يرى محللون ان تعهد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باخراج قوات الاحتلال الاميركية، وانسحابه من الحكومة في حال بقائها، وميل قادة عراقيين الى الابقاء على قوة اميركية الى ما بعد موعد الانسحاب، قد يفجر مواجهة بين الصدر والمالكي، ربما تكون لها عواقب مدمرة على العراق.
ولا يزال الغموض يكتنف هذا الاتفاق وسط تباين كبير في تقييمات الموقف الأمني بين الشركاء السياسيين، برغم انه لم يبق أمام الموعد المتفق عليه بين العراق والإدارة الاميركية لانسحاب جميع قوات الاحتلال من العراق نهاية العام الجاري إلا اقل من ستة أشهر.
وقال النائب قاسم الأعرجي عضو التحالف الوطني: نحن نرفض بقاء أي جندي اميركي في العراق بعد نهاية العام الجاري، لكن الصورة لا تزال ضبابية بين الكتل السياسية، ولا اتفاق على موقف موحد .
وأضاف :هناك خلاف في وجهات النظر بين الكتل السياسية فضلاً عن أن الحكومة لا تريد أن تعطي رأيها بشكل قاطع وتريد أن يكون القرار موحداً من جميع الكتل السياسية وهذا الموضوع صعب تحقيقه .
ويميل رأي التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي إلى كفة تأييد بقاء قوات الاحتلال الاميركية في العراق لمرحلة ثانية، فيما كشف التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر أنه يعارض بقاءها بعد انتهاء المهلة المحددة في الاتفاقية الأمنية .
وقال النائب اسكندر وتوت عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان عضو القائمة العراقية: لا يوجد حالياً أي قرار حاسم بشأن موضوع انسحاب القوات الاميركية من العراق . وأضاف: نحن بحاجة إلى تقييم موقف من الحكومة العراقية حول مدى كفاءة وجاهزية القوات العراقية لمرحلة ما بعد انسحاب جبش الاحتلال . وذكر أن القائمة العراقية ستعقد الاسبوع المقبل اجتماعاً لمناقشة الموضوع بشكل تفصيلي لبلورة رأي موحد حول قضية انسحاب القوات الاميركية .
وقال محمد بزي، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الاميركي، في مقال تحليلي بصحيفة “ذي ناشيونال” الاماراتية الناطقة بالانكليزية، انه في الوقت الذي يسعى الرئيس الاميركي باراك اوباما إلى اخراج القوات الاميركية من افغانستان، التي تعد مسرح اطول حرب اميركية، ستواجه ادارته عما قريب ازمة اخرى، تتمثل بتحديد ما اذا كان الجنود الاميركيون سيبقون في العراق.
لكن هذا القرار ليس في يد اوباما فحسب، كما يرى بزي الاميركي من اصل عربي، إذ بموجب اتفاقية امنية بين واشنطن وبغداد، فان القوات الباقية وقوامها 46.000 عسكري، يجب ان تغادر بحلول 31 من كانون الاول المقبل. الا ان بعض القادة العراقيين يدفعون باتجاه عقد اتفاقية جديدة، من شأنها ان تسمح لوحدة صغيرة من القوات الاميركية بالبقاء الى ما بعد الموعد النهائي للانسحاب، لاسيما وان هناك من يرى ان القوات العراقية ما زالت بحاجة الى المساعدة في مجال جمع المعلومات الاستخبارية والدفاع عن حدود البلد ومجاله الجوي.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قال انه سيطلب بقاء قوات الاحتلال اذا اتفق أغلب النواب العراقيين والقادة السياسيين على هذه الفكرة. لكن مقتدى الصدر راهن على سمعته، في اجبار المحتلين على الخروج من العراق.
واضاف بزي ان اتباع الصدر نظموا في اواخر ايار الماضي، اكبر تظاهرة سياسية في بغداد منذ الغزو الاميركي في العام 2003، إذ تجمع 70 الف من اتباعه في مدينة الصدر، يهتفون “كلا، كلا، اميركا”، ما بعث برسالة الى القادة العراقيين مفادها ان عليهم عدم السماح للولايات المتحدة بالابقاء على قوات لها في البلد الى ما بعد نهاية العام الحالي.
