صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

البديل الحضاري الجماهيري


د. أبوالعلاء عبد المنعم الزوي

في جوٍّ مشحون بالفلسفات والنظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتباينة في اتجاهاتها الفكرية والايديولوجية ومناهجها السياسية التربوية وأفق مليء بالأفكار المتصارعة المتأثرة ببعض الكتب اللاهوتية لفلاسفة تراكمت ثقافاتهم ونظرياتهم عبر عصور حضارية موغلة في القدم ، برزت في هذا الجوّ النظرية العالمية الثالثة لتجد نفسها محاطة بهذا الكم الهائل من الأفكار والفلسفات والنظريات وما أوجدته من صراع أيديولوجي تشعب في مسارات واتّجاهات عديدة شملت الخريطة العالمية على اتّساع رقعتها الجغرافية إلى أن انحصر أخيراً في اتّجاهيْن ، أو نظريتين سياسيتين هما : النظرية الماركسية والنظرية الرأسمالية.

   إن النظرية الجماهيرية بما لها من مكونات فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية قوية دخلت إلى معترك الصراع الذي كان دائراً بين النظرية الماركسية والنظرية الرأسمالية ، حيث تمكنت – وباقتدار منقطع النظير – من إحراز النصر النهائي على النظرية الشيوعية الماركسية ، وإبعادها عن ميادين الصراع الدولي ، وما ترتب على ذلك من متغيرات عميقة غيرت المعادلة الدولية للصراع ، حيث أصبح الصراع قائماً وبوتيرة عالية بين (النظرية الجماهيرية والنظرية الرأسمالية) وهو صراع فكري عقائدي أخذت نتائجه تبرز على السطح تباعاً لصالح الفكر الجماهيري المرتكز على أطروحات النظرية الجماهيرية وأدبياتها ، وما تفاقم الأزمة الرأسمالية في مستنقع الفناء إلا أكبر دليل على انكسار ـ النظام الرأسمالي في معركته النهائية . هذه الحقيقة الساطعة لها براهينها واستدلالاتها الفكرية ومضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأنماط الفلسفية الكبرى التي تجسّد أهمية النظرية الجماهيرية ومكانتها.. إن الفكر الجماهيري الأصيل عند احتدام المواجهة والصراع ، فرض قوته بسلاح مكوناته الفكرية الذي يرتكز على الحق .. حيث إن موضوع الصراع يقوم في ذاته قياماً مباشراً .. وكان الصراع الفكري في كلّ مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية يحيل إليه (اليقين الحسي)  والشعور الذاتي المدرك لأبعاد طبيعة الصراع ثم الشيء العياني الملموس في الإدراك ، ثم القوة لدى الفهم في التحليل لكونه يتبيّن بالأخرى .. فهذا الصراع الفكري القائم بين النظرية الجماهيرية والنظرية الرأسمالية على المسرح الدولي يتمحور حول مشكلة أداة الحكم باعتبارها المشكلة السياسية الأولى التي واجهت الجماعات البشرية منذ أقدم العصور .. النظرية الرأسمالية القائمة على الاستغلال والهيمنة والخداع والتضليل الإعلامي تدفع بالتعددية السياسية والديمقراطية التقليدية المستمدة منطلقاتها السياسية من نظريات أثبتت الأيام فشلها الذريع في إسعاد الإنسان بينما النظرية الجماهيرية تدفع بتعدد المؤتمرات الشعبية الأساسية والديمقراطية المباشرة للوصول إلى ملكيّة الجموع… في خضم هذا الصراع الفكري اللامرئي الذي يجري – الآن – على خشبة المسرح الدولي دون وجود مدرعات وطائرات وصواريخ نووية يرسم نتائجه في حزمة من النتائج الواقعية الواضحة للعيان التي تتمثل في الانهيارات المالية الكبرى التي أصابت المؤسسات المالية للأنظمة الرأسمالية من مصارف ومؤسسات وشركات ومصانع كبرى .. وماتبع ذلك من نتائج مروعة وخطيرة هزّت بعنف أركان النظام الرأسمالي ، وجعلته يعيش في دوامة من التناقضات المخيفة ، فالأزمة الرأسمالية فاقمت مشاكل البطالة ، وارتفاع الأسعار ، وازدياد نسبة الفقراء ، وارتفاع معدلات الجرائم الخطيرة داخل المجتمعات الرأسمالية كافة علاوة على الأزمات السياسية والاجتماعية المعقدة ، التي جعلت الأنظمة الرأسمالية تعيش في بحر من الصراعات الداخلية طابعها التخبط والتشتت والضياع. لقد كانت أزمة المجالس النيابية نتاجاً من نتاجات الصراع الداخلي في قلب المجتمعات التقليدية على السلطة بين