الحكومات التي لاتحترم الفن لاتحترم الشعب
كان بيت عبدالرزاق عبدالواحد من طابوق وبيتنا من قصب وطين
حلمت ان اكون عازف ناي فصحوت من حلمي ممثلا على خشبة المسرح
يوسف العاني ابو المسرح الحديث وضوضاء حسين الحيدري اكثر من عمله
حاورته: نادية العبيدي:
راهب في معبد الفن ، ومتصوف في كهف الانسان ، يبحث عن الابداع في اقصى مظانه، ويهرب من ذاته الى ذات الانسان الاخر في تجل وايثار.
محب بشكل باذخ للمسرح والتمثيل بكل ضروبه ، ويتلمس فرادته في اخلاصه المطلق وحرصه الدائم على ان يترك اثرا يشار اليه بالقلوب قبل البنان.
وعاشق ذواق للادب والنص المكتوب ، وحواري ممتاز يقصده الكتاب والمؤلفون لجس مستوى ابداعهم على مقياس ريختره الابداعي.
يقف ازاء اسم العراق متبتلا فيخضل مدمعاه وخداه ولحيته بقطرات حب كوفر سماوي.
هذا هو الفنان الكبير المبدع مكي البدري ، وعلى مائدة من حب في حديقة منزله كان لـ (العربية) هذا الحوار معه:
المحاورة:كأي بداية تقليدية حدثنا عن بداياتك الفنية متى واين وكيف؟
بابا مكي:العجيب الغريب هذا السؤال سمعته مراراً واجبته مراراً الحقيقة ان الكثير من الفنانين عند الاجابة عن هكذا سؤال يقولون: كنا نحب الفن ومنذ صغرنا عندنا روح فنية وكنا نقرأ هكذا كتب وكنا معجبين بفلان وعلان وغالبية تلك الاجابات كذب بكذب وارجو ان لا اسيئ لاحد وبالنسبة لي لا ابي فنان ولا امي فنانة ولا احد من اقاربي فنان لكن نحن الشباب كنا نفرح ان نكبر في عيون الناس والاخرين ونرى هذا جيدا في كرة القدم وذاك جيدا في العاب الساحة والميدان وانا احببت ان اكون عازف ناي؟ اتعرفين لماذا؟ في يوم من الايام ذهبت الى السينما وكان هناك فلم يعرض (قيس وليلى) مثله بدر لاما واخرجه اخوه ابراهيم لاما وكانت البطلة هي الممثلة المصرية المشهورة امينة رزق وكان احد الممثلين ايضا بشارة واكيم يعزف على قصبة عادية يضعها امامه بصورة ليست عمودية على فمه وانما بصورة مائلة قليلاً وبها ثقوب والعزف كان جميلا جداً والصوت رقيقا وشجيا واتذكر انه كانت عندنا (بنكلة) نضع بها البقر وقلت في نفسي ان هذا الامر سهل فذهبت للبنكلة الخاصة بالابقار وسحبت منها عود قصب وقطعته واخذت اثقبه وكنت اجلس امام القدر الذي يطبخون به العشاء الخاص بالتمن فاضع الشيش واثقب به القصب ثم انفخ دون جدوى الى ان صار عندي اشبه بالربو بعدها تعلمت كيف كيف ينفخ بالناي وصرت اعزف بالازقة في محلتنا . كنت احب الموسيقى والطرب والايقاعات والاصوات الجميلة لكن انا بحكم دراستي الابتدائية كان عندنا مدرس يدرسنا الرسم وهذا المدرس عجيب غريب فقد علمنا الخياطة والتطريز وعلمنا حياكة الاطوق من الخوص وعلمنا الرسم على الزجاج وعلمنا ياسيدتي التحنيط وعلمنا صب التماثيل كان عبقريا الله يرحمه اسمه حسين سالم وهو قريب عبدالرزاق عبدالواحد اي من نفس العائلة ومن المسائل التي تعلمتها هي مسألة الرسم فكنت ارسم واكبر الصور الجميلة والونها ولما تخرجت وعينت مدرسا طلبوا مدرس رسم للثانوية فنقلوني الى مدرس رسم في ثانوية الحي ومنها صار عندي اهتمام وظيفي بالفن وطورت نفسي وانتقلت الى بغداد ودخلت اول سنة فرع الرسم في اكاديمية الفنون الجميلة ثم حولت دراستي الى قسم التمثيل فتخصصت.
المحاورة: استاذ اخبرتني توا انك تعلمت العزف على الناي وقلت انك عزفته في محلة اي محلة تقصد؟
بابا مكي: محلة السرية بالعمارة وسبب تعلمي الناي انني هدمت البنكلة الخاصة بنا.
المحاورة:نفس المحلة التي نشأ بها الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد؟
بابا مكي: نعم ، لكن بيت عبدالرزاق كان افضل منا اقتصادياً اذ كان والده من الصاغة المهرة كثير السفر الى البلدان العربية ، كان بيتهم من طابوق وبيتنا من طين وقصب.
