رئيس هيأة النزاهة: الفساد ابتلع 31 مليار دولار من اموال الشعب
الوزراء وكبار المسؤولين يحولون الوزارات الى ممتلكات عائلية ويحمون الفاسدين
المتظاهرون يطالبون بوزارة لشؤون المسؤولين الحكوميين المزورين
القوات الامنية تواجه بعض التظاهرات باجراءات قمعية ورصاص حي وخراطيم مياه
كتبت: نادية العبيدي
فيما تزداد تظاهرات الشعب العراقي ضد فساد الحكومة وارتفاع وتيرة الشعارات من ادانة سوء الخدمات والبطالة الى اتهام الحكومة بالسرقة والى المطالبة بتغييرها تتواصل عمليات الكشف عن الفساد الممنهج في مفاصل الحكومة.
فبينما كان المتظاهرون يهتفون ( نفط الشعب للشعب مو للحرامية) و( حكومة يالكامة صار البوك للهامة) كشف رئيس هيئة النزاهة في العراق القاضي رحيم العكيلي لوكالة فرانس برس عن ان الوزراء العراقيين يفضلون التغطية على الفساد في وزارتهم على مكافحته، مؤكدا ان الفساد هو احد الابواب المهمة لتمويل الارهاب.
وقال العكيلي “اقول ان التنفيذيين (الوزراء) عموما غير جادين في مكافحة الفساد، واحيانا يعتقدون ان خير تعامل مع الفساد هو التغطية عليه”.
واضاف ان عيبهم الاخر، حينما يتسلمون مسؤولية تنفيذية يعتقدون انها ملك لعائلتهم، لذلك يمنعون الاخرين من الدخول اليها او مكافحة الفساد فيها وحتى يحاولون حماية الموظفين الفاسدين.
وصنفت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي للعام 2010 العراق كرابع اكثر دولة فسادا في العالم.
واكد العكيلي صدور 4082 امر استدعاء بحق مطلوبين للهيئة خلال عام 2010، بينهم 197 بدرجة مدير عام وما فوق، مقابل 3710 في 2009 بينهم 152 بدرجة مدير عام وما فوق.
وبحسب القاضي فان عدد المحالين الى المحاكم في عام 2010 بلغ 2844، في 2322 دعوى تنطوي على فساد تصل قيمته الاجمالية الى 31 مليار دولار.
واعلى عدد للموظفين المحالين كان لوزارة الدفاع حيث بلغ 13,47 بالمئة، تليها وزارة الداخلية بنسبة 7,28 بالمئة ثم وزارة البلديات والاشغال بنسبة 6,26 بالمئة، بحسب تقرير اعدته الهيئة.
واوضح القاضي الذي تسلم مهامه مطلع عام 2008 “نحن في صراع مستمر معهم، والحقيقة نستطيع ان نتغلب عليهم بالقانون”، مؤكدا ان “هيئة النزاهه اصبحت مؤسسة يخاف منها الجميع، حتى كبار موظفي الدولة، بمن فيهم الوزراء”.
واضاف ردا على سؤال ان “رئيس الوزراء (نوري المالكي) يحاول ان يعمل في ميدان مكافحة الفساد وكانت له خطوات جادة، لكن لا يمكن له ان يقوم بكل شيء بنفسه، يفترض ان يكون هناك وزراء هم الاداة التفيذية له”.
واكد ان “التنفيذيين على الاغلب لا يؤمنون بالعمل ضد الفساد عموما”.
وقد ازداد عدد الموقوفين بدعاوى الفساد بشكل مطرد على مدى السنوات الماضية، ففي 2006 لم يزد العدد عن 94 موقوفا فيما بلغ 147 في 2007 وارتفع الى 417 في 2008 ثم تزايد في 2009 ليصل الى 1719 بينما بلغ 1619 خلال 2010، غالبيتهم من وزارات البلديات والداخلية والصحة.
واصدر القضاء العام الماضي 1016 حكما بحق متهمين، بينهم 110 بدرجة مدير عام وما فوق و84 من مرشحي الانتخابات بتهمة تزوير شهاداتهم، مقابل 296 في 2009.
واعتقلت السلطات العراقية في 2009 وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني اثناء محاولته مغادرة البلاد اثر دعاوى فساد.
ويقول العكيلي (44 عاما) الذي تلقى تهديدات بالقتل مباشرة وغير مباشرة “حينما نتحدث عن زيادة عدد المطلوبين لهيئة النزاهة وزيادة عدد القضايا وعدد المحكومين ثلاثة مرات عن العام الماضي، فهذا دليل على زيادة جهود مكافحة الفساد وليس دليلا على زيادة الفساد ذاته”.
