اختناق اقتصادي يدفع ثمنه الباهظ فقراء الوطنمبيعات النفط تتراجع الى مستويات مخيفة وتهدد بكارثة اقتصادية

تشهد اسواق العراق ركودا ملحوظا في التبادل التجاري والتبضع على السلع الاستهلاكية والحاجات اليومية مقتصرة على الاساسية منها متأثرة بتراجع واردات النفط التي تعد العمود الفقري لموازنات الدولة.

وعزا خبراء اقتصاديون حالة الانكماش في الاسواق الى عدة اسباب، ابرزها ضعف الاقبال على الشراء لمخاوف مستقبلية من المواطنين، بالاضافة الى عامل نفسي لهم خشية من المستقبل مع ما يمر به البلد من ظروف اقتصادية وامنية معروفة.
وقال الخبير الاقتصادي ماجد الصوري “بشكل عام هناك ركود اقتصادي ناجم عن الاوضاع الاستثنائية التي يمر بها العراق مع انخفاض النفقات والحذر من المستقبل ما انعكس على تراجع الطلب وأدى الى بطء حركة الاسواق”.
وعزا الصوري اسباب هذه المخاوف سواء من المتبضعين [المواطنين] او التجار ” للحفاظ على الاموال من اجل المستقبل وتأمينه والاتجاه نحو الادخار لان لا فائدة من الانفاق حاليا وحتى ربما البعض يفكر في السفر للخارج اذا ما استمرت الاوضاع الراهنة”.
ولفت الى “تأثر قيمة الدينار العراقي وانخفاضها بسبب ارتفاع اسعار الدولار ولهذا عدة اسباب منها القرار الاخير للبنك المركزي العراقي الذي فرض على المصارف استقطاع بنسبة 8% من قيمة التحويلات المالية للبنوك على اساس انها ضرائب وكمارك وهذه ليست المشكلة الاساسية فقط وانما ايضا العامل النفسي الذي أدى للجوء اصحاب الاموال والميسورين الى شراء الدولار خوفا من المستقبل باستمرار انخفاض قيمة الدينار العراقي”.
وأشار الخبير الاقتصادي الى ان “الوضع الاستثنائي الذي يمر به العراق ادى الى وجود حالة من الركود في جميع المجالات وتعطل جزء كبير جدا لحالة الاقتصاد في المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية ومناطق محتلة من عصابات داعش الاجرامية وادى بسببها الى انخفاض الطلب والانتاج العراقي في تلك المناطق”.

