اربعون مليون دولار رشوة للشهرستاني وجماعته من شركة نفطية – القسم الاولبهاتف وسترة جلدية وعطور باع مسؤول نفطي العراق لشركات النفط

فنادق دبي وعمان اوكار للصفقات المشبوهة والرشى القذرة والتآمر على العراق

 

 

هناك القليل عن رجلٍ يطير عبر مطار هيثرو ومليء بالوقت نفسه بالاسرار التي يمكن ان تسقط اكثر الرجال نفوذاً في العراق. باسل الجراح، صاحب الجواز البريطاني الذي يعيش في مدينة هال شمال انكلترا، كثير السفر بين لندن وبغداد والبصرة وعمان وباريس واسطنبول والكويت.
الجراح مهتم في انتاج وصناعة النفط، كان في عام ٢٠١١ ينتظر رحلته الى العاصمة الاردنية عمان. في هذه السنة كان الجراح مديراً اقليمياً لشركة كبيرة مقرها في موناكو تحمل الاسم “يونا أويل”، هذه الشركة التي لها فروع في كل انحاء الشرق الاوسط، اصبح لها نفوذٌ ومراتب عليا من وراء مسؤولين عراقيين قدموا الرشى خلال عملية بيع النفط.
هناك عشرات الآلاف من رسائل البريد الالكترونية السرية التي تكشف كيف أن الجراح وشركة “يونا اويل” كانا في قلب الرشوة العالمية، من خلال السماح لشركات اخرى ذات جنسيات متعددة منها الاسترالية والامريكية والبريطانية، بالاستثمار في العراق، فهذه الشركات كانت تدفع مبالغ ضخمة لـ “يونا أويل” وفي المقابل تستخدم الاخيرة نفوذها في العراق لكسب المليارات من الدولارات خلال تسهيلها ابرام العقود النفطية مع الشركات المتطلعة للعمل في العراق.
في العراق كان الرجل المسؤول عن العقود هو الجراح، فهو اعتباراً من عام ٢٠٠٣، استخدم نفوذه لمساعدة اصدقاء وهم يرومون بابرام عقود ضخمة في البلاد، ولا يهم ما اذا كانوا هؤلاء العملاء اكثر تكلفة او اقل قدرة، فالمهم أن تستفيد شركة “يونا اويل” من هذه العملية وتجني المليارات.
في الواقع، أن الشركة التي يعمل فيها الجراح، كانت تسرق نفط الشعب العراقي بامتياز، وهذه السرقات تعد خرقاً لوعود امريكا التي بعد أن أسقطت نظام صدام حسين، وعدت بان يكون النفط العراقي ملكاً لشعبه لتعم الفائدة على الكل.
كان الجراح دقيقاً في تحركاته وأدق حينما يبرم الصفقات التي تحدث في ساعات متأخرة من الليل بالفنادق التي يمكث فيها، اذ كان يستخدم كلمات سرية في الاتصال.
ولفهم حركة شركة “يونا أويل” وعملها في العراق، فهذا التحقيق يحاول أن يكسر هذه الرموز والكلمات المشفرة التي يمكن معرفتها من خلال الاطلاع على رسائل البريد الالكتروني التي يعتقد الجراح انها لا يمكن ان تُخترق.
في العام الماضي، بدأت مؤسستا فيرفاكس ميديا وهافينغتون بوست بالتحقيق بشأن نقاط الضعف في صناعة النفط والغاز العالمية، بعد عدة أشهر من البحث وجدا، كنزاً من الرسائل البريدية والمذكرات، التي توضح كيفية ادارة النفط والتلاعب بصفقاته.
الرسائل تكشف بشكل روتيني رشوة المسؤولين الحكوميين الذين اعتبرتهم “يونا اويل” مفيدة لها، ومن هذه الشركات التي دفعت الرشى، رولز رويس، وشركة بتروفاك وسلايد بمب والشركة الامريكية ويذرفورد كاميرون، وناتاكو فضلاً عن سايبم البحرية ومان توربو.
تشير رسائل البريد الالكتروني، الى اعلى مستويات الصناعة النفطية في العراق التي تمت هدرها وافلات المتورطين فيها من العقاب، تحت سمع وبصر السلطات العراقية والبريطانية والاوربية وحتى الامريكية.
وعلى الرغم من القوانين الصارمة في الغرب التي تمنع الرشوة، فهناك من يقول بان الجراح حينما كان يطير في جميع انحاء اوربا والشرق الاوسط في يوم مبكر من عام ٢٠١١، هو للتأثير على اثنين من اقوى الرجال في العراق، اللذين  دفع لهما رشوة مقدارها ٤٠ مليون دولار.
في عام ٢٠٠٣، حينما دخلت القوات الامريكية الى العراق وهي تعلن إسقاط نظام صدام حسين، كانت اولى خطوتها تأمين مقر وزارة النفط العراقية، خوفاً من تعرضها الى عمليات سلب ونهب، مثلما تعرضت باقي المؤسسات العراقية الى السلب والنهب، فكانت الوزارة محاطة بدبابات امريكية.
الرسالة واضحة كانت، مستقبل العراق غارق في الدماء وخيراته التي تعد اكبر الاحتياطات في العالم، مهدورة. وهنا يبرز السؤال الاهم، من المستفيد من هذه الفوضى بالعراق؟