لكن استعراض القوة هذا، برأي بزي، يحمل رسالة اخرى مفادها أن الصدر مستعد لاطلاق عنان مقاتليه مرة اخرى ضد منافسيه العراقيين والقوات الاميركية، اذا عمد المالكي الى عقد اتفاق يبقي على القوات الاميركية في العراق، برغم ان أفراد جيش المهدي لم يكونوا مسلحين، بل كانوا يرتدون بزاتهم ويسيرون بانضباط وتنظيم عسكري،
وراى بزي ان استعراض القوة الاخير الذي قام به الصدر، بيّن على نطاق اوسع، كيف ان العراق لا يزال غير مستقر، وكيف ان المشاحنات السياسية يمكن ان تتفاقم في خضم مناقشات الفصائل العراقية بشأن مستقبل القوات الاميركية، اذ تعهد الصدر بالانسحاب من حكومة المالكي، ان حاول الابقاء على وجود اميركي في العراق الى ما بعد العام 2011. ومع تحالف هش كهذا يبقيه في السلطة، ليس بمقدور المالكي خسارة دعم الكتلة الصدرية.
وفيما صبت تركيزها على الانتفاضات المندلعة في المنطقة، حاولت ادارة اوباما تصوير العراق على انه قصة نجاح حيث تزدهر الديمقراطية، والعنف تحت السيطرة. لكن الواقع اكثر تعقيدا، فالعراقيون لم يتمكنوا من حكم انفسهم من دون الوقوع فريسة الجمود السياسي، والتدخلات الأجنبية ومعارك الدول التي تجري على أرضه بالنيابة.
الوضع الامني حول بغداد لا يزال ضعيفا، حيث يشهد عمليات اغتيال وهجمات اخرى تحدث يوميا تقريبا. ففي الاسابيع الاخيرة، حدث تصاعد في قصف مجمع السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء المحصنة، فضلا عن قصف قواعد عسكرية اميركية بالقرب من مطار بغداد.
ومرة اخرى يظهر المالكي ميله للحكم كرجل قوي، فبعد 6 شهور من اداء حكومته الائتلافية اليمين الدستوري، لم يعين وزيرا للدفاع او الداخلية، مفضلا أن يملأ هذه الحقائب بالوكالة.
علاوة على ذلك، فان التشكيلة الوزارية العريضة التي تضم ما يزيد عن 40 وزيرا، اثبتت انها لا يمكن ان تدار في الوقت الذي تتواصل فيه مشاحنات الفصائل السياسية.
كما ان اجتماع القادة وراء الابواب المغلقة، يسفر حسب الباحث، عن اتخاذ اكثر القرارات اهمية، مع قليل من اعضاء البرلمان المنتخب. وتعود جذور الكثير من هذه المشكلات الى المناورات السياسية التي ضمنت للمالكي ولاية ثانية كرئيس للوزراء.
وبموجب الاتفاق الذي انهى الازمة السياسية، فان اياد علاوي؛ منافس المالكي الرئيس الذي حصل ائتلافه على مقعدين اضافيين في الانتخابات اكثر من قائمة المالكي، وافق على التخلي عن محاولته ليكون رئيسا للوزراء. وبالمقابل، عرض على علاوي منصب رئيس مجلس السياسات الاستراتيجية المستحدث، الذي يفترض ان تكون له سلطة على شؤون الامن الوطني والاقتصاد. لكن المالكي نأى في ما بعد عن تشكيل المجلس، وعلاوي الان بلا منصب في الحكومة.
واختتم بزي تحليله بالقول انه ازاء هذه الخلفية من الاخفاقات الحكومية والمشاحنات الطائفية المتنافسة، فان المالكي والصدر، وهما حليفان غير مستقرين لا يثق احدهما بالاخر، يقفان على رأس مواجهة جديدة بشأن مصير القوات الاميركية، لافتا إلى أن طبيعة القرار الخاص هذا الامر، يمكن ان تمزق عراقا ضعيفا اصلا.