لم يكن من الانقسام بُدٌّ بين العراقيين، في الشارع، مثلما وسائل الاعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، حول دعوة القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى، وهو إمام مسجد “براثا” بناحية الكرخ في بغداد، الشيخ جلال الدين الصغير، العراقيين لتجنّب شراء “الشوكولاتة”، لغرض الادّخار، في ظل أزمة اقتصادية، كان من أسبابها الرئيسية انخفاض أسعار النفط، حيث تعتمد واردات العراق عليه بصورة شبه كليّة.
كان العنصر الأساسي الذي جمع العراقيين في انتقادهم وسخريتهم من حديث الشيخ الصغير انّ أكل “النستلة” من “عدمه”، سوف لن يكون له تأثير يُذكر لمعالجة الأزمة الاقتصادية أمام التداعيات الخطيرة التي سببتها مافيات الفساد، وانخفاض أسعار النفط.
وإذا كان اعلامي عراقي من مثل سالم الشيخ في حديثه لـ”المسلة” يرى ان الشيخ الصغير “ضرب في (النستلة) مثالا استعارياً لأقل سلعة سعرا يمكن للمواطن أن يشتريها، وهو بذلك قد اقتبس التبسيط في الأمثال والنزول إلى تفكير يتناسب مع عقول العامة، والله قال في كتابه الكريم (ان الله لا يستحي أن يضرب مثلاً بعوضةً وما فوقها )، فلا أتصوّر أن الأمر معيب على الشيخ أن يأتي بمثل هذه الأمثال”.
وتابع “للأسف أصبحت عقولنا لا تميز ولا تفسر الكلام وما يحتويه من مضمون وفوائده، وصرنا نسمع اسم المتحدث قبل حديثه ليتسنى لنا التعليق وفق أهواء سياساتنا”.
واذا كان سالم الشيخ قد تصدّى لأولئك الذين سخروا وانتقدوا الشيخ الصغير، فانّ الكثير من المواطنين في الشارع، وإعلاميين ومدوّنين، اعتبروا انه كان الأوْلى بالشيخ الصغير، أن يكون صريحا اكثر في فضحه لرؤوس الفساد، والدعوة إلى الإطاحة بهم، والى تقليل رواتب المسؤولين في الدولة والنواب، بدلاً من بذل الجهد في خطبته لتناول موضوع تناول النستلة، حتى وان كان من باب “الأمثال تُضرب ولا تُقاس”.
وكان الشيخ الصغير قد قال في خطبته “المائة ألف التي تأخذها يمكن أن تصرف منها ثلاثين أو أربعين وتدّخر سبعين ألفا”.
وأضاف الشيخ الصغير: “يا إخوان النستلة، ليست ضرورية، قلصوا مصاريفكم لأنكم ستحتاجونها غدا”.
وفي ظل أوضاع العراق الاقتصادية المتدهورة بسبب انخفاض أسعار النفط، وتداعيات ظواهر الفساد ورواتب النواب والمسؤولين وامتيازاتهم، فان طرح موضوع “النستلة” استفزّ الشارع العراقي، الذي بات يدرك حجم الضرر التي يمكن أنْ يَلحق به من جراء تدهور الاقتصاد، لاسيما وان تصريحات وزير المالية العراقي هوشيار زيباري أشارت إلى عدم قدرة الدولة على دفع رواتب الموظفين بعد فترة وجيزة من عام 2016.
وفي مقطع فيديو للناشط والإعلامي نبيل جاسم كان قد نشره على صفحته التفاعلية في “فيسبوك”
خاطب جاسم، الشيخ الصغير، متهكّما: “لا يا سماحة الشيخ النستلة ضرورية جدا”.
واعتبر جاسم ان من حق المواطن ان يسخر، وان يدعو الى الإطاحة برموز الفساد، بعدما كل هذه السرقات لأموال الشعب العراقي.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مدوّنون رسوما ساخرة لصورة الشيخ الصغير “مطبوعة” على أغلفة قطع الشوكولاتة.
وما زاد من النقمة على ما جاء في خطبة الشيخ الصغير دخول الناطق باسم كتلة المواطن، بليغ أبو كلل، على خط الجدل ليظهر في مقطع فيديو متوعدا المواطنين الذين أثاروا ضجة حول خطبة الشيخ الصغير، حيث اعتبر مدوّنون ان أبو كلل أساء الى الشعب العراقي بعدما شتمه، وقلّل من شانه.
