الازمة المالية تعصف بصاحبة الجلالة وتضع معيشة الصحفيين في مهب الريح

اين: عمار المسعودي تضرب الازمة المالية بشدة المؤسسات الاعلامية العراقية المختلفة التي تعرف احياناً بـ [صاحبة الجلالة] و[السلطة الرابعة] و[مهنة المتاعب] فلم تقتصر على ترك العاملين او اقالتهم من وظائفهم لعدم القدرة على تسديد مرتباتهم كحل “سيء” للابقاء على المؤسسة بل بات ضعف التمويل يهدد وجودها على الساحة.

وشهد العراق بعد سقوط النظام السابق في نيسان 2003 انتشاراً وتوسعا لوسائل الاعلام المحلية والاجنبية بعد الانفتاح على العالم وسخونة الاحداث العراقية وتشعبها ما يوفر مادة دسمة للاعلام في تناولها.
وتنوع الاعلام المحلي الذي أتسم بالطابع الحزبي وفق ما سمحت به العملية السياسية والنظام الجديد في العراق باجواء “الديمقراطية والحرية”.
ولايخفى على أحد الثمن الذي دفعه أصحاب المهنة الاعلامية من دماء وفقدان حياة العاملين بها من أجل الوصول الى الحقيقة ونقل معاناة الناس وشكاواهم المختلفة، حيث تصدر العراق لائحة الدول الأكثر فتكا بالصحفيين منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم حيث ذهب ضحية هذا العمل 437 صحفياً واعلامياً بحسب إحصائيات نقابة الصحفيين العراقيين والمرصد العراقي للحريات الصحفية.
ولم تتمكن السلطات من الكشف عن ملابسات قتلهم، ولم تحد اجراءاتها من هذه الجرائم في وقف مسلسل القتل البشع على مدى 13 سنة الماضية التي تلت التغيير برغم محاولات من الحكومة العراقية والبرلمان لتقديم نوع من الدعم لكنه لم يكن كافيا لتقليل نسبة الإستهداف تلك.
ورصدت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين “تعرض مايقارب 235 صحفيا خلال عام 2015 لأسوأ انواع الانتهاكات وتنوعت بين [الاغتيالات، والاعتقال، والخطف، والتهديدات، والضرب، والحجز، ومصادرة ادوات الصحفي، والمنع من التغطية، وتشويه السمعة] وغالبيتهم من العاملين في القنوات الفضائية”.
ولفت تقرير الجمعية الى “حالات الطرد التعسفي، حيث ألقت الازمة المالية في العراق بظلالها على المؤسسات الاعلامية في العراق حيث رصدت الجمعية حالة الطرد التعسفي لاعداد كبيرة من الصحفيين العاملين في تلك المؤسسات الاعلامية جراء تخفيض نفقات تلك المؤسسات الاعلامية من قبل الممولين وتقليص المكاتب الاعلامية وغلق بعض المؤسسات الاعلامية”.
كما حذر المرصد العراقي للحريات الصحفية من إنهيار المؤسسات الإعلامية العراقية بسبب حالة التقشف وضعف التمويل لها.
ويقول المرصد في بيان له ان “مستقبلا مجهولا يتهدد المؤسسات الإعلامية العراقية في ظل عدم توفر التمويل الكافي والسياسات التقشفية المتبعة من قبل الحكومة وقطاعات الدولة المختلفة على إثر إنهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، وأدى ذلك الى تسريح العشرات من العاملين في الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية ووكالات الأنباء وإغلاق وسائل إعلام أخرى عجزت عن توفير الأموال الكافية لتمويل برامجها وسداد المستحقات التي تترتب على عملها”.