الأجهزة الحاكمة من جهة ، والفئات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت كونها منافس لها في ميدان الحكم والسلطة ، ومن جهة ثانية ، فالحاكمون كان همّهم أن يستمر حكمهم إلى أطول مدّة ممكنة ، وإذا كان تغيير الظروف كفيلاً بأن يأتي بجديد إلى ميدان السلطة ، فلا بأس من أن يكون هنالك قدر من التنازل عن بعض الأمور ، وإعطاء بعض المشاركة لعدد من أصحاب النفوذ داخل الفئات والطبقات الجديدة . هكذا كانت المجالس النيابية حلاً وسطاً بين سعي الحكام إلى استمرارية حكمهم ، وبين سعي أصحاب النفوذ من الطبقات والفئات الاجتماعية المنافسة للوصول إلى قدر من المشاركة في الحكم .. وفي كل الأحوال ، فإن جماهير الشعب لاتمثل إلا الموضوع الذي يدور حوله التنافس في السيطرة بين أصحاب النفوذ والقوة ، ولقد عمدت أجهزة السلطة الحاكمة على مرّ الأيام إلى إيجاد معادلة تسمح بتقنين أسلوب المنافسة على السلطة بحيث لايكون هنالك مجالٌ لتصعيد هذه المنافسة إلى درجة تقحم الجماهير الشعبية وفقاً لأسس الديمقراطية التقليدية ومبادؤها لايتجاوز انتخاب الأعضاء المشاركين في جهاز واحد فقط من أجهزة السلطة أُطلق عليه الجهاز التشريعي أو النيابي أو البرلماني ، أما باقي الأجهزة التنفيذية والقضائية ، فهي تستمر في قبضة الحاكم يُعين لها مَنْ يشاء وفق الشروط التي يراها . هكذا يستمرّ إلهاء الجماهير الشعبية في مسألة انتخاب ممثليها .. ويستمر إلهاء ممثليها المزعومين في مسألة الصراع الداخلي مع باقى أجهزة السلطة الحاكمة في الأنظمة التقليدية ، ويبقى الحاكم هو المسيطر – وحده – فرداً كان أو مجلساً . الحكم في ظلّ الأنظمة السياسية التقليدية هو الذي يدير دواليب السياسة والاقتصاد ، وهو المرجع الذي يتولى الفتوى ، والحسم في الخلافات التي تنشأ بين أجهزة الحكم المتعددة .. هذا النمط المختلف من أنماط الحكم المتبع في المجتمعات الرأسمالية ، وما أوجده من صراع داخلي ، وسياسات مارس الاستغلال والاحتكار ، وأوجد موجات متتابعة من الرفض الجماهيري التي تمثلت في حركات الرفض الشعبي ، والمظاهرات العديدة التي اندلعت في مجمل العواصم الغربية ، وهي تطالب بضرورة التغيير ، وحلّ المشاكل السياسية والاقتصادية التي تتفاقم يوماً بعد يوم بصورة باتت تهدد الكيان الاجتماعي للدول الرأسمالية. إن سير المعركة الفكرية بين النظرية الجماهيرية التي تحمل أطروحات الحضارة الإنسانية الجديدة ، وتبشر بقدوم عصر الجماهير عصر سلطة الشعب السيد ، وبين النظرية الرأسمالية المعاصرة عن إيجاد حلول جذرية لمعاناة الإنسان المعاصر ، تتجه حالياً نحو الحسم النهائي لصالح الفكر الجماهيري ، وهذه هي حقيقة اليقين المجسدة اليوم ، بكل معالمها ومضامينها الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية على أرض المعركة الكبرى التي بها يكون ميلاد الحقيقة الساطعة. إن المرحلة القادمة هي مرحلة الحسم لصالح النظرية الجماهيرية على المستوى العالمي ، فكل المؤشرات تؤكد على ذلك ، وعلينا ألَّا نستعجل نتائج الصراع الفكري بين النظرية الجماهيرية والنظرية الرأسمالية ، فحتمية انهيار الرأسمالية عملية مؤكدة .. ولحظة الحسم النهائي ستكون مبهرة لتأكيد الوعي بالذات الجماهيرية التي أثبتت في كفاحها الدؤوب من أجل الفوز بالحرية والديمقراطية المباشرة. إن هذا الانتصار الجماهيري هو القوة الدافعة للفرد والجماعة لفرض سيطرتها الكاملة على مقاليد الأمور السياسية الاقتصادية والاجتماعية ، وامتلاك مثلث القوة داخل المجتمع المتمثل في : (السلطة والثروة والسلاح) والقضاء النهائي على أوكار الاستغلال والفساد ، والارتواء من نبع الفكر الجماهيري باعتباره البلسم الشافي لكلّ ما تعانيه البشرية من أمراض سياسية واقتصادية واجتماعية  لانه يقدِّم البديل الحضاري وجميع الحلول الجذرية والنهائية لمعاناة الإنسانية المعاصرة ، وتحقق الحلم الذي طالما راود الشعوب طويلاً ، ألا وهو قيام سلطة الشعب ، والديمقراطية الشعبية المباشرة

Facebook
Twitter