وبالنسبة الى العكيلي فان الخطر الاكبر هو العلاقة بين الفساد والارهاب، موضحا “ما زلت اعتقد ان الجهود غير كافية لمكافحة الفساد، والارادة السياسية ناقصة جدا في هذا الاطار”.
واضاف ان “الفساد احد الابواب المهمة لتمويل الارهاب، وكثير من اموال الفساد تذهب الى تمويل العمليات الارهابية”.
وبحسب مسؤولين عراقيين فان قسما من الاموال المخصصة للخدمات العامة ينتهي به المطاف الى الجماعات الارهابية من خلال بعض موظفين العموميين.
وحول تصنيف العراق في قائمة أسوأ بلدان العالم من ناحية الفساد وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية، قال العكيلي “اتفق تماما مع ما تذهب اليه الشفافية الدولية، واحترم ما تصدره رغم انني لدي بعض الاعتراضات العلمية على مؤشر مدركات الفساد”.
واوضح “اعتقد ان تقارير الشفافية الدولية حول العراق كانت مفيدة، وشكلت ضغطا كبيرا على الحكومة العراقية والجهات المعنية من اجل العمل ضد الفساد، لذلك كانت نتائجها ايجابية”.
وردا على سؤال حول امكانية معالجة الفساد والوقت المطلوب لذلك، قال “لا يمكن ان نتحدث عن الوقت، نحتاج الى وقت طويل”.
واضاف “نحتاج الى تبني منظومة من القوانيين التي تنص عليها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، من اهمها حق الاطلاع على المعلومات، وقانون حماية الشهود والمخبرين، وقانون الشفافية في تمويل الاحزاب السياسية، وقانون الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية”.
وتابع “اذا كنا جديين في العمل لاصدار تلك القوانيين نستطيع ان نكملها خلال السنوات الاربع القادمة”، مضيفا بلهجة تشاؤمية “لا اتوقع ان تنجز تلك القوانيين في السنوات الاربع القادمة في ظل هذا الصراع السياسي المركب في العراق”.
وفيما يتعلق بقرار المحكمة لاتحادية ربط الهيئات المستقلة بمجلس الوزراء، قال “اختلف تماما مع قرار المحكمة الاتحادية علميا، لكن اقف اجلالا واحتراما للقرار لانه صدر من جهة مختصة”.
واضاف “اؤمن باحترام القضاء وهيبته وعدم المساس به، لكن من جهة اخرى ان هيئة النزاهة لا تدخل في القرار”.
واوضح ان “هناك قرارا سابقا ينص على الاستقلال الكامل للهيئة لانه لا يحكمها الا القانون، وانها تدير نفسها بنفسها وليس من حق احد التدخل فيها، وهذا القرار الذي يفسر استقلاليتها”.
واضاف “اعتقد تنفيذا للالتزامات الدولية على العراق، يجب ان تكون هيئة النزاهة مستقلة بالكامل وليس من حق احد التدخل باعمالها ولا يؤثر عليها باي شكل حتى لا تكون اداة سياسية لتتمكن من اداء دورها بفعالية وجدية.
وفي السياق ذاته كشف مصدر خاص عن أن أبناء مسؤولين عراقيين كبار يحصلون على امتيازات كبيرة، حكومية وغير حكومة، حتى تحول عدد من مكاتب الوزراء إلى مؤسسات عائلية.
ويضيف أن الامتيازات التي ينالها أبناء المسؤولين تنقسم إلى نوعين؛ الأول، مناصب حكومية قريبة من مناصب آبائهم، والثاني، حصول غير المنتسبين منهم للحكومة، وأغلبهم خارج البلاد، على مقاعد دراسية وأموال وعقارات.
وبين المصدر أن عدداً من مكاتب الوزراء والمسؤولين الكبار يديرها طاقم من أبنائهم وأقربائهم، كونهم يفضلون العائلة على الكفاءات والخبرات، نظراً لعدم ثقتهم بأي كان.