المتابعة للتفاعلات الميدانية لخطبة الشيخ الصغير وتصريحات أبو كلل تشير الى انهما الحقا الضرر بمكانة المجلس الأعلى الإسلامي، عبر انتقادهما للشعب بدلا من المسؤولين الفاسدين وتوجيههما اللوم له، ذلك ان النقد السلبي للشعب ومخاطبته على طريقة “أنت السبب في ذلك…”، والتحدث اليه بشكل غير لائق، وإهانته، والسعي الى الانتقام، ولّد استجابة دفاعية من قبل الشعب، تضمّنت فيما تضمّنت ارتفاع مديات الصدود الواسع عن المجلس الأعلى.
وأدرك الشيخ الصغير، الخطأ الكبير الذي اقترفه أبو كلل، فعبّر في بيان له الأربعاء الماضي، عن “ابتئاسه” من بعض الردود التي دافعت عنه إزاء انتقادات طالته مؤخرا على خلفية حديث له عن التقشف، فيما أكد أنه لم يطلب من أحد الدفاع عنه.
وقال الصغير “اني والله مبتئس جدا من طبيعة بعض الردود التي تصدت تدافع عني ضد الذين هاجموني اذ لا تورد هكذا يا سعد الابل”.
وأوضح الصغير “لم اطلب من أحد أن يدافع عني لا والله بل حتى من أهلي وأرحامي فضلا عن اي جهة سياسية وغيرها ان تنبري كي تدافع، فالمتصدي يهاجم وعليه ان يتحمل ضريبة التصدي، وقد ساءني جدا ولا ابرئ ذمة أحد دافع عني بالاساءة الى الآخرين مع اني ابرأت ذمة من هاجمني واعتدى علي ان كان له شمة من ولاية امير المؤمنين عليه السلام”.
ومن غريب المصادفة التي أطلقت العنان للسخرية لأقصى مداها ان شركة “مارس” الأمريكية سحبت كل منتجات “سنكرز ومارس” من 55 دولة للاشتباه بتلوثها بقطعة بلاستيك اكتشفها احد العملاء، بحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد اكتشاف أحد الزبائن قطعة من البلاستيك داخل شيكولاتة (سنكرز) قام بشرائها في ألمانيا.
وتضمّن استطلاع لموقع “المسلة” الميداني بين مدافع عن خطبة الشيخ الصغير ومهاجم له، فمن وجهة نظر الكاتب والمحلل السياسي، باسم العوادي فانّ “التسقيط السياسي أو الاجتماعي ظاهرة مرضية لا تدل على التفهم والمنطقية في التعاطي مع الآخرين، وتدل أيضا على طغيان روح الحزبية والفئوية والرغبة من النيل من الآخرين بأي طريقة وان كانت غير منصفة، لذلك سادت وخلال السنوات المنصرمة في العمل السياسي العراقي أبشع وسائل التسقيط السياسي البشع جدا والغير موجود في دول او أماكن أخرى”،
واعتبر العوادي إن “الحملة التي شُنّت على الشيخ جلال الدين الصغير كانت مضخمة وغير دقيقة وليست في محلها، ابتدأت حزبية وانتهت حملة جماهيرية للسخرية من ترف كل القيادات والأحزاب بدون استثناء”.
وعلى النقيض ممّا ذهب إليه العوادي، يعتقد الكاتب والإعلامي وليد الطائي إن “ردود الأفعال الشعبية حول خطبة الشيخ جلال الصغير هي ردود أفعال طبيعية، فعندما يستخفّ ويستهزأ سياسي او رجل دين بالشعب العراقي والفقراء والبسطاء وعوائل الشهداء فانه امر طبيعي ان تكون ردود الافعال الشعبية في هكذا مستوى، وعلى الصحافة العراقية الحرة ان تركن المجاملات جانبا وتعطي هؤلاء المستخفين بالشعب العراقي حجمهم الحقيقي “.
وقال الطائي “المتحدث باسم كتلة المواطن بليغ أبو كلل استخف بالشعب العراقي” داعيا المجلس الأعلى إلى “الاعتذار للشعب العراقي حول استخفاف بليغ أبو كلل بالشعب العراقي ووصفه لفئة منهم بالهمج والرعاع”.
فيما اعتبر الكاتب والمحلل السياسي قاسم موزان، تصريح الشيخ الصغير “تحذيرا من أيام عصيبة بسبب الأزمة الاقتصادية”، معتبرا إن “الهجوم عليه يكشف بشكل جلي بعض العقليات التي تعاطت مع كلامه، وان دفاع ابو كلل له وصل إلى حد الطعن بالشعب العراقي وكأن الصغير حامي الحمى للمال والأعراض”.