بغداد/المسلة: أفرز الفكري التكفيري عن أبشع الحركات المتوحشة والقاتلة والدموية في التاريخ، تجسدت في داعش، وبوكو حرام، ومن قبلها القاعدة.
واذا ظل الفكر التكفيري المتطرف على هذا النحو، وتوسّعه بفعل تبني دول معينة له، واستمرار تدفع أموال النفط على مؤسساته ودعاته بصورة مباشرة من قبل الحكومات او غير مباشرة عبر التبرعات والفعاليات الدينية والخيرية، فان احتمال ولادة حركات توحش جديدة امر ممكن في أي وقت.
وفي تحليل له يقول الباحث في جامعة كامبردج آدم حجازي، في حديث لصحيفة “لا كروا” الفرنسية، إنه من الصعب الحصول على معلومات مباشرة حول الأحداث الدموية التي جرت في السنوات الأخيرة في شمال نيجيريا؛ لأن سلطات هذا البلد تفرض قيودا صارمة في إصدار تأشيرات دخول الصحفيين والباحثين الراغبين في التحقيق في حركة بوكو حرام، المتمردة ضد الحكومة المركزية منذ عام 2009.
ويضيف حجازي “لأن هذه العصابة تمارس الإرهاب ضد المدنيين، ولا تدع أحدا يقترب منها، خصوصا في ولاية بورنو، في أقصى شمال شرق البلاد الشاسعة، لا تصل أخبارها لوسائل الإعلام الغربية”.
وترى الصحيفة أن آدم حجازي يعتبر واحدا من أفضل خبراء هذا الصراع، لكن مع ذلك تظل مصادر معلوماته متواضعة.
فهذا الباحث في جامعة كامبردج قام بزيارات طويلة إلى وسط نيجيريا في ولاية بلاتو وعاصمتها جوس التي ضربتها ثمانية قنابل زرعها بوكو حرام خلال ليلة عيد الميلاد عام 2010. وقد تمكن من الالتقاء مع لاجئين من بورنو الذين فروا من يوبي وأداماوا الأكثر تضررا من النزاع. وقد جمع شهادات من رجال الدين والقساوسة والسياسيين الذين كانوا شهود عيان وضحايا العنف الذي تمارسه الجماعة الجهادية. والتقى بفتيات كن قد اختطفن من قبل كعبيد.
كما عمل آدم حجازي على أصول بوكو حرام، في محاولة لفهم العنف الشديد الذي تمارسه هذه الحركة التي استطاعت أن تنتشر في ربع شمال شرق نيجيريا ولم تستطع الوصول إلى المناطق الإسلامية الأخرى من وسط و شمال غرب البلاد.
عبارات الإعجاب بتنظيم القاعدة وداعش
يقول آدم حجازي إن “بوكو حرام حركة نيجيرية خالصة، فهي ليست مثل الحركات الجهادية الأخرى في منطقة الساحل، حيث يتواجد العديد من الأجانب في صفوفها. وليس هناك علاقة واضحة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو حركة أنصارو، على الرغم من أنه يمكن مشاهدة عبارات بلاغية تعبّر عن الإعجاب ببن لادن، أو تنظيم القاعدة أو داعش. وقد تم مؤخرا تعميم شريط فيديو يعلن عن إنشاء خلافة على طريقة داعش، ولكن هذه الخلافة لا تزال غير مؤكدة”.
جماعة منبثقة من تيار سلفي، معاد للصوفية
كانت جماعة بوكو حرام تتبع تنظيم القاعدة فكريا، لسنوات عديدة، و تتغنى بالعلاقة معه، لكنه أعلن مبايعته لتنظيم داعش ، الخصم اللدود لتنظيم القاعدة، مؤكدا بذلك مضيه قدما نحو مزيد من الراديكالية والتطرف، وفاتحا مسارا جديدا من التنافس الحميم بين التنظيمين (القاعدة وداعش) في القارة الإفريقية.
يقول آدم حجازي “على الرغم من أنها تتوسع في منطقة نائية، حيث الوضع الإنساني والصحي صعب للغاية، فإن بوكو حرام تتناول مواضيع مثل الفقر والفساد. فهي تركز بالأساس على شكاوى ومظالم دينية. وهي على صراع مع الدولة التي لا تعترف بها”.
