تقرير: الشيخ عبدالجليل النداوي
تصوير: علي التميمي
بمناسبة مرور ربيع الولادة المباركة للنبي محمد (ص) والإمام الصادق(ع) في شهر ربيع الأول تشرف المرجع الديني الشيخ جواد الخالصي (دام ظله) بزيارة أخي رسول الله(ص) ووصيه، الإمام علي بن ابي طالب (ع) في النجف الاشرف،مبتهلاً إلى الله تعالى بالدعاء لتوحيد صفوف المسلمين ولَمِ شملهم تحت راية الإسلام المحمدي الأصيل، وبالدعاء بالفرج القريب والعاجل لهذا الشعب العراقي الذي عانى ما عانى من ويلات بسبب ما يمر به من ازمات داخلية وغيرها.
ومن ثم توجه المرجع الخالصي (دام ظله) إلى مكتبه في النجف الأشرف، حيث عقدت الندوة الحوارية بجمع من الفضلاء الأساتذة وطلبة الحوزة العلمية، بعد أن بارك للبشرية والأمّة الإسلاميّة بمولد الهادي (ص)، وبولادة السيد المسيح عيسى بن مريم (ع) الذي بشر برسولنا العظيم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) الصف 6.
في المحور الأول للندوة تحدث سماحته (دام ظله) عن إسبوع الوحدة الإسلاميّة، وتساءل أو نقل تساؤل أحد علماء الأردن الكبار ـ والذي طُرح في مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي عُقد في طهران في الأيام القليلة الماضية ـ ما الذي قدمته هذه المؤتمرات..؟
وفي مقام الإجابة عن هذا التساؤل قال سماحته (دام ظله) :
أولاً: من حُسن الحظ أن كلمتي جاءت بعد كلمة هذا العالم الأردني، فقدمتُ له جواباً هو ليس منّي، وإنما من شخصيّتين مهمتين، عاشتا هم الوحدة الإسلاميّة واتخذتا من العمل على تحقيق هذا الهدف سلوكاً ومنهجا لحياتهما، هو الشيخ مُحسني آصفي ـ من أفغانستان ـ والشيخ واعظ زادة الخراساني، والذي توفي أثناء فترة انعقاد المؤتمر في طهران، فكان جواب هذين العلمين هو: (إن أكثر الذين يحضرون لهذه المؤتمرات هم في الحقيقة غير جادين في السعي إلى الوحدة ولا يؤمنون بهذا المشروع أساساً، إنما تجذبهم الدعاية وحب الظهور الإعلامي، وبعضهم في الإساس ضد هذا المشروع وليس لهم أي صلة أو نشاط يصب في مجرى هذا الهدف الكبير، وهناك قسم ثالث وهم المُخلصون، الساعون بجدٍ من أجل الوحدة، أولئك الذين يرون في وحدة الصف الإسلامي مشروعاً إلهياً وواجباً شرعياً تفرضه الضرورة الدينيّة، رغم أنهم لا يستطيعون فعل شيء).
ثانياً: الجواب الثاني الذي يُقدمه سماحته (دام ظله) على التساؤل آنف الذكر ذا أهمية كبيرة، وهو يدعو الساعين إلى الوحدة إلى عدم اليأس والتوقف في السعي إلى هذا الهدف الكبير حيث قال سماحته (دام ظله):
هناك نسبة ممن يحضرون هذه المؤتمرات صادقين في نيتهم، قد نذروا أنفسهم وحياتهم من أجل السعي إلى هذا الهدف الكبير، وهؤلاء على ضآلة حجمهم وقلتهم لا ينبغي أن نتركهم خلف ظهورنا ونتنكّر لجهودهم الخيّرة.
كما أكد سماحته (دام ظله) أن السعي لوحدة الصف الإسلامي واجب شرعي تفرضه علينا الشريعة الإسلاميّة، وقدّم العديد من النصوص القرآنيّة التي تؤكد هذا الوجوب الشرعي كقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواوَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاكَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِوَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُوَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آل عمران 103 ـ 105.
