الدكتور رجب بــو دبوس
بينما مهام الدولة شهدت توسعاً هائلاً ، ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر ، فإننا نشاهد ، منذ حوالى عشرين سنة ، تقليصا واضحاً لمهام الدولة ، في اقتصاديات بلدان منظمة التنمية والتطور الأوروبية «OCDE » هذه الحركة التقليصية ، بدأت في الولايات المتحدة ، ومن بريطانيا ، في نهاية أعوام 1970 ، طالت معظم البلدان المتطورة . الشك صار يطرح أكثر فأكثر ، في قدرة الدولة على حل مشكلات معينة ، بينما قوانين السوق أخذت تتمتع بثقة مستعادة .
لكن في واقع الحال ، المشكلات التي يؤخذ على الدولة ، عدم القدرة على حلها ، ليس فقط لم تجد حلاً بفضل قوانين السوق ، وإنما أيضاً تعتبر طبيعية وأحياناً مفيدة . ما يعني أن هذه المشكلات تؤخذ حجة ضد الدولة ، لأهداف أخرى .
1- التدخل العمومي كجواب على اختلالات السوق :
السوق تحكمه قوانين المنافسة الخالصة والكاملة ، يقود إلى تخصيص أقصى للموارد ، مع ذلك عندما شروط حسن من أدائه ليست متوفرة ، فإنه يعاني اختلالات ، والتي يمكن أن تبرر تدخل السلطان العمومي .
– السوق التنافسي الخالص والكامل :
يجب أن نتذكر أن خمسة شروط يجب أن تتوفر ، لكي توجد منافسة خالصة وكاملة ، هي :
1- الذرية :
الفعلة الاقتصاديون ، منتجون ومستهلكون ، يكونون كثرة، أو منفردين ، بما يكفي لكي لا يكون فعل أو تأثير مباشر على السوق ، وخاصة الأسعار .
2- التجانس :
الخيرات من نفس النوع تكون متجانسة وليس بينها اختلاف .
3- حرية الدخول :
ليس هناك حواجز تمنع الدخول إلى مختلف قطاعات الاقتصاد .
4- معلومات كاملة :
كل الفعلة عقلانيون ويمكنهم الحصول على مجموع المعلومات ، وفي الواقع الشرط الحقيقي هو تعادل المعلومات بين البائع والشاري .
5- حراك تام :
الفعلة وعوامل الإنتاج تكون متحركة تماماً على كامل الأراضي ، وبين مختلف قطاعات الاقتصاد .
في ضوء هذه الفرضيات ، القرارات المتخذة من كل فاعل ، على قاعدة المعلومات المتوفرة ، تسمح بتخصيص أقصى للموارد . هكذا باحثين عن تعظيم رفاهيتهم ،فإن الأفراد يعظمون رفاهية المجتمع في مجموعه ، آخذاً في الاعتبار التقاسم المبدئي للموارد .
هذه الفكرة صاغها الاقتصاديون الكلاسيك الجدد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، ليون فالراس وفلفريدباريتو على رأس القائمة .
في سوق المنافسة الكاملة والخالصة ، نظام الأسعار يكشف الندرة النسبية لكل خير ، ويسمح للمنتجين والمستهلكين بتعديل كميات المنتوج المطلوب . هكذا نظام الأسعار هــــو آلية قصــــوى لتخفيض الموارد .
وفق نظرية الرفاه كل اقتصاد سوق يرتبط بالحد الاقصى الذي وضعه باريتو ، وتبادليا يمكن أن يصير لا مركزياً في آلية السوق .
سوق المنافسة الكاملة والخالصة ، هو هكذا حالة قطبية، لتنظيم الاقتصاد والذي شروط حسن أدائه لا تتوفر إلا نادراً ، جداً لكنه يظل تصوراً نمطياً مثالياً ، لما يصيره الاقتصاد الفاعل تماماً ، والذي على ضوئه يمكن الكشف عن الاختلالات التي تعانيها مختلف الأســــواق ، وتصور حلول تسمح بعلاجها .
هكذا نموذج السوق التنافس الكامل والخالص ، ليس مطلوباً وضعه في التطبيق ، وإنما مجرد تصور مثالي يساعد في الكشف عن اختلالات الأسواق . ذلك لأنه غير قابل للتطبيق ، وشروطه لا تتوفر أبداً .
– ثلاثة أمثلة عن اختلالات السوق .
عندما كل شروط أداء سوق منافسة كاملة وخالصة، ليست متوفرة ، يقال إن السوق يعاني اختلالاً ، أذن سوف نستعرض ثلاث حالات معينة لاختلالات السوق .
1- الاحتكار الطبيعي .
