لم تكن المواطنة أمل رحيم ذات (24سنة )، ترغب في أن تكون أول ولادة لها بعملية جراحية، لكن عدم استقرار ضغطها ومعاناتها من مشاكل الدم اجبراها على اللجوء لخيار العملية القيصرية.
وتقول رحيم، إن “حملي الاول أتعبني من البداية، وجعلني أعاني من عدم استقرار ضغط وحساسية الدم، ووصلت الى شهري التاسع وأحسست بطلق الولادة اليوم، فجئت الى الطبيبة المختصة التي كنت اراجعها منذ بداية حملي، فنصحتني بإجراء العملية القيصرية، خوفا على صحتي وصحة الجنين”.
وليس بعيدا عنها بذات المستشفى، مشهد مختلف تماما، فرغبة ربة البيت زهراء الطائي (22سنة)، بإجراء العملية خوفا من الطلق الولادي أثار حفيظة الطبيبة الاخصائية، وحاولت اقناعها بخيار الولادة الطبيعية لأكثر من مرة دون جدوى.
وتقول الطائي، إن “ما سمعته من امي وأخواتي وصديقاتي من تحذير وتخويف من آلام الطلق جعلني أذهب باتجاه، اجراء عمليتين قيصريتين لطفليّ، واليوم سأجري الثالثة لذات المخاوف، فلا استطيع تحمل عصرات الوجع، فيما خيار العملية القيصرية متوافر دون ان اشعر بأي الم وعليه طلبت من طبيبتي اجرائها لألد ثالث الأطفال”.
من جانبها توضح اخصائية النسائية والتوليد، في مستشفى الولادة والاطفال بمحافظة الديوانية، الدكتورة أسما زهير فاضل، في حديث الى (المدى برس)، إن “الولادة نوعان أما الطبيعية المهبلية أو الصناعية التي تتم بإجراء عملية قيصرية، بإحداث فتحة في البطن يستخرج منها الجنين”.
وتقول إن “المنظمات العالمية وضعت معياراً للعمليات القيصرية وأوجبت عدم تجاوزها نسبة 25%، في اقسى الظروف، بل بات يسعى الى تقليلها من خلال البرامج المجتمعية الى ما دون ذلك، كما في استراليا التي أدخلت طرائق وبرامج ونجحت في خفض معدلات الولادات الى ما بين (10%-12%)، فيما باتت نسبة العمليات القيصرية تزداد في كل عام على الرغم من البرامج التي وضعتها وزارة الصحة لكنها غير مفعلة في المستشفيات خاصة في الديوانية”.
وتبيّن فاضل “حين تعينت قبل خمسة أعوام كانت النسبة حينها مرعبة جدا تتراوح بين 85% الى 95%، الامر الذي يوجب تسليط الضوء على هذه الكارثة لإعداد خطط وبرامج من خلال اشراك وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية، للوقوف على حقيقة النسب والعمل على تفعيل برامج الوزارة للحد من ظاهرة اللجوء الى العمليات القيصرية بدلا عن الولادة الطبيعية”.
وتتابع اخصائية النسائية والتوليد أن هنال “خمسة أسباب حقيقية موجبة لإجراء العملية القيصرية، لتعذر الولادة الطبيعية أو الاصطناعية، او استحالتها في تلك الظروف ومنها، تقدم المشيمة من الدرجات الثالثة والرابعة، او انفصال المشيمة عن الجنين، اضافة الى تقدم الولادة الى الشهر العاشر من الحمل”.
وترى فاضل أن “المسؤولية يتناصفها الطبيب المعالج والمريض، فهروب المريضة من وجع الطلق الولادي خاصة لمن هن دون سن العشرين، فيجبرون الطبيبة على إجراء العملية، لتقع بين أمرين اما الاستجابة وتنفيذ طلبهم خوفا مما قد يحدث من مضاعفات كتعب الام او الجنين اثناء الطلق الولادي او الولادة الصناعية باستخدام الإبر ان لم تجرى الجراحة، وقد نذهب الى اجراء العملية القيصرية فيقيم ذوي المرأة شكوى لدى دائرة صحة المحافظة وتشكى للأسف، وكأن هناك عداء بين المريضة والطبيبة لتعمد على ضررها”.
