعددية الحزبية أساساً لصراع مدمر لا ينتهي إلا بسيطرة الفئات الأقوى على الفئات الأضعف

 

 

 

د. أبوالعلاء عبدالمنعم الزوي

لاشك أن الظاهرة الحزبية بكل أنماطها وأشكالها الغربية توجد على نطاق واسع داخل الوطن العربي ودول العالم برمته . ومهما يكن نمط الأحزاب السياسية واتجاهاتها وأهدافها فهي لا تخرج من كونها إدارة حكم سلطوية ” ففي الأنظمة المتعددة الأحزاب التي بها تعددية سياسية حيث الادعاء العريض بأن الرئيس ينتخبه الشعب وكذلك الحزب الحاكم أيضاً ، فإن الجماهير الشعبية سرعان ما تعبر عن رفضها وسخطها للرئيس والحكومة معاً. فهل من معنى لذلك سوى أن الأحزاب السياسية تسعى إلى التحكم في الذين هم خارج الحزب من أفراد المجتمع ؟

   ومن هنا فإن إدراك الفكر الجماهيري – لهذه المعضلة ” مهما تعددت الأحزاب فالنظرية واحدة بل يزيد تعددها من حدة الصراع المدمر على السلطة حيث يؤدى الصراع الحزبي إلى تعظيم أسس وأركان المجتمعات ويقوض العلاقات الاجتماعية ويمزق الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع.

 فالصراع الحزبي على السلطة تحكمه معادلات غير أخلاقية ومنافية لمبادئ وقيم حقوق الإنسان ، فالأحزاب على اختلاف ألوانها ومشاربها الفكرية من ماركسية – شيوعية – ليبرالية – دينية – فاشية تجمع كل المتناقضات خاصة إذا ما عرفنا أن الأحزاب السياسية مهما كانت أهدافها وتوجهاتها فإنها تشترط وجود – نظرية سياسية ومجموعة من المتفرغين للنشاط السري للتحريض على قيام الحزب والسيطرة على السلطة واستقطاب الناس حولها وتصفية الأعداء والأحزاب التي تقف معها على طرفي نقيض .إن مبدأالتعددية من المظاهر الطبيعية للحياة الاجتماعية ولكن الرؤى الدكتاتورية البالية بذلت أقصى ما تستطيع من جهد من أجل استغلال هذه التعددية الاجتماعية لكي تكون أساساً لصراع مدمر لا يمكن أن ينتهي إلا بسيطرة الفئات الأقوى على الفئات الأضعف ، كما أنها عمدت إلى خلق تعددية غير طبيعية فرضتها على الواقع الاجتماعي فرضاً من أجل تحقيق نفس غايات الصراع والسيطرة وهكذا وجدنا الأحزاب والمذاهب والتنظيمات السياسية والطوائف والفرق والشيع إلى آخر المظاهر المجزئة للشعب والمدمرة للكيان الاجتماعي للأمم والمجتمعات الواحدة عليه نلاحظ أن مفهوم الحزب سواء في النظريات السياسية   الأحادية الحزب أو النظريات السياسية المتعددة الأحزاب السياسية تتقاطع في عدة نقاط رغم اختلاف كل حزب من ناحية المنهج أو التوجه العام أو البرنامج المرحلي ونختصر نقاط الالتقاء في المواصفات العديدة التالية .

 أولاً: ضرورة وجود تحالفات وأعداء وأصدقاء.

ثانيا: ضرورة تمثيل مصالح فئات اجتماعية محددة .

 ثالثا: ضرورة وجود عقيدة ثابتة وبرنامج مرحلي سياسي

 رابعاً : ضرورة وجود زعيم أو أمين عام للحزب أو رئيس .

خامسا : عدم انتماء كل أعضاء الحزب إلى طبقة واحدة .

 سادساً: عدم انتماء قيادة الحزب إلى الفئات التي تمثلها في نظريته أو برنامجه السياسي 

سابعاً: عدم وجوب تساوي أعضاء الحزب في المهمات والمسؤوليات والصلاحيات . 

