رحيم هادي الشمخي
إذا كان مشروع الشرق الأوسط الجديد قد اعتبر العراق قاعدة الانطلاق في تنفيذ مؤامرة الهيمنة الأميركية والصهيونية على المنطقة العربية وهو ما تم بالفعل، فإن سورية العربية يجب أن تكون المستهدفة مباشرة بعد العراق، لأنها تمثل مفتاحاً للمتوسط وحلقة وصل لباقي الدول العربية، وقد تم العمل على استهداف سورية بعد العراق مباشرة وهذا ما تم الإجماع عليه تقريباً من العديد من المؤسسات البحثية والدفاعية في الولايات المتحدة الأميركية، لأسباب تكون متطابقة.
فمؤسسة (راند) المرتبطة بوزارة الدفاع الأميركية مثلاً، حذرت من سعي سورية لامتلاك أسلحة الدمار الشامل والتخوف من امتلاك السلاح النووي هو ما حذر منه التقرير الصادر عن اللجنة الأميركية من (أجل لبنان) و(منتدى الشرق الأوسط) عام 2010 وهما مؤسستان مرتبطتان بوكالة المخابرات الأميركية وبالمحافظين الجدد وإسرائيل، وقد دعتا إلى منع سورية من امتلاك السلاح النووي بعملية عسكرية إن اقتضى الأمر، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، ودعم المعارضة اللبنانية، واستخدام لبنان وسيلة للضغط عليها من أجل قبولها بالاحتلال الإسرائيلي (لهضبة الجولان)، ومن هنا فإن التآمر الأميركي الصهيوني لا يستثني أحداً في دنيا العروبة، فالوطن العربي مستهدف بوحدته وثروته وسيادته ووضع القرار فيه، فالفشل الأميركي في العراق يدفع بالإدارة الأميركية إلى الهروب إلى الأمام لأن التبريرات التي تسوقها الإدارة الأميركية باستهداف سورية ما هي إلا تخبط الإدارة الناجم عن حالة الهزيمة، التي تذوق مراراتها على أرض العراق، بفعل المقاومة العراقية التي أذهلت العالم في تمريغ أنف الولايات المتحدة الأميركية بالوحل، وسقوط مشروعها الإمبريالي فيما يسمى (مشروع الشرق الأوسط).
سورية مستهدفة سواء بتفجير الأوضاع الداخلية، أو في العدوان الخارجي لمصلحة المشروع الأميركي الإمبريالي الصهيوني، ولأن هذا المشروع له من الأتباع في الداخل كما هو مشروع احتلال العراق، متمثلاً بالطائفية والشعوبية، التي لا تملك ذمة ولا ضميرا، والتي تعمل لمصلحة الأجندة المعادية، بعيداً عن الروح الوطنية والقومية، إن الواجب الوطني والقومي أن نبتعد عن ضيق الأفق في التعامل مع هذا الاستهداف الإمبريالي الصهيوني، لأن سورية الوطن والشعب هي الهدف لمخططات العدو، ولابد من التعامل مع الوضع السوري، على أنه لا لاستهداف سورية، وإن أي قضايا ذات علاقة بالشأن الداخلي السوري هي من مهمات الشعب السوري، من دون أي تدخل من القوى المعادية، وإن الدبابة الأميركية لن تكون إلا في خدمة المشاريع الأميركية الصهيونية، وإن أي تحالف معها هو خيانة وطنية قومية ودينية، وأي تبرير للخيانة مرفوض على الطريقة العراقية التي جلبت العار على الأمة العربية والعراق الوطني القومي، لأن كل الذين التحقوا بالدبابات الأميركية، أثبتت التجربة أنهم عملاء وخونة وجواسيس.
إن التآمر على سورية سيكون شبيهاً بسيناريو التآمر على العراق، أطراف داخلية وأخرى عربية عميلة ومرتبطة بعجلة التعليمات الأميركية، ولخدمة الأجندة الصهيونية، والتغني بالحرية والديمقراطية الأميركية التي ثبت كذبها وعدم مصداقيتها، لأن الحرية والديمقراطية لا تتوافران من خلال البوط الأميركي العسكري الإمبريالي المعادي لطموحات الأمة وأمانيها، ولذلك فالمهمة الوطنية تتطلب تحصين الجبهة الداخلية في سورية، حتى لا يكون اختراقها مبرراً للعدوان، وأن تأخذ سورية حذرها من تآمر النظام العربي الرسمي والإقليمي، وبشكل خاص أصحاب الإيديولوجيات الطائفية والشعوبية في عقلية البعض.
لهذا فعلى كل القوى الحية في الوطن العربي أن تأخذ دورها في الحذر مبكراً من عملية التآمر، التي تستهدف سورية إلى جانب ما يتطلبه من استعداد للقيادة السورية، أن تهيئ الشعب لمقاومة أي عدوان بربري قادم، من خلال التهيئة لمقاومة شعبية مسلحة تصلي القوات الأمريكية وتحبط كل محاولاتها الشريرة، كما حصل في العراق المقاوم، الذي استطاعت مقاومته البطلة في فترة قياسية أن تجعل من القوات الأمريكية وعملائها أضحوكة في نظر العالم، ما يتطلب في سورية ألا تقدم أي تنازل بما يخدم الاحتلال الأمريكي وإنقاذ هزيمته، التي باتت قاب قوسين أو أدنى على أرض العراق.
إن الوطن العربي رغم حالة الهوان والضعف الذي يعاني منه نظامه السياسي، يملك من القدرات الكامنة التي لو تم تفعيلها لاستطاعت أن تهزم كل المشاريع الإمبريالية الصهيونية والشعوبية، وهذه لن تتم إلا من خلال وعي القوى الحية لمشاريع التآمر، وتحصين الجبهات الداخلية والسعي لأن يكون كل نظام عربي يقف إلى جانب القوى المعادية نظاماً مستهدفاً لإسقاطه من قبل الجماهير العربية الشعبية، لأن من يقدم على الخيانة القومية هو من يمارس الخيانة الوطنية وهؤلاء يجب أن تنزع القوة من بين أيديهم والإطاحة بكل الوسائل المتوافرة لدى القوى الشعبية.
إن الإمبريالية الأمريكية مأزومة الآن في العراق، وقد تحاول الهروب إلى الأمام للخلاص من مأزقها، فليكن في هذا الهروب مقتلها وهزيمتها من الوطن العربي وإلى الأبد، ولتكن هذه الهزيمة نهاية للمشروع الإمبراطوري الأمريكي ومشاريعها في المنطقة، ولتكن صخرة الصمود السوري تعزيزاً لقوى المقاومة العراقية البطلة، كما كانت المقاومة العراقية سياجاً لحماية سورية من التغول الإمبريالي الأمريكي الصهيوني.