حماة القانون وتجارة الرقيق
الإحتلال والإغتصاب صنوان لا يفترقان، إغتصاب الارض وإغتصاب العرض
راقصة أمريكية متخصصة بالرقص الشرقي تدرب الجيش العراقي في عهد بريمر
مع الحروب والغزو والإحتلالات تأتي كل الشرور. تنهار الدولة ، ينعدم القانون ويعود البشر الى طبيعتهم الحيوانية. يعود الانسان الى الغابة. تنهار منظومة الأخلاق التي أسستها الأديان ثم القوانين الوضعية. ويسود منطق الغابة: القوي يأكل الضعيف. في حين تنطلق غريزة البقاء من عقالها. الضعيف يحاول ان يتشبث بالبقاء بكل الوسائل. ويصبح كل شيء كان محرما بحكم القانون أو الدين، محللا من أجل البقاء.
وفي حين انه بوجود الدولة ، يستطيع المواطن أن يعمل أو يتلقى رعاية إجتماعية من أجل أن يعيش، او يعرف أين يتجه ولمن يشتكي اذا اصابه ظلم، ويعرف أين تنتهي حدوده وأين تبدأ حدود جاره. ولكن باختفاء الدولة وحلول الغابة محلها، يصبح على كل انسان أن يدبر قوت يومه، ويحمي نفسه، بكل الوسائل.
للغابة قوانينها. هناك دائما قوي وضعيف. وبين هذا وذاك هناك الأقوى والقوي والضعيف والأضعف. والكل ينهش بالكل. والجميع يدورون في فلك الأقوى. في حالة الدولة، المفروض أن يساوي القانون بين كل هؤلاء . ولكن إذا انتفت الدولة ينتفي القانون ايضا.
كان يمكن لقوات الإحتلال ، لو أرادت خيرا بالعراق (وهو افتراض خيالي)، أن تحافظ على كيان الدولة العراقية على حالها بعد الغزو واحتلال العراق، تترك الجيش وقوات الأمن دون مساس، تترك دوائر الدولة على هيكلتها دون مساس، من أجل ان تستمر الحياة المتمدنة في العراق. ولكن الإدارة الأمريكية تعمدت ان تزيل الدولة واجهزة تنفيذ القوانين وترمي العراق والعراقيين في أتون الغابة.
يذكرني ذلك بقصة (سيد الذباب The lord of the flies) للكاتب الإنجليزي وليام جولدنج. عن مجموعة من الفتيان سقطت بهم طائرة في جزيرة معزولة. ويصور الكاتب كيف أنهم بدأوا بشكل مهذب في التصرف كما تعلموا من حياتهم المتمدنة في انتخاب أحدهم قائدا لهم وكيف قسموا أنفسهم الى مجموعة تشعل النار لإرسال إشارة إنقاذ، ومجموعة تتولى أعمال الصيد لتوفير الطعام، ولكنهم بمضي الايام ، يتحولون شيئا فشيئا الى الهمجية، والتقاتل من اجل القيادة والسيطرة، حتى يقتلون بعضهم بعضا بدءا بالأصغر سنا، حتى لا يبقى في النهاية سوى واحد تنقذه سفينة بريطانية.
أرادت أمريكا أن تجعل من العراق هذه الجزيرة المعزولة ، ميدانا لتجارب (صدمة وترويع) . اعتقدت أمريكا أن مجتمعا (عربيا وإسلاميا) لا يمكن تغييره الا بهزة مروعة تنهي كل قيمه مرة واحدة. لم يكن لدى الأمريكان (خلال فترتي حكم بوش) الوقت الكافي لتغيير القيم الاخلاقية لمجتمع العراق على مراحل وسنوات طويلة. كان لابد من ضربة قاضية ، ينهض بعدها الإنسان العراقي مهزوزا ، ضائعا، تائه الفكر، مستعدا لأي شيء. وقد بدأ إضعافه وإفقاره وإمراضه بعقد من الحصار والعقوبات.
هذه الجزيرة تقاطر عليها مئات الألوف من القوات النظامية المحتلة ومن جيوش رديفة تفوقها عددا من مجرمين وبلطجية وقوادين بشكل شركات مرتزقة خاصة، والشيء العجيب أن هذه الشركات يديرها جنرالات الجيش الأمريكي المتقاعدون من الذين اشتركوا بالحرب والعدوان والحصار والغزو والإحتلال ضد العراق منذ 1991.
ماذا تفعل هذه الشركات؟ مهمتها الاساسية هي القيام بالأعمال القذرة التي يمكن ان يحاسب عليها الجيش الأمريكي النظامي إذا قام بها. والأعمال القذرة تتراوح بين :
1- إنشاء فرق موت مرة باسم السنة ومرة باسم الشيعة من اجل بث الفرقة ، واحداث حرب أهلية
2- تشويه صورة المقاومة التي لابد ان تنشأ ضد أي احتلال خارجي. وذلك بارتكاب موبقات ومذابح وإلصاقها بالمقاومة.
3- تسهيل حياة الجنود والترفيه عنهم بإدارة فنادق بغاء قرب أو داخل القواعد
4- تعذيب الأسرى والمعتقلين مما يعاقب عليه القانون الدولي والقانون الأمريكي ايضا.