إن شعوب العالم وهي تعاني اليوم من الآثار التدميرية للنظريات السياسية وما خلقته من أدوات حكم دكتاتوية تمارس أنواع الظلم والقهر والاضطهاد الجسدي والمعنوي . إن هذه الشعوب المغلوبة على أمرها باتت في أمس الحاجة إلى مسار جديد ينتشلها من المستنقع وانطلاقاً من إيماننا العميق بوحدة الكفاح من أجل الحرية وتحقيق الديمقراطية الحقيقية فإننا نؤكد وبصراحة زاخرة بتجربة جماهيرية إنسانية راسخة وعميقة في مضامينها الفكرية بإرادته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما تمتلكه من نظرية متكاملة أضحت جميع شعوب الأرض في أمس الحاجة إليها للنهوض من كبوتها ومعالجة واقعها المرير الذي آلت إليه نتيجة لطبيعة الأفكار السياسية التقليدية التي أنتجت الظاهرة الحزبية والصراع المدمر على السلطة .إننا نطرح اليوم للعالم نظريتنا الجماهيرية التي تفضح زيف وأكاذيب النظريات السياسية التقليدية البالية ” إن سنة أدوات الحكم الدكتاتورية هي التي حلت محل سنة الطبيعة والقانون الوضعي إن الإنسان هو الإنسان في أي مكان في الخلقة .. وواحد في الإحساس ولهذا جاء القانون الطبيعي ناموساً منطقياً للإنسان كواحد ، ثم جاءت الدساتير كقوانين وضعية تنظر للإنسان غير واحد ، وليس لها ما يبررها في تلك النظرة إلا مشيئة أدوات الحكم .. الفرد أو المجلس أو الطبقة أو الحزب للتحكم في الشعوب وهكذا نرى الدساتير تتغير عادة بتغير أداة الحكم ، وهذا يدل على أن الدستور مزاج أدوات الحكم وقائم لمصلحتها وليس بقانون طبيعي إن النظرية الجماهيرية وماتطرحه من حلول جذرية ونهائية لكافة المشاكل الكبرى التي عانت منها البشرية عبر كفاحها الطويل في سبيل الحرية والديمقراطية الحقيقية ، كما استطاعت ان توفر حمية للمجتمع الجماهيري لقيامها على قواعد متماسكة ومتينة أساسها الفكر الجماهيري الذي أوجد الأمن والاستقرار وبناء الإنسان الحر يمتلك بإرادته الحرة والصلبة كل مقاليد أموره السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو إنسان جماهيري قوى لم تثنه التحديات والعراقيل والصعاب التي فرضتها القوى الأمبريالية والاستعمار عليه ، عن تحقيق أهدافه وفي كافة المجالات الانمائية ، الأمر الذي يجعل المجتمع الجماهيري ينمو وبدرجات متساوية ومتكافئة في مختلف المجالات.

 إن النظرية الجماهيرية بكل مضامينها وأطروحاتها الإبداعية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي نظرية واقعية وعملية ولهذا لا تبدو  أيضاً – نظرية ستنتظر لسنوات قبل أن يعاد اكتشافها كما حدث لجمهورية أفلاطون ولصحة وقوة توقعاتها فقد شهدت أثناء حياة صاحبها زوال النظرية العالمية الثانية أو الماركسية .والنظرية الأولى ماتزال بعد الضربات والأزمات المالية التي لحقت بها تركن في غرفة الإنعاش بين الحياة والموت .

إن النظرية الجماهيرية كما يقول «نيكولاس كوفي»تحتل بفضل مكانتها موقع النظرية العالمية الثانية. ولكنها تتفوق عليها بما تمتلكه من زخم فكري إبداعي تتصدر كفلسفة رائدة لمستقبل الحضارة الإنسانية الجديدة وهي النظرية الاجتماعية السياسية الوحيدة التي تنكب على حاجات الفرد الأساسية ؛وتجعلها أساس نظرية اجتماعية «إن غاية المجتمع الاشتراكي الجديد هي تكوين مجتمع سعيد لأنه حر وهذالايتحقق إلا باشباع الحاجات المادية.وهكذا يتضح لنا أن الحزب مهما كانت أهدافه وغاياته فإنه يصارع للوصول الى السلطة لانه يدرك تمام الإدراك أن السلطة هي النقطة الأساسية التي تحقق تطلعاته ومصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية إن الوصول إلى السلطة بالنسبة للأحزاب السياسية يعني فرض السيطرة على الجماهير الشعبية وحكمها واستغلالها أقصى استغلال ممكن سياسيا واقتصاديا . وحين تتعدد الاحزاب السياسية داخل المجتمع نجدها تتصارع ضد بعضها البعض في محاولة لإسقاط الحزب الحاكم وإحلال حزب آخر محله أواستبدال الفردانية الحزبية بما يعرف بالائتلاف الحزبي الذي توزع فيه شؤون الحكم وفقاً لحجم القوة التي يشكلها كل حزب داخل مجموعة الأحزاب المتحالفة وفي خضم هذا الصراع الرهيب على السلطة التي هي حق طبيعي للجماهير الشعبية تضيع حقوق الجماهير وثرواتها وكرامتها وتؤسس أركان الدكتاتورية والاستعباد . وهكذا تؤدي الأحزاب السياسية التي تبرزها – النظريات السياسية التقليدية التي سبق لنا تناولها على أنها مظاهر للديمقراطية وأدوات لها إلى تمزيق – الكيان الاجتماعي سياسيا وثقافيا ، وتكريس الفوارق الاقتصادية ، وليس أمام الجماهير الشعبية إلا تدمير هذه الأدوات الدكتاتورية القامعة من خلال ثورة شعبية عارمة تحقق الوحدة الشعبية والسيادة الشعبية ” فالحزب يمثل جزءاً من الشعب وسيادة الشعب لا تتجزأ ” ” والحزب يحكم نيابة عن الشعب والصحيح لا نيابة عن الشعب ” .

