محامون وعلماء آثار اميركيون يتطوعون للدفاع عن آثار العراق والسفير لا يوافق
مليون ونصف مليون دولار لتبييض وجه سفير العراق السفيه في واشنطن
واحدة من أكثر القصص الدراماتيكية التي تظهر تخاذل السفارة العراقية في واشنطن في أداء واجب وطني تلك التي تتعلق بتعمدها اهمال مزاد علني أقيم في نيويورك (الرابع من حزيران يونيو المنصرم) عرض خلاله 25 قطعة آثارية نادرة تم تهريبها من العراق قبل نحو نصف قرن وبيعت أثمنها وهي اسطوانة برونزية.
يقول الدكتور عبدالامير الحمداني الاستاذ المتخصص في علوم الاثار في جامعة “ستوني بروك” بنيويورك عن المزاد العلني انه “تم عرض 25 قطعة آثارية نفيسة كان قد تم تهريبها من العراق العام ١٩٦٩ من موقع (تل ونّة والصدوم) في الديوانية ناحية السنيّة، من قبل مواطن أميركي يُدعى إلياس ديفيد، وهو هاوي جمع تُحٓف وآثار توفي مؤخراً ليقوم ابنه المقيم في ولاية فلوريدا بعرضها للبيع في المزاد آنف الذكر”، موضحا أن “تلك اللقى الآثارية التي من ضمنها أسطوانة برونزية يعود تاريخها الى الحقبة البابلية لعهد نبوخذ نصر الثاني (٦٥٢ – ٦٠٥) قبل الميلاد، والتي تم بيعها بمبلغ ٣٩٩ ألف دولار أميركي”.
ويضيف الدكتور الحمداني بحماسة يشوبها حزن كبير، أن “ما يبعث على المرارة في هذه القصة، هو تطوع مجموعة من الباحثين والمختصين والمسؤولين الأميركان في العمل على إيقاف عملية البيع هذه قبل أسابيع من موعد المزاد، بالعكس من السفارة تماما”، مبينا “لقد أجريت أنا والكاتب جبار جعفر (الحاصل على ماجستير إعلام من احدى الجامعات الاميركية) اتصالا بالسفارة، لكن كل ما فعله السفير لقمان الفيلي هو تحويل الملف الى موظفة قانونية في السفارة لا حول لها ولا قوة، في الوقت الذي كان الامر يتطلب إقامة دعوى قضائية من السفارة وبموجب قرار الامم المتحدة ذي الرقم (٢١٩٩) الذي يمنع ويحرّم التعامل مع الاثار العراقية، حيث عرض السيد ماك گواير گبسون الاستاذ والخبير المخضرم في الاثار العراقية خدمته المجانية على السفارة باعتبارهِ مستشارها الرسمي في هذه القضية لمعرفته واطلاعه الواسع على كل شاردة وواردة عن آثار العراق، الا انه لم يلق أذنا صاغية من سفيرنا الفيلي”.
ويردف “لم ننس هنا ما قام به (ألكسندر ناگل) كبير باحثي معهد سميث سونيون للآثار، فان هذا المعهد يُعتبر بمثابة وزارة الثقافة الاميركية في نظر الرأي العام الاميركي، إذ تبرّع هو الاخر بالعمل مجانا وتقديم شهادته مع گيبسون في المحاكم الاميركية لإبطال بيع هذه التحف النفيسة”.
ويشير الحمداني الى “تكثيف جهودنا على كل الصعد كافة، بما فيها الخارجية الاميركية التي نحتفظ بعلاقات طيبة مع السيد جون رسل مدير معهد (كلتچرهيريتج) الذي تطوع هو الاخر العمل على استعادة اللقى الأثرية الخمس والعشرين شرط ان تتقدم السفارة بشكوى قضائية في المحاكم الاميركية في نيويورك، وهذا ما لم تفعله السفارة مطلقا والتي اكتفت بمخاطبات روتينية مع الخارجية العراقية طويلة الأجل وبدأت بتجاهل اتصالاتنا ورسائلنا لها بهذا الخصوص مع بالغ الأسف الشديد”.