وأشار الى “الغاء الحكومة للمنحة المالية السنوية المقدمة لنقابة الصحفيين العراقيين [البالغة مليون دينار لكل اعلامي وصحفي] التي تدير نشاطات متعددة وتقدم رواتب ومساعدات لأسر الصحفيين الذين قتلوا خلال السنوات الماضية، بينما أوقفت قوى وأحزاب ومؤسسات ثقافية وسياسية ومنظمات دعمها لوسائل الإعلام التابعة لها”.
وبين المرصد ان “الازمة المالية ضربت مؤسسات الإعلام العراقية دون تمييز الأمر الذي قد يؤدي الى إنهيار الإعلام العراقي”.
وأكدت محكمة متخصصة بهذا المجال عدم قانونية قرارات بعض المؤسسات الإعلامية بتقليص طواقمها تحت عنوان الضائقة المالية، مبينة أن المشرّع حدد أسباباً واضحة لإنهاء الخدمات، أو الإحالة على التقاعد.
وفيما أشار قاضي محكمة العمل في بغداد عبد الخالق عمران إلى اتخاذ محكمته العديد من القرارات منها إلغاء أوامر إدارية بإبعاد صحفيين عن أعمالهم، دعا المتضررين من إجراءات مؤسساتهم التعسفية إلى رفع دعوى أمام المحكمة للحصول على حقوقهم التي يمكن إثباتها بكافة الوسائل، وان لم يبرم عقد بين الطرفين.
واوضح أن “إثبات الصحفي عمله ضمن المؤسسة الإعلامية لا يقتصر على تقديمه عقدا مبرما بين الطرفين، كما يتصور البعض، بل يمكن ذلك بكافة وسائل الإثبات كأقوال الشهود، أو أي أمر إداري يشير إلى أن الصحفي يعمل في المؤسسة”.
وحذر نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي الحكومة ومجلس النواب من تهميش الاسرة الصحفية ومحاربتها من خلال عدم اقرار الموازنة المخصصة لدعم الاسرة الصحفية ورفع المنحة السنوية للصحفيين.
وقال اللامي في حفل لتكريم المبدعين والمثقفين اقيم في 27 من الشهر الماضي ان “بعض المسؤولين والنواب والبعض ممن يعتقد نفسه يستطيع تجويع الاسرة الصحفية العراقية” مضيفا ان “الصحفيين العراقيين الذين اغتصبت حقوقهم على أيدي فاسدين نعرفهم بالاسماء سيكون لهم ردا حازما اذا لم يصحح ذلك الوضع”.
ونفت وزارة الثقافة أكثر من مرة وجود أي منحة أو مكافأة توزع للصحفيين لعدم توجد تخصيصات لها في الموازنة، فيما أفادت محكمة النشر والإعلام أمس بأنها لم تصدر أي أمر قبض أو إدانة بحق صحفيين خلال العام الماضي ولغاية الان، مؤكدة حسمها 65 دعوى جزائية ومدنية خلال هذه المدة.
وأصبحت مهنة الاعلام في العراق بعد سقوط الموصل بيد عصابات داعش الارهابية هي الاخطر حتى بعد دخول القوات الامريكية للعراق في 2003، فداعش تعتمد بشكل كبير على اعلام الترهيب والاشاعة والخوف لارعاب الناس وتحقيق اهدافها الاجرامية.
وأشار تقرير للجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين الى “قتل 31 صحفياً على يد داعش وجماعات مسلحة مجهولة في 2015 فيما لازال مصير 10 صحفيين مجهولاً” مشيرا الى ان “هولاء الصحفيين يعيشون في ظروف بالغة التعقيد وقد غيبوا بشكل خطير ولا يستطيع حتى ذويهم من تتبع اخبارهم او مقابلتهم”.
ويبدو ان الحكومة وما تواجهه من أزمة مالية حادة التي تهدد حتى دفع رواتب موظفيها لا تعطي حالياً الاولوية لانقاذ حال المؤسسات الاعلامية وعامليها الذين يجازفون بحياتهم في ساحات القتال ضد الارهاب لنقل الحقيقة وتأمين حياة كريمة لهم ولعوائلهم

Facebook
Twitter