اكد أمين عام هيئة علماء المسلمين في العراق الشيخ حارث الضاري أن المقاومة كادت أن تحقق نصرا مؤزرا على الاحتلال الأمريكي وتجبره على الرحيل عام 2006 لكن الصحوات التى أسسها الاحتلال أبطلت هذا النصر وألحقت الضرر بالمقاومة. وقال في حوار بمقر اقامته في عمان اجرته معه صحيفة العرب اليوم ان القاعدة دخلت العراق بعد الاحتلال مضيفا أن الأحزاب الاسلامية العراقية لم تلتزم بمبادئها ولم تصمد أمام التحديات, وألمح الى أن هذه الأحزاب ربما كانت متواطئة مع الاحتلال قبل غزوه للعراق.وبين الشيخ الضاري أن ثورة العشرين قادمة قريبا وسيشارك فيها كافة أبناء العراق مؤكدا أن العراق سيبقى موحدا.وفيما يلي نص الحوار:= ما توصيفكم للمشهد العراقي؟– المشهد العراقي هذه الأيام مأساوي بامتياز, وهو مرتبك, مضطرب تعمه الفوضى من كل جانب وفي كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية, وفي المجال السياسي فان العالم أجمع يشاهد المهزلة المتمثلة في القضايا العامة والتى تدل على أن القرار العراقي ليس سياديا, بل تتحكم به قوى خارجية وداخلية وفي مقدمتها الاحتلال الأمريكي والبريطاني والتدخل الايراني والاسرائيلي الواضح وكذلك القوى الحاكمة في ظل المشهد المأساوي.أما الناحية الأمنية, فانها ليست أفضل من الحالة السياسية, فالأمن منذ اليوم الأول للاحتلال مفقود, وان كان الاحتلال أحيانا يشيع أن الأمن قد تحقق في هذه المنطقة أو تلك, وكذلك الحكومات التى شكلها من خلال مؤامرته السياسية التى يسمونها زورا وبهتانا (عملية سياسية) تردد ما يقوله الاحتلال من وجود أمن واستقرار, وبالتالي فان على العرب أن يعودوا الى سفاراتهم في العراق وأن يطمئنوا للأمن الموجود في العراق, وكذلك على المجتمع الدولي أن يدخل العراق ويستثمر فيه, ونحن نشهد أن الأمن مفقود ولا يقاس على بعض فترات الهدوء المؤقت, وأتساءل كيف يكون الأمن موجودا, ويعتقل يوميا من أبناء العراق أكثر من مئة مواطن, ويقتل منهم شهريا نحو 800 شخص, وبلغ عدد القتلى في السنتين الأخيرتين نحو 1500 شهريا, كما أن السجون تعج بالمعتقلين, ويقتل منهم يوميا في السجون بسبب التعذيب والأمراض أعداد غير منظورة.هناك ملايين المهجرين العراقيين في الداخل والمهجرين في الخارج, اضافة الى الاغتيالات اليومية بالأسلحة الممنوحة من الحكومة والجهات الأخرى التى ترغب باستمرار التوتر في العراق.وفيما يتعلق بالناحية الاقتصادية, فان ثروات العراق منهوبة, ونفطه يباع بعقود سريعة ومتعددة لشركات متعددة ومتداخلة ولا يعلم الشعب العراقي عن نفطه شيئا حتى أن العقود لا تمر على ما يسمى بالمجلس الوطني العراقي. وتتسم الناحية الاجتماعية, بالكساد والبطالة حيث بلغت نسبة البطالة 50% من السكان, والفقر بلغ 55% ناهيك عن تفشي الأمراض.= ما سر تواصل التفجيرات ومن الذي يقوم بالتفجير ولماذا استهداف المواطنين؟– التفجيرات لم تنقطع منذ اليوم الأول للاحتلال, بل شهدت تصاعدا في السنوات الأخيرة (2008 – 2009) وحتى هذا العام, وما يعلن منها هو أقل بكثير مما يخفى, وما يتم الاعلان عنه هو التفجيرات الكبيرة أو المكشوفة التى لا يمكن تجاهلها, أما من يقف وراءها فهناك جهات كثيرة وكل من له مصلحة في تخريب العراق يشارك في التفجيرات وهؤلاء هم : الاحتلال, ومخابراته وحلفاؤه والأحزاب وميليشياتها, لا سيما أن الأحزاب الحاكمة مختلفة فيما بينها وتتسابق على السلطة ويكيد بعضها لبعض, وشعبنا يعلم جيدا من يقوم بالتفجيرات وهم الاحتلال والأحزاب والقوى الخارجية.