ولم يتوقف جهدنا عند هذا الحد، كما يشير الدكتور الحمداني حيث يقول “انضم لفريق عملنا من اجل استعادة هذه القطع الآثارية النفيسة المحامية الاميركية (تيريزا أتاسي)، وهي خبيرة قانونية ومديرة مكتب حقوقيين يتصدى للدفاع عن الاثار المنهوبة وقدمت خدماتها الاستشارية مجاناً شرط ان تقوم السفارة العراقية بالاتصال بها وتوكيلها رسميا، خصوصا وهي قامت بعمل دراسات عديدة عن آثار العراق عبر العصور، ولديها ما يكفي من الوثائق لاثبات عائدية هذه الاثار الى العراق، وكالعادة لم يكن سفيرنا المهتم بالركض والتفاهات ذَا بال واهتمام.. لتتم عملية بيع الاسطوانة البرونزية لوحدها بمبلغ يقارب الـ400 الف دولار”.
ويكمل الاستاذ في علوم الاثار بجامعة “ستوني بروك” في نيويورك، حديثه بالقول إن “الموضوع لم ينته عند هذا الحد في حال قامت السفارة بما هو مطلوب منها ضد الحائز الجديد، وبالاستعانة بهذه الشخصيات المتنفذة في الدوائر والمؤسسات الاميركية”، مؤكدا “يمكن لنا ان نسترجع هذه الاثار رغم خيبة الأمل الكبيرة التي أصابتنا جراء موقف السفارة الهزيل الذي لا يتناسب أبدا مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها”.
وتعليقا على عرض آثار عراقية في مزاد علني وأثار العديد من أفراد الجالية هناك، يقول المواطن العراقي (ع، ش) من فرجينيا وهو استاذ قانون سابق بجامعة بغداد، ويدير حاليا شركة استشارات قانونية، بأن “السيد السفير في هذه الفترة كان منشغلاً بمشاركاته في العدو الماراثوني الذي تقيمه بعض الجمعيات الاميركية لاحياء بعض مناسباتها، وليس آخرها ماراثون يوم الرئيس في واشنطن، وماراثون بوسطن، والتي يمكن متابعتها على موقع توتير الخاص بالسفير وهو بملابسه الرياضية”.
يأتي هذا الاخفاق في متابعة الثروات العراقية المنهوبة على الرغم من تعاقد السفارة مع شركة مختصة بالتسويق الاعلامي والدفاع عن المصالح العراقية، كما يؤكد (ع،ج) أحد أبناء الجالية العراقية من ولاية ميريلاند، إذ يقول إن “السفارة العراقية عقدت صفقة مع شركة (پوديستا گروب) للتسويق الإعلامي من أجل الدفاع عن مصالح السفارة العراقية وحكومتها عبر لقاءات مع بعض من أعضاء الكونغرس وحوارات في المحطات التلفزيونية الهامة او كتابة عمود اسبوعي في الواشنطن بوست والصحف الاميركية الاخرى وكان مبلغ الصفقة يقارب المليون ونصف المليون دولار أميركي، الا أننا لم نلحظ أيا من هذه النشاطات الهامة لسعادة السفير لقمان الفيلي، ولم نلحظ ايضا اية مشاركة تذكر لا للسفارة ولا لهذه الشركة في الدفاع عن قضايا العراق من خلال ماتعرضه المؤسسات الإعلامية هنا من هجوم مستمر على قضايانا الوطنية”.
ويضيف المغترب العراقي “كان الاولى بالسفارة أن تستعين بالكفاءات العراقية المتقدمة التي تتواجد بالمئات ان لم نقل بالالاف، وتشهد لهم بذلك الجامعات الاميركية المتطورة في كل الولايات”، مشيرا ” ان “زيارة واحدة الى سفارة عُمان أشعرتني بالحرج الشديد، فهي تُشرِع ابوابها للجمهور، بشكل منظم وراقٍ وتتمتع بطاقم إعلامي جيد يتواصل على الدوام مع كل أصحاب الشأن، على الرغم من أنها لا تتجاوز في مساحتها او عدد سكانها واحدة من أصغر محافظات العراق، في الوقت الذي لا تمتلك فيه سفارتنا فرداً اعلاميا واحداً ولا شعبة علاقات عامة ولا حتى محاورا جيدا للتواصل مع أفراد الجالية ذات الكفاءات العالية، كل ذلك لمآرب يعلمها الجميع دون أدنى شك”.