المحاورة: هل عزفت بشارع المعارف الذي يسميه اهل العمارة بشارع البنات؟
بابا مكي: كلا، لكن عزفت بمحلتنا وكانت عندنا زوارق للتأجير نأخذ احدها وننحدر في نهر الكحلاء فاعزف انا بينما يغني اصحابي حتى الى مسافة بعيدة ثم نرجع.
المحاورة:ماهي الاغاني التي كنتم ترددونها؟.
بابا مكي: اغنيات لام كلثوم مثل غنيلي شوي شوي واغاني صباح والكرخي وغيرها.
المحاورة:طيب ياسيدي الاستاذ مكي البدري.
بابا مكي: (فدوة اروحلك) اولا احذفي كلمة الاستاذ لانها تضع حاجزا بيني وبينك.
المحاور: بابا مكي علم ورمز وعنوان ودالة في الفن الملتزم للدرامة ماهي فلسفتك في الحياة الانسانية؟
بابا مكي: فلسفتي بالحياة ان اعيش واساعد الناس وانصهر مع مباهجهم والامهم واتجنب المشاكل والعدوان وانسى العدوان واطع الله وما امر به .
المحاور: بابا مكي هذه الفلسفة هل تعلمها لاولادك واحفادك ويمشون على نفس الطريق؟
بابا مكي: والله والله الان انا ـ واولادي كلهم غياب واحفادي غياب ـ مهتم بهم، وهذه المسائل يمشون عليها فما قطبوا يوماً بوجه احد ولا تنصلوا عن احد من اقاربهم او اصدقائهم ويدهم سخية قدر الامكان والحمد لله انا اعتز بحفيد من احفادي الان هو خارج البلد وكتب لي قبل ايام رسالة يقول فيها ان له مدرسة تحبه جدا الى درجة انها تريد ان يتحدث لها عن العراق ويطلب مني ان اكتب له عن العراق لان معلوماته قليلة ، الله ما اجمل العراق ( وهنا اجهش الاب الكبير بالبكاء وبعدج لحظات عاود الحديث) هل كلمة العراق حلوة بلسانك كما هي حلوة بلساني.. لااعرف لماذا بكيت هل لاجل العراق ام لاجل حفيدي ام لاجلهما معا؟
المحاورة: بابا نحن تعلمنا ان المسرح رسالة تؤدي الى خدمة الناس هل تعتقد ان المسرحيين العراقيين قد ادوا هذه الرسالة؟
بابا مكي: والله في فترة ما قد ادوا الرسالة.
المحاور: هل تعرف باي سنة مثلاً؟
بابا مكي:يعني بفترة الخمسينات بالستينات بعدها السبعينات ادوا ما عليهم كما يقولون وبذلوا الكثير في محراب الفن. اتذكر اني كنت اعمل الدعاية والاعلان بيدي واقوم بتعليقها في مكانات ظاهرة بالشوارع والمقاهي وكذلك الملابس كنا نصنعها بايدينا وانا كان اختصاصي احضار الصوف لاستخدامه بالمكياج اضافة الى هذا كنا نحمل كل ما نحتاجه وموجود في بيوتنا الى المسرح سواء قطع الاثاث او قطع الاكسسوارات او الملابس ولم نكن نبحث عن المال والمردودات المالية لان الحكومة آن ذاك كانت تأخذ من عندنا ضريبة البطاقة سواء بيعت او لم تبع مقدماً لكن اذا كان معنا عناصر نسائية فان غالبية المبلغ المتحقق من ايراد المسرح غالبية المبلغ ندفعه لهن للتشجيع .
المحاورة:سيدي في المسرح عرفناك جاد جداً ومن الناس الذين يتابعون تفاصيل العملية المسرحية ويقال انه كان هناك حجر مغناطيس تضعه في جيبك دائماً ما حكاية هذا الحجر؟
بابا مكي: كان عندي حزام به عدة جيوب اضع فيها مسامير ومطرقة وامواس وكلابات وخيوط وابر وقماش ومقص اضافة الى حجر المغناطيس، وهو نوع يشبه حدوة الحصان يؤخذ من المكائن حينما تكسر وترمى .. كنت اشده من الوسط وامشي به على اطراف المسرح ونهاياته خوفاً من وجود مسمار او موس او الة حادة حتى يجذبها فلا يجرح الممثل يؤذيه.
المحاور:هل تعتقد ان الحكومات في العراق التي عاصرتها انت انصفت الفنانين العراقيين؟
بابا مكي: عندما تكون في العراق لجان تقرأ النص وتناقش كاتبه بحب ومودة وتوجههه وتكرمه فقط في ذلك الوقت اقول العراق انصف المسرح وقدر مسؤوليته لكن حسب الظروف التي مرت على العراق وجدت كل اللجان الرقابية تحاول ان تعرقل مسيرة المسرح لعدم ايجاد النص او اتذكر نحن عملنا مع المخرج (حسين الحيدري) على احد النصوص المسرحية وحفظنا ادوارنا وتمرنا بعد ان اخبرونا ان النص مجاز ولما اكملنا تمارينا بانتظار العرض ابلغونا ان النص مرفوض ولايجوز عرضه.