في عام ٢٠٠٦، اي بعد ثلاث سنوات من الغزو الامريكي، حيث الاحتدام الطائفي على اشده، اصر في حينها، الرئيس الامريكي جورج بوش على أن النفط يجب ان يكون للعراقيين، وإن الولايات المتحدة ستساعد البلد الذي كان يديره آنذاك نوري المالكي بوصفه رئيساً للوزراء، على حماية خيراته، فشدد الرئيس الامريكي على استخدام موارد البلاد لبناء عراق جديد.
وهذا يعني زيادة انتاج النفط وإصلاح الآبار، ومعناه ايضاً، مد خطوط انابيب جديدة وتأهيل بنى تحتية ذات تكنولوجيا عالية. وبالتأكيد الحكومة لا تستطيع ان تفعل هذا وحدها، فستكون بحاجة الى خبرات وموارد شركات الطاقة الامريكية والبريطانية والاوربية العملاقة.
ولضمان عملية نزيهة وشفافة، سعت الحكومة العراقية الى اجراء مناقصات تنافسية.
“يونا أويل”، ورغم اعلان الرئيس الامريكي بوش في حينها، فقد كانت الشركة تعمل في العراق منذ ثلاث سنوات، والجراح مديراً لها، حيث استطاعت ان تفوز بالمناقصة مع دفعها رشوة للمسؤولين الحكوميين.
يوضح بريد الكتروني في عام ٢٠٠٥، كيف أن الجراح كتب لمدراء شركات وهو في مطار شارل ديغول في باريس، أن هناك مناقصة في العراق حصلت عليها “يونا اويل”، وهي تحتاج الى مساعدة الشركات الاخرى، وهذا ما دفع الشركات الى التوقيع على الفور مع “يونا اويل”.
ووفقاً لبريد الجراح الالكتروني، فانه توصل الى اتفاق بين شركته الذي هو يشغل فيها منصب المدير الاقليمي للشرق الاوسط، وشركة FMC التي تحصل على نسبة من 5 الى 10 في المائة من العقد، مقابل ان تعطي شركة FMC مبلغاً قدره 2.5 مليون دولار كرشوة الى شركة يونا اويل، لتحصل على عقد بقيمة 25 مليون دولار. وبهذه الحالة وافقت “يونا اويل” بمنح العقد للشركة في الكويت.
الجراح في هذه الاثناء اقترب من مسؤول كبير في النفط العراق، وهو كفاح نعمان، الذي ساعد شركة FMC الامريكية بالفوز بعقود مع الحكومة العراقية. وكان في بريد الجراح الالكتروني، رسالة جاء فيها ” هذه الايام صعبة لاقناع كفاح، لكنه سيلين هذه الليلة”.
اسم نعمان كان كثير التداول في رسائل الجراح الالكترونية، فأحدى الرسائل تقول، ان “الجراح كان مع نعمان في دبي وقضيا وقتاً معاً لمدة خمسة أيام، لضمان اتصال المنافسين بشركة “يونا اويل”.
خلال الفترة التي مكثا فيها بدبي، كان الجراح يدعو نعمان الى الاهتمام بمظهره الشخصي، فالجراح انفق ما يقارب 2684 دولار امريكي لشراء هدايا للسيد نعمان مثل العطور الفاخرة وجهاز هاتف حديث جداً، وسترة جلدية.
في هذا الوقت، كان الجراح قد اقنع نعمان على انه ممثل عن شركة رولز رويس، فالجراح كان يريد الحصول على عقد من كفاح مقابل اعطائه مكافأة. الجراح حينما انفق قرابة الفين دولار امريكي، كان هدفه أن يضمن، أن شركة رولز وريس ستصبح بايدي شركة “يونا اويل”، وفقاً لمحادثات اجراها الجراح عبر بريده الالكتروني.
وفي رسالة اخرى من الجراح كُتبت في وقت لاحق لنعمان، نصحه فيها، أن شركتيْ “يونا اويل” و ورلز رويس، يمكنهما فرض اسعار مبالغ فيها على الحكومة العراقية لضمان ارباح طائلة فيما بعد. ونصح الجراح نعمان، بان التكلفة يجب تكون 2 مليون دولار لكل من شركة رولز رويس و”يونا اويل”.
مدراء شركة رولز رويس، أخبروا فيرفاكس ميديا و هافينغتون بوست، ان مخاوفهم كبيرة بشأن رشوة ما جرت وتنطوي على وسطاء يجري التحقيق معهم من قبل مكتب مكافحة الاجرام والاحتيال في بريطانيا.
وفي عام 2008، اصبح نعمان مديراً عاماً لشركة نفط الجنوب العراقية، المسؤولة عن حقول النفط الاكثر قيمة في البلد.
وتقول احدى رسائل الجراح، دعاني كفاح امس، حيث كتب لي، “انه فرح اليوم ولا يعرف دقة الانباء التي تتحدث عن تسنمه منصب المدير العام، لكنه يخطط للسفر الى دبي بينما انا ذاهب الى هناك، سأخذ القليل من الجعّة اليوم للاحتفال”. كان الرد من شركة “يونا اويل”، نحن متفائلون على حد سواء، ودعونا نرى كيف يمكننا القيام باشياء نعرف اننا الوحيدون التي سنصل اليها.