الثنائية الحزبية والخدعة الديمقراطية .

تعود نشأة الثنائية الحزبية إلى تاريخ بريطانيا البعيد حين كانت الملكية مطلقة حينها كان الملك بحكم ويملك كل شيء داخل مملكته ، بعدها استعان الملك بمجلس استشاري سمى ( المجلس المخصوص) كان يستشيره بمحض مشيئته .

 كان هذا المجلس يضم النبلاء ورجال الدين وبعد ذلك ونظراً لحاجة الملوك للأموال اضطروا لضم ممثلي المقاطعات والمدن إلى المجلس الاستشاري ، ففى ضمهم تسهيل للملوك في الحصول على موافقتهم على الضرائب الجديدة.

 وهكذا تشكل المجلس الكبير ولكن بسبب اختلاف الآراء ووجهات النظر والمصالح أيضاً انقسم المجلس الكبير فكون النبلاء ورجال الدين ( مجلس اللوردات ) الذي أصبح بعدها يتكون عن طريق التوريث والتعيين من بين النبلاء ورجال الدين أما ممثلي المقاطعات والمدن فشكلوا (مجلس العموم) الذي أصبح بعدها يتكون بطريقة الانتخاب العام من الشعب ( بداية تكون البرلمــــان ).

وفي خضم هذه الاحداث نشأ ( حزب المحافظين ) وحزب الأحرار وخرجا من قلب البرلمان وتدعمت هذه الأحزاب من خلال إصدار ميثاق الحقوق والواجبات سنة 1688م الذي قيد الملك في الكثير من المجالات وهنا استبدلت الاقطاعيات البرلمانية بالأحزاب السياسية – وقسمت الأحزاب السياسية إلى موالية للعرش (أي المحافظين – والمعارضة تتمثل في حزب الأحرار .

 وفي نهاية القرن 19م برز إلى الوجود في الحياة السياسية البريطانية حزب جديد جاء إثر الثورة الصناعية وهو حزب (العمال ) الذي نشأ خارج البرلمان على عكس ( حزب المحافظين ) .

وفي الواقع أن نظام الثنائية الحزبية يسود في الدول اللأنجلو ساكسونية التي تعتمد على التعددية السياسية الحزبية إلا أنها تكون مطبوعة بهيمنة المجابهة بين حزبين كبيرين يتناوبان من أجل السيطرة على السلطة والحاكم ، كما هو الشأن حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية ( الحزبان الديمقراطي والجمهوري ) أو في بريطانيا ( الحزب العمالي – والحزب المحافظ)

 وعلى الرغم من وجود أحزاب صغيرة أخرى إلا أنها لا تستطيع أن تصل إلى السلطة فالشعب في ظل هذا النظام ليس أمامهم إلا الاختيار بين حزبين وسياستين وأحيانا بين فريقين قياديين أحدهما يمسك زمام السلطة والحكومة والآخر يشكل حكومة ظل أو حكومة مضادة. إذن نظام الثنائية الحزبية لا يحقق بأي شكل من الأشكال مفهوم الديمقراطية الحقيقية حيث هنالك أعداد كبيرة من غالبية الشعب ترفض الانصياع للاختيار بين اتجاهين الأمر الذي من شأنه أن يهدد الاستقرار السياسي أو يؤدي إلى البلقنة المشوهة للخارطة السياسية ، فمن الخطأ الاعتقاد بأن نظام الثنائية يكفي لضمان تحقيق ميكانيكي للمثال الديمقراطي .