ويضيف “قد حملت هذه الحركة التي تدعي انتماءها للمذهب السني المتشدد، السلاح في عام 2009، وتتصدى لقوات الأمن، مع قرار محاربة المؤسسة الدينية أيضا. فهي منبثقة من التيار السلفي الذي تطور في المنطقة منذ سبعينات القرن الماضي، من خلال دعاة وهابيين تدربوا في المملكة العربية السعودية. فهذه المدرسة الدينية معادية جدا للصوفية وتريد على الخصوص أن تفرض نفسها أمام الحركة التيجانية”.
بوكو حرام تجند مقاتليها أساسا بين قبيلة الكانوري
ويوضح آدم حجازي أن “حركة بوكو حرام اشتهرت بهذا الاسم ولكنها تفضل تسمية جماعة أهل السنة والدعوة والجهاد. ومؤسسها، محمد يوسف من طائفة الكانوري، وهي قبيلة من غرب ووسط أفريقيا تعيش بالقرب من بحيرة تشاد، وتعيش أغلبيتها في ولاية بورنو. وكان هذا الداعية السلفي قد قضى عدة أشهر في دول إسلامية أخرى في شمال البلاد، ولكن دون نجاح يذكر. فقد اعتمد أساسا في تجنيده على أبناء عرقه الذين يمثلون حاليا نحو 70٪ من قوة الحركة، وأما باقي الأعضاء المجندين فهم في كثير من الأحيان من قبيلة الهوسا”.
الدولة كافرة
وحول شخصية هذا الزعيم يقول آدم حجازي “كان محمد يوسف قد ألّف كتابا “الطائفة”، قبل بضعة أشهر من حمله السلاح. ففيه فصّل عقيدة الحركة وطريقة التبشير بها. وفيه بيّن كيفية التعامل مع الحكومة التي اعتبرها معيبة. وكتب أنه لا يجوز العمل في سلك الشرطة، ولا إرسال الأطفال إلى المدارس الحكومية – هو نفسه لم يحضر إلا المدارس القرآنية فقط قبل أن يتوجه للدراسة في المدينة المنورة، بالمملكة العربية السعودية. وفي سياق هذا المفهوم كان يوضح أنه يجب استبدال هياكل الدولة ببدائل دينية. فالدولة بالنسبة له، كافرة فاجرة”.
الجيش النيجيري يبدأ في التفكك منذ عام 2009
وعن سبب فشل الجيش في مواجهة بوكو حرام يقول آدم حجازي “بعد وفاته، تولى منصبه أبو بكر شيكاو، ومعه استمرت أعمال العنف جغرافيا نحو أهداف أخرى، مثل مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة الاتحادية أبوجا، والكنائس في الشمال والوسط. وفي 14 أيار 2013، أعلنت حالة الطوارئ في بورنو، ويوبي وأداماوا. لكن الجيش النيجيري لم يكن مدربا ومجهزا لخوض حرب ضد التمرد، ومواجهة حرب عصابات. كان الجيش آنذاك في حالة تفكك منذ أن أحال الرئيس اولوسيجون اوباسانجو على التقاعد الضباط الكبار المرتبطين بعملية انقلاب سابقة. لقد خرج الجيش من تلك العملية ضعيفا، مع فقدان الخبرة والذاكرة الاستراتيجية”.
بعض الشباب مهيئون للتخلي عن بوكو حرام
ويخلص الباحث إلى القول بإن “الحل لن يكون إلا عسكريا”. ويضيف “لقد فجرت بوكو حرام كفاحا مسلحا، ولذلك إذن يجب الرد عليها بذات اللغة. ولكن هذا لا يكفي. إذ لا بد من إجراء حوار سياسي واجتماعي مع بعض قادة الحركة. كان هناك بالفعل بعض المبادرات، ولكن مع وسطاء فاسدين أخذوا الأموال من الحكومة ثم اختفوا في البرية”.
ويشير آدم إلى أن في صفوف بوكو حرام هناك الكثير من الشباب الذين لم يتم تجنيدهم على أساس طوعي، فإذا أعطتهم السلطة بدائل فسيميلون إلى التراجع عن الحركة والتخلي عنها. وفي المقابل من المستحيل إقناع القادة العسكريين والمنظرين المتطرفين الذين حول أبو بكر شيكو بالتراجع. فهؤلاء لا بد من مواجهتهم بالقوة”.