نشرت صحيفة «الحياة» اللندنية في خمس حلقات فصولًا من كتاب الصحافي الأميركي جون لي أندرسون «رجلنا في بغداد» الذي يتناول فيه بعض خفايا الاحتلال الأميركي للعراق ومحاولات الجانبين العراقي والأميركي إعادة ترتيب الوضعين السياسي والأمني في البلد، في ظروف شديدة التعقيد والصعوبة.
تتناول الفصول أدوار شخصيات محورية في فترة ما بعد الاحتلال والأحداث التي واجهتها والمساعي الداخلية والخارجية لتطويق أخطار الحرب الأهلية.
يصدر الكتاب باللغة العربية قريباً عن مؤسسة «شرق غرب للنشر- ديوان المسار».
ويروي الكاتب انه في إحدى الأمسيات من أواسط تشرين الثاني (نوفمبر) استقبل زلماي خليل زاد السفير الأميركي في العراق زائراً في مكتبه في السفارة الأميركية في بغداد التي تحتل مبنى القصر الجمهوري القديم لصدام حسين، وهو مكان فيه غرف ذات سقوف عالية وقاعات كبيرة وسلالم مزينة بالعقيق والرخام. وقد أقامت الولايات المتحدة فيها كياناً بيروقراطياً شبه عسكري من حيث درجاته الوظيفية وبيئته العملية التي هي عبارة عن شيء شبيه بوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). ومع وجود خمسة آلاف موظف ومتعاقد، فإن السفارة تعتبر الموقع الحقيقي للسلطة في العراق. أما زائر خليل زاد فقد كان فلاح النقيب الذي شغل منصب وزير الداخلية في العراق في حكومة إياد علاوي (…) إلى حين هزيمتها(…) من قبل ائتلاف الأحزاب الدينية.
جاء النقيب إلى خليل زاد تماماً كما يفعل الآخرون من المسؤولين العراقيين إن كانت لديهم قضية عاجلة يريدون مناقشتها، وأخبره أن لديه وثيقة تثبت أن خلفه في وزارة الداخلية بيان جبر كان قد أمر بإلقاء القبض على ستة عشر من المواطنين الذين وجدوا مقتولين في ما بعد. وقال إن جبر كان قد احتجز أيضاً ابن صديق له لما كان يعتقده أسباباً سياسية. ولشهور عدة وردت تقارير تفيد بأن ألوية وزارة الداخلية المشكلة حديثاً كانت تنفذ عملياتها بأسلوب فرق الموت في بغداد وضواحيها وتقوم باغتيال المشتبه بهم. وقال النقيب إن الميليشيات كانت تشكل مشكلة أبعد مدى من مشكلة المسلحين. وكان يريد من خليل زاد أن يقوم بشيء حيال ذلك.
رفع خليل زاد حاجبيه باهتمام وأشار إلى مساعد له كان يجلس في زاوية الغرفة لأخذ الملاحظات. وأشار قلقاً إلى أن الميليشيات كانت فعلاً تعتبر مشكلة. «فهي جذور للحرب الأهلية في المستقبل أو ما تسمى بسيادة أجواء الحرب»، كما قال للنقيب. ثم أردف إنه خطط لإقامة برنامج لإخراج أفراد الميليشيات من الشوارع ومن قوائم الرواتب. إلا أن قلقه المباشر كان من الإرهابيين الذين يعبرون الحدود السورية إلى العراق.
ويضيف الكاتب: في يوم التقى خليل زاد سفيراً يمثل أحد شركاء أميركا في التحالف، وهو بلد لديه قطعات في العراق. قاد خليل زاد النقاش إلى برنامج الإعمار الذي كان يأمل أن يحل بالبلد. إلا أن السفير الأجنبي كان يريد الحديث عن قضية الأمن. وكان مسؤول حكومي كبير قد استولى على البناية التي كان بلد السفير قد حصل عليها داخل المنطقة الخضراء لسفارته. (وقد طلب السفير الأجنبي عدم ذكر اسم بلده أو اسم المسؤول العراقي في التقرير لأسباب أمنية). ونتيجة لذلك أجبر هو وموظفوه على العيش في ظروف خطرة خارج المنطقة الخضراء.
قال خليل زاد إن مسألة السكن في المنطقة الخضراء كانت مشكلة، فقد تخاصم أخيراً الجعفري وجلال الطالباني على بناية فارغة. وقال خليل زاد ضاحكاً: «إن الرئيس كان على وشك إرسال قوات البيشمركة وهي الميليشيات الكردية». أنصت السفير الأجنبي إلى هذه الحكاية بصمت مطبق. (علمت بعد ذلك أن رجال الجعفري والطالباني كانوا على وشك إطلاق النار على بعضهم حينما تدخل خليل زاد. احتفظ الطالباني بالبناية وهي عبارة عن مقر سابق لحلف الناتو).
حاول خليل زاد تغيير الموضوع إلى مسألة المساعدة المالية التي وعد بها بلد السفير. فأخبره السفير: «هناك تباطؤ في الاستثمار. فهناك المعارضة كما تعرف بسبب قضية السكن. وإن لم تهتم الحكومة العراقية بما يكفي لحكومة تنفق أموالاً طائلة في بلدها إذاً لماذا…» خفت صوته ثم نظر إلى خليل زاد(…).
وعد خليل زاد بالتحدث مع رئيس الوزراء العراقي حول الدار، وللمرة الأولى بدا السفير الأجنبي مسروراً فقال: «سيحبك رجال حمايتي».