معتقل رقم اربعة ببغداد مزاد لبيع وشراء المعتقلين باشراف مهدي الغراوي
لماذا رفض المالكي تدخل البيشمركة ولماذا رفض الغراوي القيام بهجوم مضاد ضد الارهابيين
كتب مصطفى العبيدي وعلي الحميد:
ومن أوجه عديدة تعد رواية الغراوي لما حدث نافذة على العراق.
فالغراوي يعد شخصية رئيسية منذ عام عام 2003 عندما احتلت الولايات المتحدة العراق.
وحيا بعض الساسة العراقيين الغراوي ذات مرة باعتباره بطلا بينما يرى آخرون أنه قاتل استغل الحرب العراقية على التطرف للتغطية على عمليات ابتزاز شركات للحصول على أموال وتهديد الأبرياء بالاعتقال والقتل.
وصعد نجم الغراوي في القوات المسلحة التي تسودها الانقسامات الطائفية والفساد والسياسة. وأصبح الغراوي الآن أسير هذه القوى نفسها.
ولا يوضح قرار معاقبته وتجاهل دور الشخصيات الأعلى رتبة مدى صعوبة إعادة بناء القوات المسلحة فحسب بل يبين أيضا لماذا تواجه البلاد خطر التفكك. وكما أثبتت الموصل فالجيش العراقي مؤسسة فاشلة في قلب دولة فاشلة.
وأصبح الغراوي على حد قوله كبش فداء وضحية للاتفاقات والتحالفات التي تبقي النخبة السياسية والعسكرية في العراق في مواقعها. وأحيل غيدان وقنبر موضع ثقة المالكي إلى التقاعد. ويقول الغراوي إن رؤساءه ألقوا عليه أخطاء نظام متصدع.
وقال الغراوي لرويترز “هم يريدون فقط إنقاذ انفسهم من تلك الاتهامات. التحقيق يجب أن يشمل أعلى القادة والقيادات… على الكل أن يقول ما لديه حتى يعرف الناس.”
وقد توقع الغراوي أن تكون الموصل جحيما. ففي السنوات التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 أصبحت المدينة مركزا لتنظيم القاعدة وحركة مقاومة الاحتلال.
وفي عام 2008 وبعد عامين من تولي المالكي رئاسة الوزراء بدأ يعمل على تأكيد سلطته في المدينة. ولأنه كان يتوقع احتمال أن يغدر الأكراد به بدأ حملة تطهير للضباط الأكراد من فرقتي الجيش الموجودتين في الموصل ويضع رجاله لحماية مصالح بغداد.
وعين المالكي مجموعة من القادة الذين استعدوا الأكراد واهل المدينة. وفي عام 2013 وقع اختياره على الغراوي.
كان الغراوي بالفعل واحدا نجوا من ويلات النظام السياسي العراقي. فقد كان عضوا في الحرس الجمهوري في عهد صدام حسين. وفي عام 2004 دعمت واشنطن الغراوي في قيادة واحدة من فرق الشرطة الوطنية الجديدة في العراق.
وكانت تلك الفترة في غاية القسوة. وقد تم ربط قوى الأمن بما فيها الشرطة بسلسلة من عمليات القتل خارج نطاق القانون. واتهم الأمريكيون الغراوي بإدارة كتائب الشرطة التي ألقيت عليها مسؤولية قتل المئات من الناس.
وحقق مسؤولون أمريكيون وعراقيون مع الغراوي لقيادته الموقع رقم أربعة وهو سجن شهير ببغداد تردد أن السجناء كانوا يعذبون فيه أو يباعون لواحدة من الميلشيات.
وفي أواخر عام 2006 تحرك المسؤولون الأمريكيون لوقف أعمال القتال وضغطوا على المالكي لصرف الغراوي من الخدمة ومحاكمته بتهمة التعذيب. وكلف المالكي الغراوي بمهمة أخرى لكنه لم يشأ أن يحاكمه.
ويتذكر السفير الأمريكي ريان كروكر تبادل الصياح مع المالكي بسبب الغراوي. وقال كروكر عام 2010 “من دواعي شعوري بخيبة الأمل وهي كثيرة عدم الايقاع بهذا الفاشل البائس.”
ويقول الغراوي إنه لم يرتكب أي أخطاء خلال تلك الفترة وليس لديه ما يعتذر عنه. وأضاف أنها كانت حربا أهلية. وكان التمرد مصرا على القضاء على الحكومة. كما قتل شقيق الغراوي على أيدي مسلحين.
ويقول الغراوي “كنا نعمل في ظل ظروف خاصة. ومنعنا الحرب الأهلية. بل إننا في واقع الأمر أوقفناها. فأين هي أخطاؤنا؟”
بعد إنزال رتبته ظل الغراوي ينتظر فرصة ملائمة فعاش حياة كئيبة في فيلته ذات الإضاءة الخافتة في المنطقة الخضراء تزينها صور قديمة من بينها بضع صور له مع أعضاء في الكونجرس الأمريكي ووزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد.