المحاورة: بابا اكيد في حياتك علامات فارقة في مسراك المسرحي والدرامي ؟
بابا مكي: في مسرحية فوانيس التي كتبها (طه سالم) وهي نوع من انواع الفنطازيا كان لي الدور الرئيسي في هذه المسرحية وهو شخصية المؤلف الذي يجادله شخوصه في اسباب اسناد حوادث النص لهم ولماذا جعل مصائرهم كذا ولم يجعلها كذا ، وفي احد ايام العرض كان علي ان اقول باحد المشاهد ( راح صيف واجه شتاء واجه خريف وراح خريف واجه ربيع واني لسه ما عملت) وكنت اضع اصبعي بفمي واطلق اصواتا ولا اعلم كيف خطرت لي كيف اضيف هذه العبارات( او او او ديم ديم ناصر ديم هد الكور علزنبور بنات اشنيشن بالقطن كيشن من كثر النمل والجريش يا ربي عدل هاي وبدل هاي وباب الشام وباب المحلة وترتم هاي) واستمررت (او او او راح صيف واجة شتة ) وحينها سمعت المخرج الله يرحمه يقول:(يا كلب يا …. ) وبصوت مسموع فصار عندي رد فعل وقفت كانني تمثال افكر في الهجوم عليه او تحطيم الديكور لكن تذكرت اني لست وحدي وهذا عمل ومسؤولية فاكملت المسرحية حسب الاصول ونزلت عليه بالقاعة وقلت له (ولك من هذا الكلب الذي تسبه )فقال (فدوة اروحلك انت ابدعت اليوم هذه الوصلة ابقيها كل يوم).
المحاورة:بابا عندما تدخل الدور وتتقمصه بشكل وما بعد العمل كيف تتخلص من هذا التقمص اينتهي بمجرد انتهاء الفلم او المسرحية او المسلسل ام يبقى معك لفترة ما؟
بابا مكي: ارجع الى شخصيتي الاصلية بعد انتهاء التصوير مع استمرارية لفترة قصيرة جدا اراجع فيها ادائي .
المحاورة: يعني لم تتمكن منك شخصية او بقيت ملازمة لك فترة؟
بابا مكي:لا لا ابدا مرات تصدف ان نمزح بالبيت ونعيدها انا واولادي عندما يأتون لتقليدها او التعليق عليها.
المحاورة: بابا هذا السؤال به ممازحة من تجربتك الحياتية؟ من هو اصلح في قيادة الناس الفنان الشاعر ام السياسي؟
بابا مكي: السياسي
المحاورة: لماذا؟
بابا مكي: لانه يتحمل قيادة الناس.
المحاورة:لكن تاريخ العراق الحديث يقول ان كل الحكومات كان هاجسها قمع المثقفين ؟
بابا مكي: الحكومة التي تقمع المثقفين لم تأت بحب للناس وانما جاءت للذات بينما الحاكم الصحيح يجب ان ينظر الى الناس وما يحتاجونه وهذا لم يحدث عندنا.
المحاورة: سوف اسالك عن بعض الاسماء فاعطني رأيك بصراحة مطلقة؟
بابا مكي: اخاف ازعج الاخرين.
المحاورة: اعتقد ان الصراحة اكثر محبة وودية ؟
بابا مكي: صح اذا فهمها المقابل ، تفضلي بدون يجب او وجوب.
المحاورة: السياب
بابا مكي: شاعر رائع وهو الذي فتح الباب للقصيدة الحديثة غير المقفاة والقصيدة الايقاعية .
المحاورة: سامي عبد الحميد
بابا مكي: ابو المسرح العراقي بعد حقي الشبلي وابراهيم جلال.
المحاور: يوسف العاني
بابا مكي: ابو المسرح الحديث فقد اخذ المشاعر الموجودة في البيئة العراقية ووضع شخصيات عراقية بحيث قرب المسرح للناس والناس احتضنته
المحاورة: حسين الحيدري
بابا مكي: صاحب القلب الطيب صاحب القلب الابيض والفنان الذي ضوضاؤه اكثر من عمله
المحاورة: جمال عبد جاسم
بابا مكي : انا اعرفه عن قرب مخرج مصمم على اساس ان يكون من المخرجين الجيدين.
المحاورة:حياة حيدر
بابا مكي: ممثلة رائعة وياريت الناس احتضنوها في العراق كي لاتذهب الى بلد اخر وتبقى هنا كي لا تخلف فراغا في المسرح العراقي ولكن لم يتبنها احد رغم انها ممثلة رائعة ومبدعة
المحاورة: سليمة خضير
بابا مكي: رائعتنا وزميلتنا ولكن مع الاسف ذهبت الى بلد اخر ونحن نقول ان للمادة اثرها والخبزة مطلوبة.