الدفاع عن بيضة الإسلام أو أراضي المسلمين واجب على كل قادر متمكن من ذلك، ولا يجب الرجوع فيه الى الحاكم الشرعي ولا الإستئذان فيه
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾[1].
وقوله تعالى: ﴿قُل لَّن يَنفَعَكمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾[2].
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾[3].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾[4].
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكمْ وَأَنفُسِكمْ ذَلِكمْ خَيْرٌ لَّكمْ إِن كنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكمْ ذُنُوبَكمْ وَيُدْخِلْكمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾[5]
وأما الروايات؛ فمن جملتها قول النبي صلى الله عليه وآله: «من مات ولم يغزو ولم يحدّث نفسه بغزو مات على شعبة نفاق».
وقوله صلى الله عليه وآله: «ومن خرج في سبيل الله مجاهداً فله بكل خطوة سبعمائة ألف حسنة، ويمحى عنه سبعمائة ألف سيئة، ويرفع له سبعمائة ألف درجة، وكان في ضمان الله، بأي حتف مات كان شهيداً، وإن رجع رجع مغفوراً له، مستجاباً دعائه».
وقوله صلى الله عليه وآله: «فوق كل ذي بِرٍّ بِرٌّ، حتى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بِرّ».
وقوله صلى الله عليه وآله: «للشهيد سبع خصال من الله، أول قطرة من دمه مغفور له كل ذنب، والثاني يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبار عن وجهه وتقولان مرحباً بك، ويقول هو مثل ذلك لهما، والثالثة يُكسى من كسوة الجنّة، والرابعة يبتدره خزنة الجنة بكل ريح طيبة أيهم يأخذه معه، والخامسة أن يرى منزلته، والسادسة يقال لروحه إسرحي في الجنة حيث شئتِ، والسابعة أن ينظر وجه الله، وإنها لراحة لكل نبي وشهيد».
وقوله صلى الله عليه وآله: «خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنة وإن أردية الغزاة لسيوفهم».
وقوله صلى الله عليه وآله: «أُغزوا تورثوا أبنائكم مجداً».
وقوله صلى الله عليه وآله: «إن جبرئيل أخبرني بأمر قرّت به عيني وفرح به قلبي، قال: يا محمد من غزى غزاة في سبيل الله من أُمّتك فما أصابه قطرة من الدماء أو صداع إلا كانت له شهادة يوم القيامة».
وقوله صلى الله عليه وآله: «الخير كله في السيف وتحت ظل السيف، ولا يقيم الناس إلا بالسيف، والسيوف مقاليد الجنة والنار».
وقوله صلى الله عليه وآله: «للجنة باب يقال له باب المجاهدين يمضون اليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم».
وقال: «فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه، إن الله أغنى أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها».
وقال علي أمير المؤمنين عليه السلام: «اما بعد،فان الجهاد باب من ابواب الجنة، فتحه الله لخاصة اوليائه، وهو لباس التقوي، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن ترکه رغبة عنه البسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب علي قلبه بالاسهاب، واديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف»[6].
وعن مولانا الباقر عليه السلام إنه كتب في رسالة الى بعض خلفاء بني أمية: «ومن ذلك ماضيع الجهاد الذي فضّله الله عزوجل على الأعمال، وفضّل عامله على العمال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة والرحمة لأنه ظهر به الدين وبه يدفع عن الدين وبه إشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة بيعاً مفلحاً منجحاً إشترط فيه عليهم حفظ الحدود وأول ذلك الدعاء الى طاعة الله من طاعة العباد، والى عبادة الله من عبادة العباد، والى ولاية الله من ولاية العباد .. ـ الخبرـ».
وعن مولانا الصادق عليه السلام إنه قال: «من قُتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته».
وعنه وقد سئل عن أفضل الأعمال فقال: «الصلاة لوقتها، وبرّ الوالدين والجهاد في سبيل الله».
الثالث: الجهاد بالمال الذي يتوقف عليه تدبير العساكر والجنود ورد أهل الكفر والجحود إذا ضاق الخراج والزكاة ونحوهما عن الوفاء بأمورهم، فإنه يجب حينئذ على المسلمين بذل ما يفي بذلك فإن إمتنعوا جاز الأخذ من أموالهم بالقهر عليهم إذا توقف عليه الدفع عن أوطانهم ودمائهم وأعراضهم وأديانهم وغير ذلك مما تقدم وجوب الدفع عنه، ويجب على من أتّصف بالإسلام وعزم على طاعة النبي عليه السلام إطاعة السلطان الذاب عن المسلمين والحافظ لبيضة الإسلام لتوقف تحصيل الغرض من دفع الكفرة اللئام على ذلك فهي على حد تهيئة الأسلحة وجمع الأعوان من المقدمات الموقوف عليها الإتيان بالواجب فتجب بوجوبه، والمجاهد بنفسه وماله مع المسلمين كان كالمجاهد بهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر وحُنين، ومن قُتل بين صفوفهم كان من الشهداء وبمنزلة المقتول مع الحسين عليه السلام بكربلاء قد زخرفت له الجنان وانتظرته الحور الحسان والولدان المخلدون كأمثال اللؤلؤ المكنون.