وأوكلت إليه سلسلة من المهام البسيطة. وظل مكتب المالكي يقترح اسمه بانتظام لمناصب أعلى وظل المسؤولون الأمريكيون يعرقلون هذه الاقتراحات. وبينما كانت القوات الأمريكية تستعد لمغادرة العراق عين المالكي الغراوي في أعلى منصب قيادي للشرطة الاتحادية في الموصل.
وهناك استعاد الغراوي مجده السابق. وعرض التلفزيون العراقي صورته وهو يقف في سهول نينوى بالزي المموه الأزرق وهو يعلن نجاح عملية لإحباط مؤامرة إرهابية. وكافأه المالكي بمنحه عقارا سكنيا في أحد الأحياء الراقية في بغداد.
وفي بيته بالعاصمة وأثناء إجازة قصيرة من الموصل في شهر ديسمبر كانون الأول الماضي جلس الغراوي بكل زهو على أريكة خضراء وحوله جدران مطلية باللون الأصفر الشاحب وتحت قدميه سجادة من جلد فهد وأرضية تشع بلاطاتها بريقا لامعا. وتدلت من على الحائط صورة زيتية للغراوي.
وراح الغراوي يتباهي بالاعتقالات وهو يقلب مجموعة من صور الارهابيين الذين اعتقلهم رجاله.
ورغم انتصاراته كان صريحا فيما يتعلق بالتمرد الذي عاود الظهور العام الماضي مع تنامي الشعور بخيبة الأمل إزاء حكم المالكي. وقال إن الحرب في أفضل الأحوال تمثل ورطة.
وقال إن تنظيم القاعدة الذي كان في ذلك الوقت التنظيم الأم لتنظيم داعش قبل ان ينفصل عنه الأخير هذا العام يحقق مكاسب. وأضاف “يجب أن أعترف أن القاعدة أقوى من أي وقت مضى. فالقاعدة تحتاج الموصل وتنظر إلى الموصل باعتبارها إمارتها.”
وقال الغراوي إنه تنقصه القوات اللازمة لتأمين المحافظة. كذلك فإنه واجه معارضة متنامية في الموصل الذين اتهموه ورجاله بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون. ويرفض الغراوي هذه الاتهامات.
وفي مارس آذار عينه المالكي قائد العمليات في نينوى. وكان الأمن في العراق يتدهور. ففي محافظة الأنبار الواقعة إلى الجنوب الغربي من نينوى كانت ثلاث فرق عسكرية قد شاركت بسبب أعمال العنف في الحرب على ارهابيي داعش والعشائر الغاضبة.
وفقدت الحكومة السيطرة على الطرق الرئيسية من بغداد إلى الشمال. واعتاد مقاتلو داعش إقامة نقاط تفتيش وهمية على الطرق ونصب الكمائن للسيارات.
وبينما كان ارهابيو داعش يسابقون الريح صوب الموصل قبل فجر يوم السادس من يونيو حزيران كانوا يأملون كما قال واحد منهم فيما بعد لصديق في بغداد أن يستولوا على إحدى الضواحي لعدة ساعات. فلم يتوقعوا أن تنهار سيطرة الجيشودخل الارهابيون خمسة أحياء بالمئات وخلال الأيام القليلة التالية ارتفع عددهم متجاوزا 2000 مقاتل ورحب بهم سكان المدينة الغاضبون.
كان خط الدفاع الأول عن الموصل هو اللواء السادس بالفرقة الثالثة من الجيش العراقي. وعلى الورق كان قوام اللواء 2500 رجل. أما الواقع فكان أقرب إلى 500 رجل. كذلك كان اللواء تعوزه الأسلحة والذخائر وفقا لما قاله أحد ضباط الصف.
فقد سبق نقل المشاة والمدرعات والدبابات إلى الأنبار حيث قتل أكثر من 6000 جندي وهرب من الخدمة 12 ألف غيرهم. وقال الغراوي إن ذلك لم يبق في الموصل أي دبابات كما أن المدينة كانت تعاني من نقص المدفعية.
كذلك كانت هناك أيضا مشكلة الجنود الوهميين وهم الرجال المسجلون في الدفاتر الذين يدفعون للضباط نصف رواتبهم وفي المقابل لا يحضرون لثكناتهم ولا يؤدون ما عليهم من واجبات.
وكان محققون من وزارة الدفاع أرسلوا تقريرا عن هذه الظاهرة لرؤسائهم عام 2013. وقال ضابط صف ترابط وحدته في الموصل إنه لم يحدث أي تقدم في هذا الشأن.