هيمنة الثنائية الحزبية بالولايات المتحدة الأمريكية هنا يجدر بنا الإشارة إلى الآباء المؤسسين للأمة الأمريكية ابدوا منذ البداية تحفظهم وتخوفهم من الظاهرة الحزبية السياسية التي اعتبروها مشجعة على تنامي المصالح الأنانية والانقسامات داخل المجتمع ، ولهذا السبب لم يأت ذكر للأحزاب في الدستور الأمريكي ، بل حذر ( جورج واشنطن ) أول رئيس للبلاد – في خطبة الوداع الشهيرة من أن الأمة الوليدة يمكن أن تعصف بها الآثار القاتلة للروح الحزبية لأن الصراع الذي تفرزه الأحزاب داخل المجتمع من أجل الفوز بالسلطة … بدمر وحدة الأمة ويفوض السلام والاستقرار .

 هذا الذي حدث بعد ذلك حيث احتكر الحزبان الديمقراطي والجمهوري الحياة السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت السمات العامة للسياسة الأمريكية في ظل الثنائية الحزبية تتلخص في الآتي :

 (أ) عدم وجود فرصة حقيقية لبروز اتجاهات حزبية ثالثة على الساحة السياسية لأسباب أهمها نظام الانتخاب الأمريكي بما في ذلك قوانين الانتخابات وطرق إدارة الحملات الانتخابية والعادات الاجتماعية وكلها أمور تقف ضد تعاظم دور أحزاب أخــــرى .

(ب)عدم وجود فكرة أو برنامج محدد لكل من الحزبين الأمر الذي يجعل هناك درجة من السيولة بينهما بشكل يمكن من انتقال الأعضاء بين الحزبين بسهولة بينما هذه الخاصية غير ممكنة بالنسبة للأحزاب الصغيرة والتي مجموعة أعضائها تشكل أغلبية ولكن لا نيابة أحد بها على الاطلاق وإن كان توزيعها الجغرافي يمتدفي كل الولايات الأمريكية .

 (ج) اهتمام الحزبين (الديمقراطي والجمهوري ) بقضايا ومصالح الطبقة الرأسمالية أيا كان موطنها وأيا كان نوعها سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو دينية .

 (ى) لا مركزية السلطة مع ضعف نظام الالتزام إلى الحد الذي يعتبرها البعض مجرد تحالف ضعيف مكون من أصحاب المصالح الرأسمالية الكبرى داخل الولايات المتحدة الأمريكية

(ه) بروز جماعات الضغط وجماعات المصالح اللوبيات بشكل كبير في حساب دور الحزبين حتى أن هؤلاء هم أكثر تاثيراً على مشرعي ” الكونجرس” من الحزبين الكبيرين وواقع الأمر أن أهم الوظائف الحزبية المفترض أن يقوم بها الحزبين تقوم بها تلك الجماعات .

ومن المعروف أن الحزبين الكبيرين ( الجمهوري – والديمقراطي) سيطرا على المسرح السياسي الأمريكي منذ عام (1856) وقد نشأ الحزب الديمقراطي قبل الحزب الجمهوري ، وتعود نشأته إلى نشأة النظام السياسي الأمريكي إبان الصراع الذي دار في السنوات الأولي للدستور بين المصالح الاقتصادية الرأسمالية والإقليمية المتعارضة ومن الصعب تحديد أول انتخاب قومي ظهر فيه الديمقراطيون وبعبارة أدق الجمهوريون الديمقراطيون ، لينافسوا الاتحاديين من أجل الفوز بالسلطة والهيمنة على الحكم ، ولعل أكثر التواريخ قبولاً هو عام 1800م ففي ذلك العام تجمع الناس حول شخصية ” توماس جيفرسون ” في شكل حزب لقد كان الجمهوريون الديمقراطيون وقت نشأة الدولة مجرد اتجاه تم أصبحوا جماعة متميزة في الكونجرس ” عام 1792م وتحولوا في عام 1795م إلى حزب يسعى إلى السلطة والحكم .

 

 

Facebook
Twitter