هذا بغض النظر عن الضرورة العقليّة، والواجب الأخلاقي والاجتماعي الذي يدعو الإنسان إلى الشعور بأخيه الإنسان، والسعي من أجل التقارب منه، وبيّن سماحته (دام ظله) إننا نحتاج إلى هذه الوحدة ليس فيما بين الشيعة والسنّة فقط، إنما حتى فيما بين الشيعة والشيعة، والسنّة والسنّة، وضرب على ذلك مثلاً أن العديد من الناس عندما يمر ذكر الأكراد لا يود الإستماع إلى الحديث وكأنّهم من ملّة أخرى مع أنهم إخواننا مسلمون ولهم مشاكلهم وصعوباتهم التي لا نتمناها، لكن المشكلة هي أننا أخذنا نخلط بين قضايانا الإسلاميّة وما تفعله السياسة البعيدة عن الدين، أو هؤلاء السياسيين الفاشلين الذين يعملون وفق مشروع وضع لهم من قبل الأجنبي.
واستطرد في حديثه ذاكراً ما جرى في القمّة الخليجيّة، وبأسلوبه اللطيفة قال مازحاً: ما جرى في الخليج العربي الفارسي الإسلامي، وفي الحقيقة هو لا عربي ولا فارسي ولا إسلامي، إنما هو خليج أمريكي بريطاني، ووجه سؤاله لبعض دول الخليج التي رحبت بحضور رئيسة وزراء بريطانيا في القمّة الخليجيّة: تُحرّمون على المرأة قيادة السيّارة وتقبلون لها أن تقودكم إلى الهاوية.
وقال سماحته (دام ظله): إن الحديث عن أن أمن الخليج هو من أمن بريطانيا في الحقيقة يعني أن هؤلاء ينظرون إلى ثروات الخليج العربي هي ملك لهم، وأن هذه الحكومات والإمارات ما هي إلا إدارات ثانوية تعمل على حفظ هذه الثروات لتصل إلى أيدي الأسر الكبيرة في الغرب والتي تتحكم بالشركات الكبرى التي تستغل هذه الثروات، ولو أنهم فكروا قليلا لعلموا أن هذه الثروات يمكن أن تستثمر من أجل قيام نهضة الأمة وتوحيد صفوفها.
فما يجري في المنطقة هو تحويل المعركة من القتال الخارجي مع أعداء الإسلام ـ كالكيان الصهيوني ـ إلى داخل الإطار الإسلامي، وخلق أعداء وهميين لجعل أبناء الأمّة يتقاتلون فيما بينهم، وتساءل سماحته (دام ظله): أولئك الذين تباكوا على سنة سوريا وسنة العراق، وغيرهم، لماذا لم يحركوا ساكناً لما جرى للمسلمين السنة في بورما..؟!
وهكذا الأمر بالنسبة للشيعة، فالذين يعتبرون علياً إماما لهم لم يسيروا على نهج علي وطريقه، وذكر أن أحد العلماء قال: إن مبيت علي (ع) على فراش رسول الله(ص) هو أول وأعظم عمليّة استشهادية من أجل الإسلام، وعقّب سماحته (دام ظله) قائلاً: وأنا أقول إن صبر عليّ وتقديمه لمصلحة الإسلام على مصالحه الخاصّة وتمسّكه بوحدة المسلمين أعظم من مبيته على فراش النبي (ص).
وقد ذكر سماحته أنّه حضر مؤتمرا في بروكسل، وأن هناك عدداً من القادة العراقيين حضروا ذلك المؤتمر ولنفس قضية الوحدة، وذكر أنهم لما دعوا للحديث قالوا (فلان من الطائفة الشيعية) و (فلان من الطائفة السنية) ولما نادوا على إسمي للمشاركة قالوا (الكلمة للشيخ جواد الخالصي) من دون ذكر الطائفة، فقلت لهم (الآن تحقق ما كنت أريده) فأنا لا أريد أن ينادى علينا بطوائفنا إنما نحن أناس مسلمون عراقيّون.
في المحور الثاني من الندوة تحدث سماحته (دام ظله) عن العملية السياسية الجارية في العراق، وتساءل: هل العملية السياسيّة ستوصلنا إلى هدف ما؟
وإذا كان الجواب بنعم، فمتى وأين وكيف سيتحقق هذا الهدف..؟
وتحدث سماحته (دام ظله) أن أسوأ ما فعلته العملية السياسية برموزها الحاليّة أنها قدمت الإسلام بصورة مُقززة أدت إلى نفور الناس من الدين، وخصوصاً أولئك تلك الرموز التي تتلبس بلباس الدين، وتساءل سماحته (دام ظله) لماذا تقف الفضائيات بالإستعداد لأولئك الذين يدعون الناس للإحتراب والفتنة الطائفية والقتل، بينما لا تُغطي نشاط العلماء المخلصين الذين يعملون على وأد الفتنة..؟!