الاحتكار الطبيعي يظهر في وجود عائد على مستوى واسع من النمو ، إحدى الحالات الأكثر شيوعاً للعائد على مستوى نمو واسع ، تتعلق بالخيرات التي ، بالنسبة لها ، توجد تكاليف ثابتة عالية . في الواقع هذه التكاليف تكون متحققة ، والخير ينتج في كميات . كبيرة لنأخذ حالة خير والذي تكاليف إنتاجيه الهامشية ، تكون ثابتة ، ولكن بالنسبة له هنالك تكاليف ثابتة مهمة . متوسط تكاليف الإنتاج تكون أقل ارتفاعاً ، إذا وحدة +1 أنتجت بدلا من وحدة ، عندئذ من مصلحة المجتمع أن شركة واحدة تنتج هذا الخير ، من أجل الاستفادة من عوائد المستوى الواسع النامي .
في حالة منافسة حرة وكاملة ، تتجه الشركات إلى تسعير الخيرات التي تنتجها على أساس التكاليف الهامشية ، وهذا يقود ، في المثال السابق ، إلى الإنتاج بخسارة . إنها حالة خدمات الشبكات ، مثل المواصلات الحديدية ، والتي بالنسبة لها البنية التحتية مكلفة جداً .
نموذج المنافسة الخالصة والكاملة هنا يثبت فشله ، شركة واحدة تسيطر على السوق ، إن طبيعة خيرات معينة تمنع أداء تنافسياً للسوق ، ويجعل من الضرورى أن الإنتاج تتكفل به شركة واحدة . لهذا يجري الحديث عن احتكار طبيعي . مع ذلك وجود الاحتكار له تكاليف أسعار عالية ، استغلال المستهلكين من قبل المنتجين ، مشاكل الجودة ، والتنوع . ترتبط بإنتاج هذا الخير .. تدخل عمومي يتبدى ، هكذا ، ضروريا من أجل معالجة اختلال السوق هذا . هكذا كل الصناعات الشبكية ، مثل الاتصالات الطاقة ، أو السكك الحديدية ، شهدت في معظم البلدان ، تدخلات السلطان العمومي
2- معلومات غير كاملة .
المعلومات الكاملة شرط ضروري لحسن أداء السوق ، في الواقع توجه المصالح الخاصة نحو المصلحة العامة ، ليس ممكناً ، إلا إذا كان كل الفعلة يتمتعون بمعلومات متساوية وكاملة ، والتي على أساسها ، يتخذون قراراتهم . هكذا معلومات ناقصة أو سيئة تقود بالنتيجة إلى تخصيص سيء للموارد. عدم تعادلية المعلومات ، هي حالة خاصة من المعلومات غير الكاملة ، هناك عدم تعادل في المعلومات ، عندما يدخل فاعلان في صفقة ، لا يملكان نفس المعلومات المتعلقة بموضوع الصفقة نتائج مثل هذا الخلل ، وضحها اكيرلوف في مقالته الشهيرة حول سوق السيارات المستعملة . حيث توجد سيارات جيدة ، وأخرى في حالة سيئة . لكن المنتجين وحدهم يعرفون حالة الخير الذي يبيعونه للمستهلكين . بينما هؤلاء لا يملكون معلومات موثوق بها حول حالة السيارات . عندئذ ، في حالة الشك هذه ، يتجهون إلى شراء السيارات ذات السعر المعتدل أو المتوسط ، مابين سعر السيارات الجيدة ، وتلك السيئة . عندئذ السيارات الجيدة تسحب من السوق ، من قبل ملاكها ، لأن السعر الذي المستهلك مستعد لدفعه ضعيف . هنا يجري الحديث عن ضد انتخاب ، أو انتخاب عكسي ، حيث إن السوق انتخب الشكل السيء ، هذا الخلل يطال بالدرجة الأولى التأمينات ، ويطرح عدة مشكلات . في الواقع ، من الصعب ، بالنسبة لأصحاب التأمين تقدير المخاطر التي يتعرض لها الزبائن ، الحل عندئذ بالنسبة لأصحاب شركات التأمين ، يقوم في رفض بيع عقود تأمين لا تجذب إلا المخاطر السيئة . والتي توقعهم في الخسارة . إنهم هكذا ينتخبون الطلب ، والسوق عندئذ يصير مختلا . حل آخر بالنسبة لهم ، يتمثل في تحسين المعلومات من أجل استبعاد هذه المخاطر السيئة من السوق ، لكن ثمن هذا مشكلة عدالة اجتماعية واضحة .
3- اختلالات التوازن الاقتصادي الكلي :
الانهيار العظيم ، في أعوام 1930 ، أو أيضاً ظهور البطالة الواسعة في البلدان الأوروبية ، ابتداء من سنوات 1970 ، هو بالنسبة للكثيرين مؤشر اختلال السوق مهم ، والذى يبرر تدخل السلطان العمومي . كينز يضع في صميم تحليله ، خاصة ، دور توقعات الشركات حول استمرار توازن عمالة أقل .
في مواجهة صدمات تذهب بإستقرار الاقتصاد ، وجب على الدولة لعب دور ، دور لايستطيع السوق القيام به ، هذا الدور الكافل للاستقرار ، يحيل إلى كل الاقتصاد الكنزي ، عن سياسات الاقتصاد الكلي ، الموازنة والنقود .