وكانت قد تواصلت التظاهرات في عموم المحافظات العراقية ومنها بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات وكشف الفساد وتحسين مفردات البطاقة التموينية ووصولها في شكل منتظم.ورفع المتظاهرون لافتات تعبر عن مطالبهم وسخطهم على الواقع الخدمي المتردي مطالبين الحكومة بأن «تكون حكومة ميدانية والخروج من صومعتها والنزول الى الشارع للنظر الى معاناة الأهالي». وتنشغل منذ أيام عشرات المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي بالتنسيق ما بينها لإكمال التحضيرات لتظاهرات كبيرة في ساحة التحرير وترتيب مواعيدها وشعاراتها.ومن أشهر المجموعات «بغداد لن تكون قندهار» التي نظمت الجمعة الماضية تظاهرة تندد بقمع الحريات بدأت من شارع المتنبي وانتهت بساحة التحرير. وقال هادي المهدي، أحد منظمي تظاهرة «حب العراق»، إن «الطلاب والشباب ومجموعات الفايسبوك لديهم مطالب وطنية مشروعة وسيتظاهرون باسم الحب للعراق وشعبه وإننى أتبرأ من أية تظاهرة أخرى غير معروفة الأسباب والدوافع».وأكد سعد العمادي أن أهم مطالب التظاهرة ستكون المطالبة بالخبز للجياع والعمل للجميع ومحاسبة المفسدين. ومن الشعارات التي سترفع «كافي مـآسي يا أهل الكـراسي» و «أين حقي أين نفطي أين مائي» و «لن نسكت بعد اليوم».وأعلن منظمو التظاهرة عن تشكيل لجنة من الشباب لحماية التظاهرة من أي شعار مدسوس أو مخطط له خوفاً من اختراقها كما تم طبع لافتات مكتوب عليها: «لن نطالب بتغيير الحكومة نطالب بتغيير الشعب نطالب بتغيير الشعب الجوعان» و «نطالب بوزارة دولة لشؤون المزورين» و «نحتاج الكهرباء للاستمتاع بوعود الوزراء».وطالب بعض المنظمين بحل مجلس محافظة بغداد ومجالس المحافظات الأخرى. وخفض رواتب الرئاسات الثلاث الى أقل من الربع، ومنع أن يكون لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية أكثر من نائب واحد، وفصل الدين عن الدولة ومنع ممارسة الأحزاب الدينية لنشاطاتها داخل المؤسسات الحكومية ومحاكمة وزير التجارة السابق محاكمة حقيقية ومصادرة أمواله المسروقة من قوت الشعب ومطالبة الحكومة بالإفصاح عن أموال العراق.
كما تظاهر نحو ثلاثمائة عامل بأجور يومية في شركة نفط كركوك أمس مهددين بـ”الإضراب عن العمل” مطالبين بتحسين ظروف عملهم، وسط تصاعد دعوات المثقفين والناشطين في حقوق الإنسان بالتظاهر احتجاجا على سوء الخدمات وتفاقم الفساد في مؤسسات الدولة وانتشار الطائفية والمحاصصة في التشكيلة الحكومية. وتواصلت دعوات مجموعة من المثقفين والناشطين في مجال حقوق الإنسان في العراق للتظاهر احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية وسوء الخدمات وتفاقم الفساد.ودعا بيان للمجموعة العراقيين للتظاهر بشكل سلمي مطالبين الحكومة وقوات الجيش بحماية المتظاهرين. وقالت المجموعة في بيانها “لقد سرق سياسيون هواة، الوقت من حياة العراقيين من أجل حصصهم في الوزارات والمؤسسات، ولأن أهدافهم لا تتعدى مصالحهم الذاتية فهم وحتى الآن لم يلبوا أقل احتياجات العراقيين في مجالات الأمن والخدمات والصحة والتعليم والغذاء وغيرها من احتياجات الحياة الأساسية اليومية”.
وكانت قوات من الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية قد واجهت التظاهرات باجراءات قمعية تمثلت ذروتها في استخدام الرصاص الحي وخراطيم المياه والاعتقالات فقد اعتقلت الناشط عدي الزيدي ، أحد منظمي تظاهرة الشباب والشابات في ساحة الفردوس ، وأقتادته الى جهة مجهولة .
وكانت التظاهرة قد إنطلقت صباح الاثنين الماضي من ساحة الفردوس بإتجاه ساحة التحرير ، يقودها الشباب والشابات احتجاجاً على تردي الخدمات وتفشي الفساد ومصادرة الحريات الخاصة والعامة في العراق ، وقد وزع ناشطون عراقيون منشورات في الجامعات العراقية تدعو الشباب العراقيين إلى بدء تظاهرات في ساحتي التحرير والفردوس وسط بغداد ودعت المنشورات الشباب العراقيين إلى المشاركة في التظاهرات المستمرة.
وتضمنت التظاهرة شعارات عدة سيتم رفعها، منها “نفد الصبر”، “أين وعود الحكومة”، “توفير العمل لآلاف العاطلين”، “معالجة الأخطاء الاقتصادية”، “القضاء على الفقر”، “صون حرية التظاهر وإبداء الرأي”، “تطهير الدولة من الفاسدين والمفسدين واتخاذ إجراءات قانونية قوية لمعاقبتهم”، “تخليص إرادة الشعب المدنية من تلاعب الطائفيين والمعادين للديمقراطية والعملية السياسية”، “بناء دولة تحتكم للقانون والعدالة وتمنع المتاجرة بمؤسساتها” وتوفير الغذاء والصحة والتعليم والخدمات