واستطرد أن أحد المتلبسين بلباس الدين كان يقول أن داعش تمثل الإسلام ـ في أحد جوانبه طبعاً ـ يقول سماحته (دام ظله) فقلت له: هذا بالضبط ما يريده أعداء الإسلام، ومن صنعوا داعش، إنهم يريدوننا حتى نحن المسلمون أن ننظر إلى داعش وكأنها تمثل أحد جناحي الإسلام..!!
وأعاد الحديث حول الفتنة التي أثيرت في المنطقة العربية والإسلامية مذكرا أن أعداء الإسلام أرادوا نقل المعركة من خارج الإطار إلى داخل الإطار الإسلامي، وأن لا حل لنا كمسلمين إلا بالعودة إلى الإسلام، والوقوف تحت رايته، والعمل على توحيد الصف الإسلامي للوقوف بوجه مخططات أعداء الإسلام.
من جهة اخرى دعا المرجع الديني الشيخ جواد الخالصي إلى تشكيل محور إسلامي بين العراق وسوريا ومصر وايران وتركيا، فيما أكد ان الأزهر الشريف يستطيع ان يقوم بدور مركزي في الحوار الإسلامي.
جاء ذلك خلال استقبال المرجع الديني الشيخ جواد الخالصي (دام ظله) سفير جمهورية مصر العربية “السيد أحمد حسن درويش” يرافقه “الدكتور فعّال المالكي” مسؤول ملف المصالحة الوطنية، في مكتبه في مدرسة الإمام الخالصي في مدينة الكاظمية المقدسة حيث جرى خلال اللقاء مناقشة الأوضاع التي تعيشها المنطقة والأزمات التي تعصف بها، وضرورة العمل من أجل عودة الدول العربية الكبرى لقيادة حركة الأمة في مواجهتها للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية وهذه الدول هي العراق وسوريا ومصر.
وأعرب سعادة سفير جمهورية مصر العربية “السيد أحمد حسن درويش”عن شكره وتقديره العاليين لحفاوة الإستقبال مبدياً إعجابه لمواقف مدرسة الإمام الخالصي ومرجعيتها الإسلامية الصادقة، وهي تقف مع قضايا المسلمين العادلة في كل مكان، مؤكداً على أهمية الإبتعاد عن الإنقسامات التي أضعفت الأمة والتي أدت إلى سيطرة أعدائها عليها, فكل طرف يغني على ليلاه، ولعب الإعلام الموجه دوراً في اذكاء الفتنة وظهور أصوات نكرة تتحدث بلسان الطائفية بحجة الدفاع عن هذا الطرف أو ذاك، وتساءل قائلاً هل يمكن أن نبني مشروعاً إسلامياً بين المراكز الدينية في العراق ومصر لإعادة أواصر المحبة والأخوة بين أبناء الدين الواحد؟.
وعلى المستوى السياسي أعرب السفير عن أمله أن يعود الإستقرار إلى العراق بعد القضاء على داعش, حيث قال: “جئت إلى العراق قبل داعش وأسأل الله أن أعود إلى مصر وقد خرجت داعش من بلادنا كلها, فلم يعد خافياً على أحد من أوجد داعش ومن دعمها وساندها ومن أثار الأحداث في سوريا ودور تركيا وأميركا وبريطانيا في بقاء دوامة العنف في سوريا حفاظاً على أمن الكيان الصهيوني وبقاءه.”. .
وأضاف أنه جاء ليعرب عن أمله بتواصل العمل لكي تكون هناك لقاءات بين المرجعيات الدينية وعلى رأسها مرجعية الشيخ الخالصي(دام ظله) التي تحمل تاريخاً مشرفاً، ومواقف ثابتة تجاه قضايا الأمة المصيرية ومشروعها الوحدوي الذي يلتقي مع ما يدعو إليه الأزهر الشريف وضرورة تواصل الزيارات بينهما لإفشال المخططات الخبيثة.
