عبد الرضا الحميد
بيقين ثابت لا يتزعزع اقول : ان القاسم المشترك بين جميع حكومات العراق منذ استورد المحتلون الانكليز فيصل بن الحسين ملكاً ، الى استجلاب المحتلين الاميركان طبقة العملية السياسية الحاكمة ، هو انها صديقة دائمة لمصالحها ومنافعها وعدوة دائمة للشعب ، صديقة لا تضارع لاهوائها ورغائبها ، وعدوة لاتضاهى لفقراء الشعب.
فأن انقلبت الحكومات على بعضها ، نادى الانقلابيون وعلى اصابعهم يقطر دم اندادهم (بأسم الشعب) ، للثورة على (اعداء الشعب) الذين كانوا قبيل لحظة من ساعة صفر الانقلاب حلفاءهم وشركاءهم في (قيادة الشعب) و (خدمة الشعب) و (السهر على مصالح الشعب)!!
وما بين (المنقلب) و (المنقلب عليه) تذهب ارواح ابناء الشعب بالرصاص الطائش والرصاص الراصد ، وتحت السرفات ، وعلى اعواد المشانق ، واعمدة الكهرباء ، وفي اقبية السجون ومعتقلاتها الصحراوية والمدينية ، المعلومة منها وغير المعلومة.
ثمانون عاماً مرت من عمر العراق النفطي ، ومواطنوه الفقراء يزدادون فقراً ، وجياعه يزدادون جوعاً ، وعراته يزدادون عرياً ، وساسته ، القدامى منهم والجدد ، المتفرنجون منهم والمتأمركون ، الانقلابيون منهم والليبراليون ، الاسلاميون منهم والعلمانيون ، يزدادون نأياً عن الشعب ، ونكرانا له، وجفاء منه، فليس في مناهجهم غير ذواتهم المريضة ، وانوياتهم الصغيرة، وفئرياتهم الضحلة .
بعد ثمانين عاما من عمر آبار نفط الشعب وهي تضخ دماها الاسود للعالم ، مازال فقراء الشعب يبحثون في مكبات النفايات عن زاد ، وكساء ، ومازال معظمهم يفترش الارض في صيفها وشتائها ويلتحف السماء.
ما من حكومة الا ووضعت قوانين ، وما من قانون وضع الا وارادة الحكومة فوق ارادة الشعب ، وما الشعب غير قطيع من العبيد عليه ان يعبد الحكومة وان يطيع قوانينها ولو جرعته المنون ، وسامته الخسف والهوان ، والقته في فم الموت ، وهرسته بجورها وطغيانها وفجورها.
وما من حكومة عراقية احترمت رأي الشعب منذ خلفاء الجنرال مود الى خلفاء الجنرال فرانكس ، ومنذ خدج السياسة في عهد السير برسي كوكس الى اطفال انابيب السياسة في عهد بريمر ومن خلفه.
وما من حكومة عراقية لم تطارد الشعب في رزقه ، ولم تقطع عليه سبل الرزق ، بل ما من حكومة لم يكن شعارها (جوّع كلبك يتبعك) فالشعب عندها كلب يجب ترويضه بالتجويع.
رأيت قبل يومين ، وليس في عهد الفيصلين وغازيهما، ولا في عهد عبد الكريم قاسم ولا عهد العارفين ولا عهد البعثيين ، تسجيلاً مصوراُ لمسؤول حكومي في منطقة الكرادة الشرقية يجلس على كرسي على رصيف ويقهقه بنشوة بالغة وحوله حاشيته وازلامه وهو ينظر الى جرافات دائرته تهد اكشاك فقراء الناس و ( جنابرهم) و (بسطاتهم) وكلما ازداد الناس الفقراء عويلاً وبكاءً لتدمير مصادر عيشهم الشريف ، ازداد ذلك المسؤول ضحكاً وقهقهة.
كانت الناس تصرخ (لم يفعل هذا فلان وفلان وفلان وها انتم تفعلونها) (لم يؤت فلان وفلان وفلان وها انتم تأتونها ) (لم يكن فلان وفلان وفلان اسلامياً ولم يفعلها وها انتم باسم الاسلام تحكمون وبأسمه تفعلونها).
ووالله رأيت الرزق الشريف بشراً يمشي على الارض ، وتمتد اليه يدا ذلك المسؤول لتحتز رأسه من الوريد الى الوريد.
ووالله رأيت عفة الناس الفقراء الشرفاء الذين ابوا الا ان يطعموا انفسهم وعوائلهم من رزق حلال ، تمتد اليها يدا ذلك المسؤول الحكومي فتهتكها.
ووالله رأيت ذلك المسؤول يمد يده الى كلام الله (واسعوا في مناكبها) ويمزقه ثم يلقي به الى فم من نار.
واذا كان الارهاب لا ينمو كما يقول خبراؤه الا في حاضنات الجوع والفقر والبطالة والتشرد ، واذا كان سلفنا الرسالي العظيم يقول ( اني لاعجب لامرئ لا يجد قوتاً لعياله ولا يخرج للناس شاهراً سيفه) ، فأني اقول وبيقين ثابت لا يتزعز ايضاً ان من يطارد الفقراء في سوح ارزاقهم ، ويقطع ارزاقهم ، تحت اية حجة ، واي قانون ، ومن دون ان يوفر لهم رزقاً حلالاً شريفاً ، هو ارهابي . وان من يصدر امراً بهذا ، او يغض الطرف عنه او يتسامح معه مديراً ام وزيراً ام رئيساً ارهابي ثم ارهابي ثم ارهابي.