اعتصام النواب: اهداف مريبة لتواريخ شخصية مشبوهة واجندات تخريبية غير عراقية

النواب المعتصمون الغاطسون بوحل الطائفية منذ 13 سنة يحاولون ركوب ظهر الغضب الجماهيري

 

 

أعلن 174 نائبا الأسبوع الاسبق استبعاد رئيس البرلمان سليم الجبوري من منصبه، بينما رفض 154 نائبا ذلك ليتحول البرلمان إلى فريقين متخاصمين.

وبرر النواب الذين طردوا الجبوري من منصبه واختاروا عدنان الجنابي بديلا مؤقتا، موقفهم بأنهم يريدون تحقيق الإصلاح السياسي واختيار المناصب بعيدا عن المحاصصة السياسية، ولكن كان عليهم طرد رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم من مناصبهم أيضا ليثبتوا حسن نيتهم، ولكن هذا لم يحصل.
وانقسم النواب الى فريقين، الفريق الاول الذي طرد الجبوري من منصبه يضم حزب الدعوة (49 نائبا) والأحرار (34) والوطنية (21)، ونحو ثلث نواب اتحاد القوى الوطنية الذي يضم 50 نائبا، وعشرات النواب الذين انشقوا من باقي الكتل.
اما الفريق الثاني الذي رفض طرد الجبوري، يضم ستة من النواب الأكراد وكتلة المواطن (30 نائبا) ونصف أعضاء كتلة دولة القانون دون حزب الدعوة ويبلغ عددهم نحو 60 نائبا، ونوابا آخرين أيضا من المكونات الثلاثة.
وبنظرة بسيطة إلى أعضاء الفريقين ترى تحالفات برلمانية خارج إطار المحاصصة للمرة الأولى وهي خطوة سياسية جيدة، ولكن عند التمعن في النظر إلى مصالح الفريقين يتبين ان هدفهم ليس الإصلاح وإنما مصالح حزبية مختلفة، كل هذا يحصل بسبب التحالفات السياسية الهشة.
بعد أيام قليلة خسر الفريق الذي طرد رئيس البرلمان من منصبه بريقه، بسبب تباين المصالح والأهداف بين أفراده، لان كل حزب لديه هدف خاص به من وراء ذلك ولم ينجحوا في اتخاذ قرارات أخرى.
هدف كتلة “الأحرار” التابعة الى التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر هو إقالة رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء واختيار وزراء مستقلين جدد، اما هدف حزب الدعوة فهو تغيير رئيس البرلمان واختيار وزراء مستقلين والإبقاء على رئيس الوزراء حيدر العبادي في منصبه لأنه ينتمي الى حزب الدعوة، اما هدف ائتلاف الوطنية فهو تغيير رئيس البرلمان ورئيس الوزراء فقط، والإبقاء على رئيس الجمهورية في منصبه.
كما ان هذه الأحزاب لديها خلافات كبيرة، ومثلا فان التيار الصدري يعتبر حزب الدعوة عدوه اللدود ومن المستحيل التحالف معه مستقبلا، وينتقد زعيمه مقتدى الصدر في أكثر من مرة رئيس حزب الدعوة نوري المالكي.
اما النواب الآخرون الذين انشقوا بشكل منفرد عن أحزابهم فكانت لديهم أهداف اخرى، مثلا الحصول على مناصب كبيرة، او الانتقام من زملائهم في الحزب نفسه، وكان القليل بينهم لديه هدف حقيقي بالإصلاح، ولهذا كان مصير هذا الفريق الفشل.
وهناك خروقات دستورية حصلت في طريقة استبعاد الجبوري من منصبه، المادة 12 من النظام الداخلي للبرلمان تقول ان بإمكان “النواب انتخاب رئيس جديد للبرلمان بشرط غياب رئيس البرلمان ونائبيه، ويجب انتخاب رئيس جديد وفقا لضوابط التوازن السياسي بين جميع الكتل”.
ولكن رئيس البرلمان ونوابه لم يكونوا غائبين بل كانوا موجودين في البرلمان ولكن تم منعهم من الحضور إلى الجلسة، كما ان النواب لم يطبقوا مبدأ التوازن السياسي في اختيار رئيس جديد له، واختار رئيسا مؤقتا هو عدنان الجنابي باعتباره اكبر النواب سنا.
ولم يؤيد رئيس الجمهورية الذي يمتلك صلاحيات دستورية كبيرة في القضايا المتعلقة بإقالة المسؤولين الكبار وإلغاء البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، واختيار رئيس جديد للبرلمان، ما قام به النواب في طرد الجبوري من منصبه، وهو ما وضع النواب في موقف محرج.
