التلويح بـ ( صولة فرسان جديدة ) محاولة لارباك الوضع الامن في الجنوب
بعد ما شهدته محافظات الجنوب من “تظاهرات حاشدة” واقتحام المحتجين لمقار المؤتمرات التي عقدها نائب رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، نوري المالكي، تعبيرا عن “رفضهم” للزيارات التي قام بها الأخير لمحافظاتهم ، انتظرت الأوساط السياسية والشعبية تعليقا او موقفا من التيار الصدري الذي يعتبر من ابرز “خصوم” المالكي ومعارضيه في الساحة السياسية، على ما جرى من احداث هناك فلم يتضح لهم أي موقف “مباشر” حتى الان، الا ان تغريدة نشرها زعيم التيار السيد مقتدى الصدر ونقلها مكتبه الخاص، اثارت تساؤلات عدة، فماذا كان يقصد الصدر بها؟
وعلى الرغم من ان الصدر معروف ببياناته “الصريحة” الموجهة ضد المالكي وسياسته، فيصفه بـ”الديكتاتور” تارة و “صاحب الولاية الثالثة” تارة أخرى، وقوله بانه السبب الرئيس بـ”ضياع” ثلث اراضي العراق بيد داعش وغيرها من الانتقادات اللاذعة التي وجهت للمالكي من قبل الصدر طيلة الفترات السابقة، لكن تغريدته الأخيرة حملت تفسيرات “مبطنة” على غير عادة الصدر في تصريحاته وكتاباته، خصوصا وانها جاءت بعد الاحداث التي شهدتها محافظات ذي قار وميسان والبصرة التي جعلت حزب الدعوة “يهرع” لإصدار بيانات “استفزازية” وغير مسؤولة، لما تعرض له المالكي ووفده المرافق له من “إهانة” كبيرة هناك.
يقول الصدر في تغرديته: هذا لا يعقل وقائع تمر بلا قلم حر، فان بعضها تحتاج الى شكر، والأخر يحتاج الى احسان وبر، لاسيما من طالبوا بدماء شهداء سبايكر”، لتتضارب التفسيرات حول هذه الجمل إذا ما كانت تشير الى تظاهرات الجنوب لا سيما وان بعض المتظاهرين حملوا لافتات كتب عليها “سبايكر مان” كوصف يدين المالكي بانه كان السبب في “مجزرة سبايكر” والتي راح ضحيتها بحسب الاحصائيات الرسمية 1700 شهيد اغلبهم من أبناء الجنوب.
ويضيف زعيم التيار الصدري: الذين ذهبوا ضحية الظلم والشر، او الذين تركوه على منبره لأذيال الخيبة جر، وهذا بالفعل ما قام به “الغاضبون” حين اقتحموا مؤتمرا عقده المالكي في البصرة، ليصفهم حزبه فيما بعد بأنهم “نفر قليل خارج عن القانون”، ويتوعدهم بـ”صولة فرسان ثانية”، في إشارة من حزب الدعوة الى العلميات العسكرية التي شنتها القوات الأمنية في عدد من مناطق البصرة ابان فترة حكم المالكي، التي استهدفت أيضا بعض قيادات التيار الصدري هناك.
ويمضي الصدر بتغريدته قائلا: فلتلك العشائر بالاحترام اعترف وقرِ، والذين اوصلوا رسالة رفض دونما ضر، هنا يتيح الصدر لمتابعيه “فهم” ما هتف به أبناء محافظة البصرة ضد بعض شيوخ ووجهاء المحافظة الذين حضروا مؤتمر المالكي حيث عبرت هتافاتهم عن “استنكارهم” حضور شخصيات عشائرية ولكن بطريقة “سلمية”.
وختم الصدر بالتشديد على عدم “افشاء السر”!.. حين قال فإياكم وافشاء ذلك السر.. ان شعب العراق أفضل من الفضة والدر”، فما هو ذاك السر الذي قصده الصدر؟
وفي السياق ذاته يراهن حزب الدعوة الإسلامية على “حرب أهلية” من أجل إعادة زعيمه نوري المالكي إلى سدة الحكم التي “أزيح” عنها بـ”القوة البيضاء”، وما من وسيلة تساعده في العودة إليها، خاصة بعد ما تحقق من انتصارات على تنظيم داعش في عهد الحكومة الحالية.