5- شراء العراقيين ودفع رشى وخلق طبقة من المستفيدين من الاحتلال ، عن طريق المقاولات من الباطن ، بحث تنتشر مثل السرطان هذه الشبكات المتواطئة في إخضاع و نهب العراق.
6- تهريب البشر والتجارة بهم من دول فقيرة ، او من داخل العراق ، سواء بصورة عمال سخرة للعمل داخل القواعد او بشكل نساء للترفيه .
7- إيهام العراقيين (لإراحة ضمائرهم ) ان تعاقدهم ليس مباشرة مع الجيش الأمريكي وانما مع شركات (تجارية) خاصة وغير عسكرية. ولكن كما قلنا انها تدار حقيقة من قبل الضباط الأمريكان المتقاعدين وتعاقدها الأساسي هو مع البنتاغون.
هذا غيض من فيض من الأعمال التي تقوم بها هذه الشركات التي منحت حصانة كاملة حتى من القانون الأمريكي ذاته. وحين نفتح ملف هذه الشركات في قابل الأيام ستجدون العجب، فهناك مثلا راقصة أمريكية متخصصة بالرقص الشرقي، خلعت ثوب الرقص وارتدت ملابس عسكرية وقد وظفتها إحدى هذه الشركات باعتبارها (خبيرة) للعمل في (إنشاء ودعم الجيش العراقي الجديد) (1). وهلم جرا.
في هذا البحث، ما يهمني من أعمال هذه الشركات الإرتزاقية هو التجارة بالرقيق لصالح القوات الأمريكية وقوات جيوش المرتزقة الرديفة ، ولأن خطف وبيع وشراء بنات العراق هي الوسيلة المثلى لتدمير آخر دفاعات مجتمع محافظ.
++
حالما دخلت قوات الإحتلال ومعهم سماسرتهم من هذه الشركات المرتزقة ، بدأنا نسمع عن اختفاء النساء. ثم حوادث اختطاف البنات والصغار، ثم بعد ذلك بدأنا نسمع عن زيادة غير طبيعية في حوادث القتل غسلا للعار في كركوك والمنطقة الشمالية. ثم حوادث اغتصاب داخل القواعد ضد المجندات الأمريكيات وضد العاملات في الشركات الأمنية، ثم اغتصاب في السجون ، ثم توج كل هذا بقتل واغتصاب عبير وعائلتها (في مدينة المحمودية). وهذه مجرد حادثة عُرفت حقيقتها بالصدفة بعد اعتراف أحد الجنود. وبعد ان قال بيان الجيش الأمريكي ان الاغتصاب والقتل قام به عراقيون لأسباب طائفية. فكم من حوادث ارتكبها الجنود وسجلت على خانة العداء الطائفي وغطى عليها الجيش الأمريكي؟
الإحتلال والإغتصاب صنوان لا يفترقان. إغتصاب الارض وإغتصاب العرض. لأن الإغتصاب الجنسي لا يحدث لإطفاء الرغبة الجنسية، وانما يحدث لتأكيد السطوة والتسلط والهيمنة على جسد الضحية. بدليل إنه في الولايات المتحدة التي لايعاني رجالها من العثور على نساء بأي شكل من الأشكال، هناك أعلى نسبة اغتصاب في العالم.
مايحدث في الحروب والإحتلالات وحول القواعد العسكرية الأمريكية (وأمريكا اكبر بلد له قواعد عسكرية في خارج أرضه) هو أن البغاء يأتي في ذيل العسكر، حيث تتحول شرائح من نساء البلاد الواقعة تحت الإحتلال الى مادة لترفيه الجنود مستغلين حاجة النساء بسبب ظروف الحرب والفقر والجوع، او باختطافهن ودفعهن لممارسة البغاء عنوة. وفي كلا الحالتين ما يحدث هو اغتصاب. احيانا تحدث تفاهمات بين الجيش المحتل وبين الدول المقهورة لتوفير (الراحة والاستجمام) للجنود من نفس نساء البلد او بإستيرادهن من بلاد أخرى، وهنا تدخل للخدمة الشركات الخاصة التي ترفع الحرج عن الجيش الأمريكي وعن الحكومة المحلية المنصبة من قبله.
أوضح مثال على ذلك : خلال الحرب الكورية تقاطرت النساء الكوريات الى مواقع (الراحة والاستجمام ) في كوريا الجنوبية من اجل متعة الجنود مقابل المال . قبلها كان اليابانيون يستعبدون حوالي 200 الف امرأة كورية للمتعة في معسكراتهم قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية . خلال الحرب الفيتنامية ، كانت بانكوك مكان تدفق الجنود . في السبعينات أصبحت سايغون مدينة المتعة حيث ازداد عدد بيوت البغاء والبارات مما انعش تجارة البغاء والخمور. تحولت حوالي نصف مليون فيتنامية الى البغاء. وفي تايلاند هناك مئات الالوف من الفتيات يعملن من أجل تغذية هذه التجارة(يتبع في العدد المقبل).