= كيف تنظرون الى الانتخابات المقبلة, وهل تتوقعون أن تشهد تزويرا؟– هذه الانتخابات لن تتجاوز الانتخابات التى سبقتها من خروقات وتزوير وهيمنة فئوية وهيمنة الاحتلال, كان البعض يتوقع من هذه الانتخابات أن تكون أكثر نزاهة ولكن ما قامت به السلطة والأحزاب المتنفذة في العراق, من عمليات اقصاء (اجتثاث) لمن يخشون منافستهم لهم في الانتخابات المقبلة وهذه المؤشرات مع الاحتمالات الأخرى وتجربة التزوير السابقة, كل ذلك يقوي الشكوك ويزيد الظنون بأن هذه الانتخابات ربما ستكون الأسوأ من سابقاتها في التزوير والهيمنة.= هل يعقل أن تجرى انتخابات في ظل الاحتلال… أفغانستان والسلطة الفلسطينية نموذجا؟– أعتقد أن هذه التجارب التى لها أنصارها, انما هي تجارب فاشلة ولن تقدم لهذه الشعوب شيئا.= ما قراءتكم للتحالفات السياسية وقانون الاجتثاث والاستبعادات وأثر ذلك على الانتخابات؟– ما قامت به هذه السلطة من اجتثاث واقصاء سينعكس سلبا على الانتخابات, بل يزيد سلبية الانتخابات أكثر من سلبيتها, وأغلب المراقبين متخوفون من أن تكون هذه التجربة الانتخابية الثالثة سيئة وتعمق الأزمة.= الملاحظ في العراق أن الحركات الاسلامية بدلا من ان تتبنى الجهاد ضد الاحتلال اتجهت للانخراط فيما يسمى العملية السلمية, ما معنى ذلك؟– الحركات الاسلامية في العراق يبدو لي أنها غلبت عليها المصالح الذاتية والفئوية بدلا من المبادىء والشعارات التى كانت تنادي وتتمسك بها قبل الاحتلال.وقد أخذتهم تجربة الاحتلال القاسية, ولم يكونوا بمستوى الصمود أمام هذه التجربة ليثبتوا لشعبهم صدق مبادئهم هذا ان لم يكونوا أصلا متواطئين مع الاحتلال قبل غزوه العراق وينسحب ذلك على الأحزاب العلمانية, لأن كل المشاركين في العملية السياسية تخلوا عن مبادئهم وأثبتت التجربة العراقية أنهم ليسوا بمستوى القيادات لحركاتهم وأحزابهم ان كانت تختلف عنهم في ما ذهبوا اليه.= لماذا لم تقم ثورة العشرين مرة أخرى؟– منذ الأيام الأولى للاحتلال ونحن نشهد ارهاصات ثورة العشرين, وتركت من 2003 آثارا وانجازات أكثر من ثورة العشرين الأولى, هذا ان كنت تريد ثورة العشرين على الصعيدين الواقعي والعملي. أما ان أردتها على الصعيد الشعبي, فأقول انها ستبدأ بعون الله تعالى, ان لم تكن قد بدأت, فانها ستعم العراق كله من أقصاه الى أقصاه, تماما كما عمت ثورة العشرين شعب العراق بكل مكوناته, وهي قادمة لأن شعبنا وعى المؤامرة وحجمها بعد أن كشف الاحتلال عن اهدافه وارتكب من الجرائم ما لم يتوقعه شعبنا ولا أي مراقب, ناهيك عن انكشاف أوراق وأهداف من اعتمد عليهم الاحتلال ممن نسميهم مجاملة (حلفاء الاحتلال) ولا نسميهم بأسمائهم, وقد انكشفوا على حقيقتهم وبانت نواياهم وهي أنهم يعملون لأنفسهم ولأحزابهم وللقوى الخارجية التى تدعمهم وتريد منهم أن يسلموها العراق على طريقتهم الخاصة.= برأيكم, هل ستنسحب القوات الأمريكية بالفعل من العراق وما مصير القواعد العسكرية الأمريكية؟– عودنا الأمريكيون على عدم الصدق في مواعيدهم ولكنهم هذه المرة صدقوا أم لم يصدقوا فاننا نعتقد أنهم سيخرجون في النهاية, ان عاجلا أو آجلا. وسيخرجون من العراق ومن القواعد كما خرج البريطانيون عام .1920= هناك من يقول ان العراق سيبقى تحت الانتداب الأمريكي – البريطاني المشترك, ما وجه الدقة في ذلك؟