شركة “يونا اويل” هي شركة عائلية، تأسست في سبعينات القرن الماضي على يد المهذب عطا أحساني الايراني الاصل، الذي سرعان ما غادر بلاده في وقت الثورة الايرانية. وفي عام 1991 انشأ الاعمال التجارية واستشارات النفط في لندن ومن ثم موناكو.
هناك عيّن ابنائه سايروس وسامان لمساعدته، “يونا اويل” اليوم تنمو حتى وصل عدد موظفيها الى 200 موظف، لكنها تمتلك اسراراً قذرة لانها تقوم بدفع الرشى كالتي دفعتها الى المسؤولين العراقيين ومسؤولي دول العالم. واللاعبون الابرز فيها، عطا أحساني، سايروس وسامان وبطبيعة الحال باسل الجراح.
في رسالة الكترونية وصلت الى سايروس احساني، كتب الجراح بضرورة دفع عشرات الالاف من الدولارات كرشى لـ “اصدقاء جدد” يعملون داخل وزارة النفط العراقية. اذ ستساعد هذه الاموال بحسب الجراح، في تأمين عقد توريد المواد الكيميائية المستخدمة في عملية تكرير النفط العلامة التي تقوم بها شركة ويذرفورد. بموجب هذا العقد، الذي عملت فيه شركة ويذرفورد، دفعت شركة “يونا اويل” رشوة لمجموعة من كبار المسؤولين العراقيين بما فيهم شخصية اطلقت الشركة عليه لقب “Lighthouse” اي منارة البيت!
وكتب الجراح بريداً الكترونياً قال فيه ” منذ مشاركة الاصدقاء الجدد في هذا العام، الذين هم عاملون في الوزارة، فأنا حولت نصيبهم من 5 دولار للبرميل الواحد الى 13 دولاراً”. وقالت المتحدثة باسم ويذرفورد، ان الشركة خفضت من ارسال المواد الكيميائية واوقفت التعامل مع شركة يونا اويل في عام 2013.
وكان مقر شركة نفط الجنوب في البصرة، موطنا مملوكا لمدير شركة نفط الجنوب، حيث كان “Lighthouse” قد بنى امبراطوريته هناك، وكان واضحاً تأثير الجراح عليه. اما الاسم الحقيقي لصاحب لقب ” Lighthouse” فهو ضياء جعفر الموسوي.
لحظة تولي ضياء الموسوي ادارة شركة نفط الجنوب، كان الجراح يحاول ان يرشي الموسوي تدريجياً، حتى ان ساسروس احساني استفسر عن سبب هذه الرشى الذي اجاب عليها الجراح بالقول : نحن لا نعرف الكثير عنه، لكننا نحاول كسبه الينا من خلال مجموعة تحركات علينا القيام بها وهي “شراء ملابس فاخرة له وإعطاء لابنه دورة في اللغة الانكليزية في دبي وتوظيف ابنه في شركات نفط عاملة في العراق، والحصول له على تأشيرة دخول لدولة الامرات العربية المتحدة”.
وعند النظر الى ضياء جعفر، فهو مرشح سابق لادارة محافظة البصرة، وحينما كانت المحافظة تتطلع لتكون اقليماً مستقلاً، فلو اصبح البصرة اقليماً لكان الوضع بالنسبة لشركة “يونا اويل” مفيداً جداً.
ضياء جعفر، دفعت له شركة “يونا اويل” الكثير من الرشى، في الوقت الذي تم تعيينه في عام ٢٠٠٩، مديراً عاماً لشركة نفط الجنوب، وفي عام ٢٠١٥، اصبح وكيلاً لوزير النفط في الحكومة العراقية.
يتبع..

المصدر: صحيفتا “ذا ايج” وهافينغتون الاستراليتين

الغد برس

ترجمة: أحمد علاء

 

Facebook
Twitter