فالبدار البدار أيها الإخوان الى جنةٍ عرضها كعرض السموات والأرض، واغتنموا الفرص في ذلك، فإنها تمر عليكم مر السحاب، وهذا يوم لم يتفق منذ سنين للمسلمين مثله فلا تحرموا ثوابه فتندموا وتكونوا من الأخسرين أعمالاً الذين يكابدون غداً يوم القيامة الحسرة والندامة، وكونوا ممن تبيضّ وجوههم يوم تبيضّ فيه الوجوه أمام رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا تكونوا ممن تسود وجوههم عنده في تضييع كتابه وسنته ولتنهض بكم حميّة الإسلام وغيرة الإيمان وكونوا من الطالبين بثارات شريعة سيد الأنام الذين باعوا أنفسهم بالجنان والحور والولدان، وفقنا الله تعالى وإياكم إنه ولي التوفيق.
وفي الختام نذكر بعض الأحكام المتعلقة في المقال في طي مسائل:
الأولى: يسقط وجوب تغسيل المجاهدين والمدافعين عن بيضة الإسلام وبلدان المسلمين وتحنيطهم وتكفينهم، فيدفنون في ثيابهم مع الدماء، إذا لم يكونوا عراة، ولا ينزع شيء منها سوى ما كان من الفرى والجلود، إذا لم تكن هي الثياب المعدة لهم، ولم يكن عليهم ثياب غيرها بشرط أن لا يدركه المسلمون بعد تقضّي الحرب وبه رمق، سواء مات قبل تقضّيها في المعركة أو خارجاً عنها لكون المقتول في الجهاد بجميع أنواعه شهيداً حقيقة عرفاً فيثبت شرعاً بأصالة عدم النقل، وكذا لغةً كما في «القاموس» وعن غيره، ولم يُعلم نقله عن معناه اللغوي في الشرع، والأصل العدم فيشمله بأنواعه مادلّ من الأخبار على أن حكم الشهيد ذلك، كقول الصادق عليه السلام: «الشهيد إذا كان به رمق غُسّل وكُفِّن وحُنِّط وصُلِّي عليه، وإن لم يكن به رمق، كُفِّن في أثوابه».
واشتراط «أن لا يكون به رمق» منزل على إرادة أدرك القتيل بعد إنقضاء الحرب لأنه المتعارف في تفقد القتلى، فلا ينافي ذلك جريان الحكم عليه، إذا مات خارج المعركة قبل إنقضائها[7]، مضافاً الى خصوص الأخبار المعلقة للحكم على القتيل في سبيل الله، الشاملة للمجاهد مطلقاً ولو فرض إنه لم يطلق عليه إسم الشهيد، فعن الصادق عليه السلام: «الذي يُقتل في سبيل الله يُدفن في ثيابه، ولا يُغسّل إلا أن يُدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعده فإنه يُغسّل ويُكفّن ويُحنّط، إن رسول الله صلي الله عليه وآله كفَّن حمزة في ثيابه ولم يُغّسله، ولكن صلى عليه».
وفي خبره الآخر وقد سُئل عن الذي يُقتل في سبيل الله، يُغسّل ويكفّن ويحنّط قال: «يُدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمق».
وفي مضمر أبي خالد قال: «غسل الموتى؛ الغريق، وأكيل السبع، وكل شيء، إلا ما قتل بين الصفين، فإن كان به رمق غُسّل وإلا فلا».
والقتل بين الصفين كناية عن الشهيد مطلقاً، ولا يظهر منه الخصوصية في ذلك، فلا يفيد تقييد الأخبار المطلقة بالقتيل في المعركة ولا فرق فيما ذكرنا من حكم الشهيد، بين الحر والعبد، ولا بين المقتول بحديد أو غيره، ولا بين المقتول بسلاحه أو غيره، بل يجري عليه الحكم.