– ربما هذا هو المخطط من قبل أمريكا وبريطانيا, أو هذا ما يأملون به ويعملون على تحقيقه من خلال حلفائهم الذين لا يرغبون في خروجهم, لكنني أقول ان هذا الانتداب سينتهي في نهاية المطاف بكل صوره المتوقعة والمرسومة, = لماذا حصل الأكراد على دولة خاصة بهم وكان الرئيس ووزير الخارجية منهم؟– حصلوا على نواة الدولة من خلال الظروف التى اتيحت لهم لاحتلال العراق وتنسيق الدولة المركزية العراقية, كل ذلك أتاح لهم الفرصة, وهم يحاولون هذه الأيام استغلال هذه الفرصة ما أمكن وبمهارة, واستفادوا من هذا الوضع الاستثنائي للعراق, وقد حصلوا على أكثر مما يستحقون, ولكنهم ليسوا مقتنعين بما حصلوا عليه ويريدون الأكثر أرضا ومالا ومشاركة, وهيمنة فيما يسمى بالسلطة العراقية في بغداد.= ما توصيفكم لمجريات الأمور في المنطقة الخضراء والى أين يسير المالكي؟– تسير الأمور في المنطقة الخضراء بتوجيه من الاحتلال الأمريكي والتدخل الايراني, فالسفيران الأمريكي والايراني هما اللاعبان الرئيسيان وهما يدعمان الرموز العراقية التى تحكم البلد, فكلا القوتين الأمريكية والايرانية لهما من تعتمدان عليه في هذه السلطة, وبينهما من الشك والخوف, وكذلك بين حلفائهما في المنطقة الخضراء وكذلك الكيد بعضهم لبعض, فالمنطقة الخضراء تمثل محمية في بغداد تضم مجموعة من الوحوش التى تخطط لافتراس بعضها بعضا, ففيها رؤوس مؤتلفة في الظاهر ومختلفة في الواقع على المصالح والمناصب والنفوذ, وهذا كله عبث في العراق.ومقدراته وشعبه.= كيف تنظرون الى عراق المستقبل, وما دور هيئة علماء المسلمين في العراق؟– مستقبل العراق في المدى المنظور سيبقى ضبابيا ومشحونا بكثير من الاحتمالات وقد يتعرض لكثير من الهزات والأحداث قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها وأرى أن هذه الأحداث كما يقول المثل هي الزحرات الأولية الشديدة في المخاض العسير.أما في المستقبل ما بعد المنظور, فان العراق سيخرج من هذا النفق المظلم, وسيتحرر من المغتصبين الذين اختطفوه وسيتماثل للشفاء ليعود في النهاية الى أبنائه وأمته.وبخصوص دور هيئة علماء المسلمين فانه سيبقى الدور المناهض للاحتلال ولكافة التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية ضارة في العراق, وسيبقى الدافع لكل القوى العاملة السياسية في الميدان والمشاركة لهم في تحرير العراق وعودته الى سابق عهده لأن يكون بلدا حرا موحدا مستقلا يسهم في سعادة أبنائه والمنطقة وأمنها واستقرارها ويكون خيرا لأهله وجيرانه.= برأيكم لماذا استمر الاحتلال نحو سبع سنوات وتعداد العراق 27 مليون نسمة؟– هذا سؤال وجيه, ففي البدايات حين عارض العراقيون الاحتلال ومنهم من قاوم بالسلاح لم يكونوا يتوقعون أن باستطاعتهم مواجهة هذه القوة العظمى, ولكنهم قاموا من منطلق ايمانهم بالله, وثقتهم بشعبهم, وحين اشتد ساعد المقاومة, ووصلت الى اوج عظمتها عامي 2005-2006 كنا على وشك النصر, اذ كان الاحتلال على وشك الهزيمة, كما قال أحد قادة الاحتلال : كنا عام 2006 على وشك الهزيمة أو الانسحاب لولا شيوخ الصحوات, وقال بوش بداية عام 2007: كنا نروج لمزاعم النصر خشية أن تستولي روح الهزيمة على أبناء شعبنا.