“الصدمة” التي تلقاها المالكي بإزاحته عن رئاسة الحكومة أربكته وشلت تفكيره، وقبل أن يستعيد توازنه تلقى صدمة أشد تمثلت بتحرير محافظات ومدن “سلمها” إلى داعش بما فيها من مليارات الدنانير وآبار نفط وممتلكات عامة وخاصة، وأسلحة وأعتدة وآليات ومعدات عسكرية، إلى جانب سكان تلك المناطق الذين انقسموا ما بين مؤيد ومتعاطف مع داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وما بين غالبية أصبحوا رغماً عنهم دروعاً بشرية.
في الأشهر الأولى من حكومة حيدر العبادي، وخاصة بعد إعلان حالة التقشف، واستمرار سيطرة داعش على المدن، كانت الأنظار تتجه نحو المالكي، لكن ما ان تحركت القوات الأمنية والحشد الشعبي نحو تحرير تلك المدن، حتى “خفتت” الأضواء التي منحت المالكي “نشوة الانتصار” وأحيت فيه حلم العودة إلى السلطة.
ومنذ انطلاق العمليات العسكرية بدأت الماكنة الإعلامية والسياسية للمالكي وحزب الدعوة الذي يتزعمه، تعمل بجهد مضاعف من أجل تصدير “مختار العصر” للواجهة مرة أخرى، لكن مع كل مدينة يتم تحريرها تتضاءل فرصه، وهو ما أصابه بحالة من “الهستيريا” تجلت في أوضح صورها بما صدر من بيانات وتصريحات للمالكي و”حاشيته” وحزبه.
جولة المالكي في محافظات ذي قار وميسان والبصرة، تكاد أن تكون القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث استشاط هو وحزبه غضباً ولم يتمالك أعصابه ولا ألفاظه التي اتخذت لغة التهديد بالسلاح، كما جاء في بيان لحزب الدعوة، تعقيباً على التظاهرات الاحتجاجية على زيارة المالكي لتلك المحافظات.
حيث قال الحزب في بيانه “الاعتداء السافر الذي قامت به فئة ضالة خارجة عن القانون على المحتفلين بذكرى المولد النبوي الشريف، مستهدفة القيادات المحلية لحزب الدعوة الاسلامية في محافظة البصرة وشيوخ العشائر الكريمة والمواطنين الابرياء العزل من الرجال والنساء وعوائل الشهداء والمضحين، يكشف عن خسة وهمجية من اقترفوه”.
وأضاف ان “التصرفات التي حاولت هذه المجموعة المستهترة بالقانون والعرف الاجتماعي ان تسيء بها الى الرمز الاول في الحزب وامينه العام والشخصية الوطنية الشجاعة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، تعبر عن خروجها على القيم السياسية والالتزامات القانونية والدستورية وأخلاق العراقيين الاصلاء”.
واكد الحزب لـ”قياداته ودعاته والمواطنين، التزامه بالدفاع عنهم بكل وسيلة مشروعة تردع من لا يقف عند حدود القانون”، مشددا على ضرورة ان “تسد القوات الامنية الطريق على اية عصابة مهما كان غطاؤها السياسي من أن تعبث بأمن المواطنين او تروعهم او تبتزهم”.
وطالب الحزب “جميع المنتظمين في صفوفه بضبط النفس والعض على الجراح واللجوء الى القانون في بادئ الامر، فاذا لم تتخذ الجهات القانونية الاجراءات الرادعة وعجزت عن حماية المواطنين من شرور هذه العصابات المجرمة، فهي مدعوة الى التأهب لصولة فرسان ثانية حاسمة”.
هذه اللهجة التي لجأ إليها حزب الدعوة تثير العديد من التساؤلات، وأبرزها “ما الذي يخطط له المالكي وحزبه؟”، هل يعني بـ”تحشيد” جماهيره تهديداً بـ”حرب أهلية” لاسترداد ما سلب منه بالقوة، أم أنه “تلويح” باستعراض “العضلات الجماهيرية”.
يرى الحزب أن الممارسات الديمقراطية المتمثلة بالتظاهر السلمي، خروجاً عن القانون وعلى الجهات القانونية “ردعه”، ويبدو أن الحزب تناسى أن التظاهر حق كفله الدستور العراقي وما من مادة في قانون العقوبات العراقي “تجرم” المتظاهرين، بالتالي لن يكون هناك “ردع قانوني”، حينها هل سيحمل الحزب وجماهيره السلاح لـ”ردع” المتظاهرين ومن يختلفون مع زعيمه المالكي؟.