انقسام البرلمان الى فريقين يعد تطورا جديدا في العراق لكنه متوقع، ابرز أسبابه هي التحالفات السياسية التي أصبحت هشة بعد (13) سنة من الممارسة السياسية، فالنواب بدأوا يتمردون على قرارات أحزابهم، ولكنهم لا يستطيعون إجراء تغييرات سياسية كبيرة لأنهم من دون برنامج موحد.
قبل سنوات كانت الكتل السياسية قوية، والنواب يدافعون عن اهداف احزابهم حتى النهاية عند حصول خلافات، ولكن اليوم توجد خلافات كبيرة داخل الحزب الواحد.
ومثلا، فان كتلة “التحالف الوطني” التي تضم ثلاثة أحزاب أساسية مثل ائتلاف دولة القانون والمجلس الأعلى الإسلامي والتيار الصدري، ليست متوافقة فيما بينها وهناك خلافات عنيفة فيما بينهم.
والشيء نفسه ينسحب على تحالف القوى الوطنية الذي يضم الحزب الاسلامي ومتحدون وجبهة الحوار الوطني وحركة الحل، وايضا مع التحالف الكردستاني الذي يضم الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير والجبهة الاسلامية الكردستانية.
وانقسم حزب الدعوة الذي ينتمي اليه كل من رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى فريقين، البعض مع العبادي والآخر مع المالكي.
وخلقت هذه الخلافات واقعا سياسيا خطيرا في العراق. فالدستور الذي ينص على ضرورة مشاركة الجميع في حكم العراق ويجب اتخاذ القرارات والتصويت على القوانين المهمة بالتوافق السياسي أصبح الآن مستحيلا، ولهذا يفشل البرلمان منذ شهور في إقرار قوانين مهمة، بينما كانت هذه المهمة أسهل قبل سنوات.
ويقول المحلل السياسي زياد احمد إن “إلغاء المحاصصة السياسية شيء جيد، ولكن يجب ان يكون التغيير بالتدريج وليس مستعجلا، لان إلغاء النظام السياسي القائم منذ 13 سنة في يوم واحد يهدد باندلاع فوضى في العراق خصوصا وان البلاد تواجه معركة شرسة ضد تنظيم داعش”.
ويتفق الجميع في العراق وخارجه على أن البلاد بحاجة الى اصلاح سياسي واسع بعد فشل العملية السياسية بعد سقوط نظام صدام حسين في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد المالي والإداري على نحو واسع، على الرغم من العائدات المالية الكبيرة التي حصل عليها العراق من بيع النفط خلال السنوات العشرة الماضية.
وما زالت الخدمات الاساسية من الماء والكهرباء سيئة، بينما أجبرت ازمة السكن الآلاف على بناء منازل عشوائية مؤقتة إضافة إلى أزمة البطالة المرتفعة، والمشكلة الأكبر المتمثلة في الفشل بتحقيق استقرار امني أسفر عن مقتل وإصابة وهجرة الملايين من العراقيين في اقسى تجربة يشهدها العراقيون منذ عشرات السنين.
ولكن إجراء الإصلاح السياسي في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حربا شرسة ضد تنظيم الدولة الإسلامية يبدو مجازفة لا تخلو من المخاطر، لأن السياسيين لم ينجحوا في ايجاد قوات امنية مستقلة عن السياسة، فقوات الجيش والشرطة والحشد الشعبي تابعة الى الاحزاب السياسية ولهذا فإن قوات الأمن معرضة للانهيار.
وحذر رئيس الوزراء حيدر العبادي في تعليق له على ما جرى في البرلمان من فوضى سياسية الاسبوع الماضي قد تؤثر سلبا على الحرب ضد الدولة الإسلامية.
وقدحقق الجيش العراقي انتصارا كبيرا بتحرير مدينة هيت في الانبار الأسبوع الماضي، ولكن الفوضى السياسية غطت على هذا الانتصار المهم.
ويقول النائب في البرلمان سليم شوقي إن “البلاد تواجه ظروفا امنية واقتصادية صعبة، والدعم المالي الذي أعلن الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون خلال زيارته إلى بغداد قبل ايام منحه للعراق كان مشروطا بوجود استقرار سياسي”.

Facebook
Twitter