كثر حديث العراقيين عن الفساد والمفسدين حتى غدا زاد دواوينهم ومقاهيهم وبيوتهم، لكن لم يلمسوا قطعا حقيقيا لدابر الفساد ولم يروا مفسدا في قفص اتهام او خلف القضبان، وبعض الناس يرون ان الفساد المالي ابن الفساد الاداري وهذا ابن الفساد السياسي ومع رجاحة هذا الرأي تبقى حقيقة ان الفساد جرثومة طارئة على ماعرف به العراقيون في مختلف التحولات، وان الاحتلال اوجد حاضنات مثالية لنموها فأفسد اخلاق السياسيين بدءا فتهاتروا وتنابزوا وتصارخوا وتعاركوا بسبب او بدونه ، وفيما الناس تصدق ان اختصامهم سياسي محض، تحكي كواليس السياسة انه لم يكن غير تعبير من تعابير الفساد باشكاله الثلاثة التي هي ابناء شرعيون لفساد اخلاقي او استعداد فطري او مكتسب لفساد اخلاقي.
مع ان اشعب المعروف برمزيته للطمع وبشراهته للطعام لم يكن يسرقه ولم يسع الى سرقته من غيره الا ان بعض الاصدقاء المتندرين صاروا يتداولون في لقاءاتهم عبارة( مااخر اخبار اشعب؟) ويريدون بذلك اخر اخبار الفساد والمفسدين.
وتبادل الاصدقاء مقترحات عدة لقطع دابر الفساد كان اولها ان يقوم رئيس الحكومة بما قام به زعيم عربي راحل حين اخبره مساعدوه ان سفيره في احدى العواصم قد عاث بالاموال فسادا وفحش ثراؤه وان الواجب ان يستبدل ويحاكم فرد الزعيم قائلا:( اتركوه فقد شبع ثراء وكلما شبع اكثر قل فساده واذا استبدلناه باخر فانه حتى يشبع مثل هذا نكون قد خسرنا اكثر)، وكان ثاني المقترحات ان يدعو رئيس الحكومة كل المفسدين ويطلب منهم ان يعرضوا امامه كل مايريدونه من اموال ومنافع وامتيازات وعربات وطائرات واطيان ومزارع وضياع وقلاع وبساتين وبحيرات وجزر ويخوت وجوار وغلمان ، فيلبي لهم طلباتهم ويكفي البلاد والعباد شرورهم مرة واحدة كي لاتتسرب جرثومتهم الى الاجيال الاتية على الاقل.
لكن صديقا اخر قال بالفم الملآن: ( ان هؤلاء لن يملأ افواههم الا تراب القبر ولو صبت اموال قارون في حجورهم) وروى حكاية اشعب مع ابي جعفر المنصور.
قال: دخل اشعب على ابي جعفر المنصور فوجده يأكل من طبق من اللوز والفستق.. فألقى أبو جعفر المنصور إلى أشعب بواحدة من اللوز..
فقال أشعب: يا أمير المؤمنين: ثاني اثنين إذ هما في الغار
فألقى إليه أبو جعفر اللوزة الثانية..
فقال أشعب: فعززناهما بثالث
فألقى إليه ألثالثة
فقال أشعب: خذ أربعة من الطير فصرهن إليك
فألقى إليه الرابعة..
فقال أشعب: ويقولون خمسة وسادسهم كلبهم
فألقى إليه الخامسة والسادسة..
فقال أشعب: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم
فألقى إليه السابعة والثامنة..
فقال أشعب: وكان في المدينة تسعة رهط
فألقى إليه التاسعة..
فقال أشعب: فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة
فألقى إليه العاشرة..
فقال أشعب: إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين
فألقى إليه الحادية عشرة..
فقال أشعب: والله يا أمير المؤمنين إن لم تعطني الطبق كله لأقولن لك: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون .. فأعطاه الطبق كله!.