من جانبه رحب المرجع الخالصي(دام ظله) بالضيف الذي حل على مدينة الكاظمية المقدسة معرباً عن تقديره للمشاعر الصادقة التي أبداها الضيف الكريم, ثم قال سماحته(دام ظله): “نحن في هذا الوقت في مرحلة حاسمة والأمة العربية كجزء من الأمة الإسلامية تتحمل مسؤوليات عظمى وهي تعيش أزمات مفتعلة وصراعات دموية أفقدتنا الكثير من أبنائنا وقدراتنا وبنانا التحتية, لذا فنحن بحاجة إلى دور للدول العربية الكبرى مصر وسوريا والعراق كونها تمثل قلب الأمة، وأهمية العراق تكمن في أنه يمثل حلقة الوصل بين أطراف الأمة الإسلامية تركيا وإيران، وإذا ما تشكل محور إسلامي لهذه الدول الخمس سيكون لعالمنا الاسلامي كلمته وموقفه, و نأمل من الأخوة في مصر العمل الجاد على تجاوز الأزمات الداخلية, واليوم الفرصة مواتية ليكون لمصر وللأزهر الشريف دور في إنهاء الأزمات التي صنعها الأعداء وورط فيها بعض الجهات لتكون حطب الفتنة، وكانت آخر محطات الفتنة من خلال داعش وجرائمها, ولكننا نقول أن داعش في طريقها إلى النهاية, فتركيا التي دعمت وأدخلت عبر حدودها العديد من الدواعش تتهم أميركا بدعم داعش وتمويله وتسليحه, والأزهر يستطيع أن يقوم بدور مركزي في الحوار الاسلامي وألا يُستثنى منه أحد حتى أصحاب الفكر السلفي والحركة الصوفية، بالإضافة إلى إخوانهم في العراق وإيران, ففي إيران هناك إهتمام وتركيز على دور مصر في إنهاء الأزمات المُفتعلة في منطقتنا، كما ورد ذلك في تصريحات المسؤولين الإيرانيين في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية الأخير الذي عقد في طهران.
وأضاف المرجع الخالصي(دام ظله) : أن العلاقة بين الأزهر والمرجعيات الدينية في العراق يجب أن تتواصل ولا تنقطع وأن يكون هناك تبادل علمي، وإرسال الطلبة بين الطرفين حتى تكون الصورة واضحة ومتقاربة بينهما, ومن إيجابيات وحدة الموقف الديني والسياسي ان الأمة حين تقرر مجتمعة لا يغلبها أحد، وعندما تقاتل مجتمعة لن يقدر عليها أحد, ولكن عندما تتفرق وتتحرك كل دولة لوحدها، وكل طائفة لوحدها، لا يكون لها تأثير وهيبة في قلوب الأعداء, وهذا ما حذرت منه السياسيين في العراق, فلا يصح أن تذهبوا إلى السفير الأمريكي كل يحمل طلبه الخاص فيستصغركم ويحتقركم، ولكن إذا ذهبتم إليه مجتمعين فسيهابكم ويخضع لقراراتكم.
وكان للدكتور فعّال المالكي مسؤول ملف المصالحة الوطنية مداخلات مهمة في بيان جذور وتاريخ العمل الاسلامي لمرجعية الشيخ الخالصي(دام ظله) ودورها في القضاء على الفتنة الطائفية في العراق ودعوتها الصادقة إلى الوحدة الإسلامية وموقف مدرسة الإمام الخالصي من الإحتلال الأمريكي ومشروعه السياسي في العراق والتحذير من الإنخداع بالدعوات الزائفة التي تحاول دق أسفين الطائفية والعرقية بين أبناء العراق, ولم يتغير هذا الموقف مع الظروف الحرجة والضغوط التي تعرضت لها هذه المرجعية المجاهدة, ودعا بدوره أن تتحمل هذه المرجعية مسؤولية مشروع الوحدة بين الأزهر الشريف والمرجعيات الدينية في العراق. في نهاية اللقاء شكر سعادة السفير المصري للشيخ الخالصي حسن الاستقبال والموقف ودعاه إلى مواصلة اللقاء والحوار حتى يصل المخلصون من أبناء الأمة وعلماءها إلى تحقيق الوحدة.