العراقيون عام 2006 كانوا على أبواب النصر ولكن هذا النصر تأجل ونحن مؤمنون أنه سيأتي في القريب العاجل, فوعي الشعب العراقي في السنوات الأخيرة خلق حالة كره وامتعاض ونفور من الاحتلال وعملائه, وكره لكل القوى المتدخلة في شؤون العراق وكذلك لكل القيادات السياسية التى تحكمت برقاب العراقيين في ظل الاحتلال.ولهذا أقول أن هذا الشعب وبكل حكوماته الدينية والمذهبية والسياسية سيطرد الاحتلال عاجلا أم آجلا.= ما قصة الصحوات وما مصيرها؟– هي ظاهرة ظهرت وانتهت, وكان ظهورها لأسباب وكذلك اختفاؤها فبعد أن أدت جزءا من دورها انتهت, وهي مشروع أمريكي اعتمد على معطيات كانت موجودة في الداخل العراقي للأسف, وضمت العاطلين عن العمل والسراق وقاطعي الطرق وبعض الشخصيات الباحثة عن أي دور حتى لو لم يكن شريفا في ظل الاحتلال وكذلك الأحزاب الحاكمة التى خشيت من استمرار المقاومة وتمكنها من طرد الاحتلال ومن ثم تنكشف وراء الاحتلال أو تضطر للرحيل معه, هذه القوى وقوى خارجية أخرى ساعدت في وجود هذه الصحوات.التى أسهمت الى حد كبير في الضغط على المقاومة باسم مقاتلة القاعدة, مع أن الواقع أنها قاتلت المقاومة, وانصب الأذى على فصائل المقاومة الوطنية أكثر من القاعدة, وجرى استخدام القاعدة كغطاء لنشوء هذا الوليد غير الشرعي المسمى صحوات وعند انتفاء الحاجة كما قال الأمريكيون لبعض قادة الصحوات أواخر 2008: انتفت الحاجة اليكم وسنسلم ملفكم الى الحكومة !! وفعلا سلموه للمالكي ومن يومها قام المالكي ومخابراته ودولة جارة والقاعدة والأمريكيون بمطاردة هذه الصحوات. ولم يبق منها الا الرموز المنتفيعن من خلالها.= من الذي أدخل القاعدة الى العراق؟– أدخلها الاحتلال, ومن المعلوم للجميع أن الاحتلال نفسه اعترف بعدم وجود ارهاب أو قاعدة في العراق قبل الاحتلال ومن هنا نفهم أن القاعدة دخلت العراق بعد الاحتلال, لأنه هو الذي دمر العراق وفتح حدوده فدخلت القاعدة بعد الاحتلال ومن جهات متعددة الحدود العراقية والايرانية وبالمناسبة فان القاعدة في العراق اليوم قد انحسرت و تضاءل مدها, وأن كثيرا من عناصرها خرجوا من العراق ومنهم من تراجع وترك القاعدة. = ما رسالتكم للاجئين العراقيين في الخارج؟– – نوصيهم أن يصبروا ويصابروا وأن يعتمدوا على الله في عزيمتهم ومعاناتهم وان يظهروا الأخلاق العراقية الحسنة والسلوك الحميد في تعاملهم مع شعوب البلدان العربية التى لجأوا اليها وان لا يفقدوا الأمل بعودتهم الى بلدهم وعليهم الحذر من اللجوء الى الغرب هذا اللجوء الخادع المراد منه اهانة واذلال العراقيين وتفريغ العراق من قواه الوطنية الحية ليحل محلهم آخرون ممن يعملون لحساب الاحتلال والقوى الخارجية التى تريد تدمير العراق واستغلاله وتهمشيه وابعاده عن دائرته العربية والاسلامية.= ما تقييمكم لدور الجامعة العربية ودول الجوار للعراق وماذا تريدون من العرب؟– الجامعة العربية تعمل بتوجهات وتوجيهات الدول العربية, ولا نطلب منها أكثر مما نطلب من الدول العربية ولهذا أقول وبكل صراحة وبعد هذا الصمت العربي الذي لا مبرر له, وبعد هذا الاهمال للشعب العراقي وقضيته, أن مواقف الدول العربية في معظمها سلبية وغير مبالية بالشعب العراقي, ولو كان البلد المحتل غير العراق لرأوا من العراق موقفا يغاير هذه المواقف.
- info@alarabiya-news.com