ولو داستهُ خيول المسلمين، أو رمته فرسه في نهر أو بئر، بسبب جهاد الكافرين، ولا بين البالغ وغيره ولا بين الرجل والمرأة، ولا بين كون الشهيد جنباً وغيره، ولا بين من وجد فيه أثر القتل من المسلمين أو غيره، عملا بالتظاهر لعدم إنحصار القتل بما ظهر أثره. والقتيل وإن كان إسماً للمقتول في نفس الأمر والواقع، إلاّ أنه يُستكشف واقعه عُرفاً، بكونه ميتاً بين الصفين، فيكون الموت كذلك طريقاً للقتل الواقع، ومثبتاً له، ثم إنه كما لا يجب تغسيلهم لا يجب بمسهم غسل المس، لعدم النجاسة الحاصلة بسبب الموت فيهم، من حيث إختصاص أدلة نجاسة الميت قبل الغسل، بمن يشرع تغسيله.
وسُئل الصادق عليه السلام: «هل إغتسل أمير المؤمنين عليه السلام حين غسّل رسول الله؟ فأجاب عليه السلام: النبي صلى الله عليه وآله طاهر مطهر، ولكن فَعلَ أمير المؤمنين وجرت به السنة».
وجريان السنة في مثل هذا المورد لا ينفي الملازمة بين الغسل والنجاسة في غيره، كما هو مقتضى الجواب منه عليه السلام، وفي مكاتبة الصفار: «إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يُغسّل فقد وجب عليك الغسل».
وهي مختصة بمن يشرّع تغسيله، لأن الظاهر مِن جعْلِ وجوب غسل المس قبل التغسيل هو ثبوته في محل يجب فيه التغسيل [ممسوح في الاستنساخ] المتيقن من أدلة سقوط الغسل والكفن، في مقام الدفاع، إنما هو عن بيضة الإسلام أو أراضيهم، مما يجب فيه الدفاع ويكون مع جماعة المسلمين كما يُشعِر به قوله عليه السلام: «إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق».
أما الدفاع عن النفس والمال مما لا يكون جهاداً وإن وجب من باب وجوب حفظ النفس، فلا يسقطان فيه بل يبقى مندرجاً تحت عمومات الأدلة الدالة على وجوبهما، سيما إذا لم يكن الدفاع مع جماعة المسلمين لقصور أدلة سقوطهما عن شموله جزماً، وإنما يشمله الحكم في الدفاع عن بيضة الإسلام وأراضيهم، بدون إجتماع مع المسلمين بالمناط الغير المعلوم فيما سوى الدفاع عن بيضة الإسلام وأراضي المسلمين، والحاصل أن أدلة السقوط خاصة فيما كان مبنى الدفاع على الإجتماع فيه مع المسلمين وذلك في غير الدفاع عن بيضة الإسلام أو عن أراضي المسلمين كالدفاع عن النفس والمال مفقود، ولو صادف تحققه مع الإجتماع فيهما، فضلاً عما كان الدفاع عن النفس والمال بدون إجتماع مع جماعة المسلمين.
الثانية: يجب الدفاع عن بيضة الإسلام أو أراضي المسلمين على كل قادر متمكن من ذلك، ولا يجب الرجوع فيه الى الحاكم الشرعي ولا الإستئذان فيه، بل حاله حال الدفاع عن النفس والمال في عدم وجوب الرجوع في الدفاع عنهما اليه، وإطلاق القتال عن بيضة الإسلام وعن النفس في الأخبار دليل على عدم إشتراط الدفاع بالإستيذان من الحاكم الشرعي فيهما والدفاع عن الأراضي والبلدان بحكمهما .
الثالثة: يجوز، بل يجب جبر الناس من المسلمين وغيرهم على الحرب والجهاد ولو توقف ذلك على المحاربة معهم، حاربهم كل من يدعوهم اليهما، حتى يقهرهم على أعانته ومساعدته، ولو أرادوا الرجوع الى أهلهم منعهم من ذلك إلا إذا حصل الإستغناء عنهم بغيرهم.
الرابعة: كلما كان موجباً لتشجيع الجنود وتنشيطهم أو كان سبباً لنظمهم وترتيبهم من آلات اللهو واللعب والغناء والطرب، يجوز إستعماله في الحرب التي لها أثر فيه.
الخامسة: يجوز التوسّل الى دفع الكفار بجميع أنواع الحيل من إرسال الرسل والمكاتيب الموجبة لدخول الرعب في قلوبهم والضعف في جنودهم، وبحفر آبار ومحوها وطمّ أفواهها، حتى إذا توجهت جنودهم ووصلوا اليها وقعوا فيها وبإحراقهم كأن يضعوا تحتهم مكاناً خالياً من دون شعورهم، ويضعوا فيه البارود ويضعوا فيه النار، وبإغراقهم بالماء وإدخال السم في طعامهم وشرابهم، وهدم الحصون واستعمال المنجنيق، وغير ذلك. والإقتصار على الحرب بالنحو المتعارف أولى، بل لا يخلو ماعداه من أمثال ماذكر عن الكراهة إلا مع الإضطرار وتوقف الفتح عليه فيجب.