ذهبنَ ليقاتلن في صفوف الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، لكنهن فوجئن بجبهة جديدة للحرب، جعلت الخطر المحُدق بهنَّ لا ينحصر في هجمات المقاومة، بل تعداه ليشمل الاعتداء الجنسي من قِبل رفاقهنَّ الذكور.
في ميدان القتال، تحارب المجندات الأمريكيات على جبهتين مختلفتين، وكما تقول المؤلفة الأمريكية هيلين بنديكت، في كتابها: (الجندي المنعزل: الحرب السريَّة للمجندات العاملات في العراق): “هناك حرب تم تجنيدهنَّ لخوضها، وهناك حرب أخرى أصبحن بموجبها هدفًا لزملائهنَّ المجندين في أكثر الطرق انعزالًا ودمارًا”، وفق ما نقلته صحيفة “تروث ديج”.
في هذا الكتاب تتناول الكاتبة التجارب التي مرت بها المجندات اللواتي خدمن في صفوف الجيش الأمريكي على أرض العراق وغيرها. محذرة من خطورة التحرش الجنسي الذي تتعرض له المجندات على أيدي رفاقهن الذكور أثناء تواجدهنَّ في جبهة القتال، مُسْتَأْنِسَةً بشهادات أوردتها في كتابها لبعض هؤلاء.
شبكة بي بي سي الإخبارية أكدت أن أعداد المجندات الأمريكيات اللواتي قاتلن وقُتِلن في العراق، فاقت أعداد مثيلاتهن في أي حرب أخرى منذ الحرب العالمية الثانية. ومنذ مارس عام 2003 خدم ما يربو على 206 آلاف مجندة في منطقة الشرق الأوسط، كان للعراق الحظ الأوفر منها، أصيب خلالها منهن 600، وقتل 104 آخرين.
وتشعر هؤلاء المجندات بالوَحدة المؤلمة؛ فلا تزال المرأة في العراق وأفغانستان تمثِّل عُشر الجنود، ولأنهنَّ لا يوزَّعْنَ بطريقة متوازنة فربما تخدم إحداهن في فصيلة مع نساء قليلات، بل ربما تجد نفسَها المرأةَ الوحيدة بين الرجال.
هذه العزلة، وشعورهن بالوَحدة بدلًا من الصداقة التي يعتمد عليها كل جندي ليشعر بالارتياح ويتمكن من البقاء، بجانب التقليد الحربي من العداء المتأصل ضد النساء، وتعرضهن للإذلال والاضطهاد الجنسي من قِبل رفاقهنَّ الذكور في الجيش، قد يتسبب في مشكلات ترى العديدُ من المجندات أن معالجتها بنفس صعوبة القتال نفسه.
في الفترة بين عامي 2006 و 2008 تحدثت قرابة 40 مجندة ممن خدمن في العراق إليَّ حول تجاربهنَّ في الحرب، وتبين أن 28 منهن تعرضن لاعتداءات ما بين التحرش الجنسي، أو الهجوم أو الاغتصاب.
ولم يكن هؤلاء استثناءً؛ فوفقًا للعديد من الدراسات العسكرية الأمريكية، فقد تعرضت 30% من المجندات إلى الاغتصاب أثناء خدمتهن العسكرية، فيما تعرضت 71% إلى الاعتداء الجنسي، و90% إلى التحرش الجنسي.
وقد اعترفت وزارة الدفاع بهذه المشكلة، فأوردت في تقريرها السنوي لعام 2009 حول الاعتداء الجنسي (صدر الشهر الماضي) أن 90% من الاعتداءات الجنسية العسكرية لم يتم التبليغ عنها؛ خوفًا من التكذيب أو اللوم أو العقاب، حتى تلك الحالات التي أُبلغ عنها لقيت تجاهلًا من قبل الضباط الكبار.
هذه المشكلة لم تقتصر على العراق، فقد أفادت وكالة رويترز بزيادة 25% في حوادث الاعتداء الجنسي في العراق وأفغانستان، وهو التحدي الذي اعتبرته الوكالة “أكثر خطورة من كمائن المقاومة والقنابل التي يزرعونها على جانبي الطرق”.
ولعموم البلوى بهذه الحوادث نُصِحت المجندات بألا يذهبن إلى المراحيض بمفردهن، كما بدأ بعضهن بحمل سكاكين للدفاع عن أنفسهن في حالة تعرضهن لهجوم.
إحدى هؤلاء تدعى مارتيو ريبييرو، التي خدمت في سلاح الجو الأمريكي بأفغانستان عام 2006، وملخص قصتها أنها تعرضت للاغتصاب والاعتداء على أيدي أحد الجنود الأمريكيين أثناء أدائها خدمتها. وبالفعل أبلغت السلطات، لكنهم أخبروها أنها لو تقدمت بشكوى ستُحاكَم بتهمة التقصير في العمل وترك سلاحها بلا مراقبة.. وكانت النتيجة أن تركت العمل في الجيش!
كانت ريبييرو تحلم بأن تصبح ضابطًا يومًا ما، كما كان والدها وجدها.. لكن للأسف ذهبت أحلامها أدراج الرياح، لمجرد أنها أنثى.
إنها نار يُشعلها أحد أفراد العشيرة، وسهم يُرسَل من كنانة الجيش الأمريكي ليستقر في قلبه، و”رعب يكمن في أن الهجوم يأتي من الداخل”، مما يجعل التغلب عليه ضربًا من المستحيل