عموما كان من المفترض أن يكون عدد رجال الجيش والشرطة في المدينة ما يقرب من 25 ألفا. أما في الواقع فلم يكن العدد يزيد في أحسن الأحوال عن عشرة آلاف كما قال عدد من المسؤولين المحليين وضباط الأمن.
وفي حي مشرفة وهو من نقاط الدخول إلى المدينة كان عدد الجنود في الخدمة ليلة السادس من يونيو حزيران 40 جنديا فقط.
ومع تسلل الارهابيين إلى المدينة استولوا على عربات عسكرية وأسلحة. وقال ضابط الصف الذي يعمل في المدينة أن الارهابيين شنقوا عددا من الجنود وأشعلوا النار في جثثهم وصلبوا البعض وأشعلوا النار فيهم على مقدمة سيارات الهمفي.
وعلى الطرف الغربي من حي 17 تموز شاهد رجال الشرطة من الكتيبة الرابعة سيارتي همفي و15 شاحنة بيك اب تقترب وهي تطلق نيران المدافع الرشاشة بكثافة.
وقال العقيد ذياب أحمد العاصي العبيدي قائد الكتيبة “في كتيبتنا كلها عندنا مدفع رشاش واحد. أما هم ففي كل بيك اب مدفع رشاش.”
وأمر الغراوي قواته بتشكيل صف دفاعي لتطويق أحياء الموصل الغربية المحاصرة من جهة نهر دجلة. وقال الغراوي إنه تلقى اتصالا هاتفيا من المالكي للصمود حتى وصول قنبر نائب رئيس الأركان بوزارة الدفاع وغيدان الذي كان يقود القوات البرية العراقية.
وقنبر من أفراد العشيرة التي ينتمي إليها المالكي بينما كان غيدان يساعد المالكي منذ فترة طويلة في العمليات الأمنية وفقا لما قاله ضباط مسؤولون عراقيون كبار.
وكان الاثنان أعلى رتبة من الغراوي وتوليا تلقائيا بالكامل القيادة في الموصل في السابع من يونيو حزيران.
وفي صباح اليوم التالي التقى الغراوي محافظ نينوى أثيل النجيفي. ولم يكن المحافظ صديقا بل سبق أن اتهم الغراوي بالفساد وهو اتهام نفاه الغراوي.
والآن كان مصير المدينة يتوقف على الغراوي. وسأل أحد مستشاري النجيفي الغراوي عن أسباب عدم قيامه بهجوم مضاد.
وقال له الغراوي “لا يوجد ما يكفي من القوات.”
وكان الفريق بابكر زيباري يرأس الغراوي ورئيسا لهيئة الاركان للقوات المسلحة في بغداد. واتفق في الرأي أنه لا يوجد ما يكفي من الرجال لالحاق الهزيمة بالجهاديين. وسبق أن رفض المالكي فرصة لتغيير هذا الوضع.
وفي السابع من يونيو حزيران عرض رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني ارسال قوات البشمركة الكردية لتقديم العون. ووصل هذا العرض إلى المالكي الذي قال زيباري إنه رفضه مرتين عن طريق وزير الدفاع.
كما حاولت الأمم المتحدة ودبلوماسيون أمريكيون التوسط في وضع ترتيبات مقبولة للمالكي الذي ظل على ارتيابه في نوايا الأكراد. وأصر المالكي أن القوات العراقية تكفي وزيادة. وأكد مكتب البرزاني أن العروض الكردية بتقديم المساعدة قوبلت بالرفض.
وعصر يوم الثامن من يونيو حزيران صعد تنظيم داعش. كانت أكثر من 100 عربة تقل ما لا يقل عن 400 مقاتل قد عبرت إلى الموصل من سورية منذ بداية المعركة. وقالت الشرطة والجيش إن الخلايا النائمة في المدينة نشطت وهبت لمساعدة المهاجمين.
وقصف المهاجمون مركزا للشرطة في حي العريبي وهاجموا المنطقة المحيطة بفندق الموصل المهجور على الضفة الغربية لنهر دجلة الذي تحول إلى موقع قتالي لثلاثين رجلا من وحدة خاصة من قوات الشرطة.
وقصف الغراوي ورجاله من الشرطة الاتحادية المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش بالمدفعية.
وقال الغراوي إن “معنويات الموصل ارتفعت” لبرهة من الوقت.
وخلال ساعات سادت الفوضى قيادة الغراوي. وتقول عدة مصادر عسكرية إن غيدان وقنبر عزلا قائد فرقة بعد أن رفض ارسال رجال للدفاع عن فندق الموصل.
ومن الناحية النظرية كان تحت إمرة الضابط المعزول 6000 رجل وكان قائده المباشر هو الغراوي.
ويصف الفريق أول زيباري هذا الأمر بخطأ آخر كبير. ويقول “في حالة الأزمة لا يمكنك ابدال القائد.”