وترى الطبيبة أن “ترك الطبيبة للمريضة عدة ساعات على امل ان تنجب طبيعيا او صناعيا قبل الذهاب الى خيار العملية القيصرية هو لمصلحتها اولا واخيرا، فالعلم اعطى نسبة 95% امكانية ولادة المرأة لجنينها طبيعيا، والباقي سيحتاج التداخل الجراحي، الامر الذي يحتاج حملات كبيرة لنشر ثقافة الولادة الطبيعية بدلا عن العمليات القيصرية”.
وتبيّن أن “خوف الأطباء من الملاحقات العشائرية والقضائية والادارية دعا العديد منهم الى الذهاب من البداية الى اجراء الولادة القيصرية”، وتوضح أن “غياب الخبرة لدى بعض من الاطباء والطبيبات ببرنامج الولادة الصناعية دون الحاجة الى العمليات، ليس معطلا فحسب بل غير موجود أو معمول به اطلاقاً، حتى استخدام بعض الادوية ومنها “المزابرستول”، أو “السايتودك”، الذي يساعد المرأة على الولادة انتشر بشكل واسع في الصيدليات للأسف، يعمل على توسيع الرحم ويسهل الولادة، وعند استخدامي له شنت عليّ حرب من قبل الزملاء الاطباء والمرضى”.
وتشير فاضل الى أن “بعض الطبيبات للأسف تذهب الى اجراء الولادات القيصرية المتكررة للمرأة دون اتباع السياقات العلمية الصحيحة، ويعتبر سبب في نشر الثقافة الخاطئة بالمجتمع، بإجراء الولادة القيصرية التي تأتي بالوليد خلال ربع ساعة”.
وتحمل الطبيبة “دائرة الصحة مسؤولية رقابة المستشفيات الحكومية والاهلية على حد سواء على نسبة الولادات القيصرية فيها، ومحاسبة الطبيب الذي يتجاوز النسبة المعتمدة عالميا”، وتحذر “الفتيات دون سن العشرين من اجراء الولادات القيصرية لما لها من مخاطر كبيرة على حياتها في المستقبل”.
وتتوقع فاضل أن “المستقبل القريب يحمل مخاطر اعتبار الولادات الطبيعية نادرة وشاذة، وقد لا نسجل في مستشفياتنا نسبة الواحد بالمئة من الولادات الطبيعية”، وتبيّن أن “الانثى قد تعرض نفسها الى فقدان الرحم بسبب التصاق المشيمة في مكان العملية، ينتج عنه نزفا شديدا اثناء العملية لا يمكن السيطرة عليه بالوسائل المتاحة تجبر الطبيب على قلع الرحم، ولو اجرينا احصاءات على هذه الحالة لوجدناها وصلت الى العشرين بالمئة وهي نسبة غاية في الخطورة”.
وتلفت فاضل الى أن “قلع الرحم لا يعني حرمان المرأة من الانجاب في المستقبل فقط، بل له تبعات نفسية واجتماعية ايضا اذا ما شعرت المرأة بذهاب أنوثتها تماما، لفقدانها الدورة الشهرية والهرمونات الطبيعية كباقي النساء، وعليها ان تلتفت جيدا قبل ان تأخذ قرار الذهاب الى اجراء الولادة القيصرية”.
يذكر أن إحصائيات وزارة الصحة العراقية تشير الى ارتفاع اعداد الولادات القيصرية بين النساء لاسيما الصغيرات في السن والفتيات، في محاولة منهن لتجنب آثار الحمل على الجسم والاحتفاظ قدر الامكان بجمالية المظهر والقوام الرشيق.