وأتفق الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان الى حد ما لما ذهب اليه الخبير الصوري في اسباب حالة الكساد الاقتصادي وان كان بنسب لم تصل الى حالة الخطر على اقتصاد العراق.
وقال انطوان ان “انخفاض أسعار النفط اثر بشكل كبير على واقع الموازنات العراقية حيث كانت ايرادات النفط قبل انخفاض الاسعار العالمية في الصيف الماضي تصل الى 300 مليون دولار في اليوم وهذا المعدل انخفض حاليا الى نحو النصف وأصبح 150 مليون دولار وهذا أثر بشكل كبير على النشاطات في القطاعات الاقتصادية والزراعية واعمال البناء وكذلك توقفت الحكومة عن تسديد ما بذمتها من مبالغ وديون للمشاريع والمقاولات التي تقل نسبة انجازها 50%”.
وأضاف ان “كثيرا من المقاولين والمصارف حصل معها تلكؤ في تسديد ديونها لعدم وجود سيولة نقدية اضافة الى النفقات الكبيرة على المجهود الحربي والنازحين” مشيرا الى ان “من ابرز أجندة ارهابيي داعش هي أجندة اقتصادية بامتياز”.
وأشار انطوان الى “قيام الحكومة بوضع عدة خطة لمواجهة ما يعيشه الاقتصاد الوطني اليوم وبعد عدة دراسات جرت في مكتب رئيس الوزراء شُكل فريق عمل لتنشيط الواقع الاقتصادي وتعزيز موارد الموازنة وتقليل العجز عن طريق دعم القطاعات الانتاجية وتقليص النفقات وايجاد مصادر دخل اخرى عن طريق فرض الرسوم والضرائب على البضائع المستوردة مثل السيارات وعلى السلع الكمالية مثل أجور خدمات الاتصالات والانترنيت وكارات شحن الهواتف النقالة وغيرها التي اقرت في قانون موازنة 2015”.
واوضح الخبير الاقتصادي ان “الحكومة أقدمت أيضاً على خطة اقتصادية جديدة بتخصيص البنك المركزي العراقي مبلغ تريليون دينار لمنحها الى المصارف كقروض للمصارف الانتاجية والزراعية والصناعية وقروض الاسكان بفوائد ميسرة وكذلك للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لاعادة تحريك عجلة الاقتصاد واذا اعطيت هذه القروض فقد تنشط حركة السوق”.
ووصف انطوان الواقع الاقتصادي العراقي على الرغم مما تمر به الاسواق من حالة ركود بـ”الجيد ولكن توجد شحة في السيولة النقدية”.
لكنه أكد وجود حالة من الانكماش الاقتصادي في البلد الذي عرفه بانه “يقل فيه دخل المواطنين الذين يشكلون نحو 4.5 مليون فرد من قوى العمل في القطاع الخاص في العراق وهؤلاء انكمشت قوتهم الاقتصادية وكذلك نفقاتهم وهم يمثلون اصحاب دخل لعوائل كبيرة قد تكون لنحو 20 مليون فرد بحساب عدد افرادها بمعدل 5 اشخاص وهؤلاء أصبحوا خارج التسوق الاستهلاكي الذي يكون فقط لسد الحاجات الساسية ورمق الحياة”.
من جانبها أبدت الحكومة بعض التفاؤل في الخروج من حالة الانكماش وضعف السيولة النقدية في النصف الثاني من 2015 من خلال زيادة واردات الدولة بتصدير كميات اكبر من النفط في الاشهر الستة المقبلة وتحقيق تعاظم في خزينة الدولة.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي “هناك مؤشرات ايجابية للوضع الاقتصادي في النصف الثاني من العام الجاري وهي ناتجة من زيادة كميات الانتاج لصادرات النفط وارتفاع الاسعار في الاسواق العالمية وبتحققهما سيشهد الوضع الاقنصادي في العراق انفراجا اذا ما ارتفعت الاسعار الى 70 دولارا وبلوغ معدلات الانتاج للخام العراقي الى 3.5 مليون برميل يوميا”.
وأشار الى انه “وبما يتعلق بملف البطالة الذي يعد من الملفات المتحركة كما يصفها الاقتصاديون وقد تنقص او تزيد نسبتها والعراق يمر اليوم بظروف صعبة وأزمة اقتصادية بسبب انخفاض اسعار النفط وما تفرضه الاوضاع الامنية من نفقات في الحرب على الارهاب امنية بسبب الارهاب وكذلك المشكلة التي نتجت عن الجانب الامني بما يتعلق بملف النازحين وكل هذه الظروف تلقي بظلالها سلبا على باقي الملفات كتفشي حالة الفقر والبطالة”.
وبين الهنداوي انه “وفي اطار خطط الوزارة للتنمية وفق خططها الخمسية كانت تطمح في الوصول الى مستوى البطالة في عامي 2016 و2017 الى 6% باعتبار وجود خطة لتوفير 4 ملايين فرصة عمل خلال هذين العامين لكن الظروف الامنية والاقتصادية الراهنة حالت دون تحقيق ذلك”.
وأكد المتحدث باسم وزارة التخطيط “نحن امام خيارات صعبة ولابد من وضع خطط بديلة لاسيما فيما يتعلق بالمناطق الساخنة والمناطق التي تعرضت لاحتلال داعش والارهاب وهنا نتحدث عن محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وبعض اجزاء من ديالى وكركوك التي توقفت فيها مشاريع التنمية واصبحت امام ظرف اخر يتمثل بتدمير البنى التحتية وبالتالي لابد من وضع خطة لاعادة اعمار بالتعاون مع عدة وزارات معنية بملف الخدمات بالتعاون مع الحكومات المحلية في المحافظات”.
وأوضح ان “هذه الخطة تقوم على محورين هما اعادة الخدمات بالدرجة الاساس والمحور الاخر هو تأمين المناطق لاعادة النازحين وهناك صعوبات تواجه هذه الخطة وابرزها قلة التخصيصات المالية بسبب انخفاض واردات النفط”.
ولفت الهنداوي الى “انشاء الحكومة صندوق لاعادة اعمار المناطق المحررة واسس هذا الصندوق برأسمال أولي قدره 500 مليار دولار” مضيفا “كما هناك توجه لدى الحكومة بطلب منح ومساعدات من دول اخرى لدعم هذا الصندوق لتمكينه من تحقيق أهدافه وهناك دول اعربت عن استعدادها بتقديم هذا الدعم”.
وقالت سوسن حسين وهي موظفة في القطاع الخاص “نعم أثر الواقع الاقتصادي على نفقاتي خاصة وان الرواتب بدأت تتأخر في تسليمها عن موعدها المحدد وجعلني افكر في تأجيل بعض مشاريعي المستقبلية كشراء عقار وحتى سيارة، نريد ان نطمأن أكثر للمستقبل القريب بما يخص حالة الاقتصاد”.
ورأى أحمد حسن وهو يعمل مدرس في أحدى مدارس مدينة الصدر ان “الوضع المعيشي لدى المعلم او المدرس بات صعبا ولاتوجد هناك بأرقة امل لتحسين واقعه في ظل الازمة الاقتصادية التي يمر بها العراق”.
وقال ان “الراتب الشهري لمعظم افراد السلك التعليمي لا تسد احتياجات عوائلهم بل انها لاتكفيهم الى نهاية الشهر لذلك لجأ العديد منهم الى مزاولة التدريس الخصوصي او مهن واعمال اخرى كي لايقعوا في اسر ضنك العيش، وبالرغم من ان صرف رواتبهم لا يتأخر طويلا عن موعده المقرر الا ان الكوادر التعليمية تضيق ذرعا بوضعها المعيشي لحين صرف رواتبهم”.
من جانبه أنتقد محمد [ابو حيدر] وهو كاسب يعمل بالاجر اليومي غياب دور الحكومة الفاعل والسريع لمعالجة الوضع الاقتصادي مستائلاً “أين الحكومة من المواطن الذي يعيش على رزقه اليومي خاصة ونحن كعمال بأجور يومية عليها الالتفات لنا”.
وحذرت الاعلامية زينب الحسناوي من استمرار حالة التقشف للعام المقبل” مؤكدة انه “لايمكن انعاش الاقتصاد مع بقاء الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة كونه لايقل سوءاً عن الارهاب” داعية الحكومة الى “اتخاذ قرارات جريئة وصارمة بحق المفسدين مهما كانت خلفياتهم وانتمائتهم لاضرارهم البالغ بالمال العام وحقوق الناس”.
فيما قلل مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح من مخاطر حالة الانكماش عادا حفاظ المواطنين على مدخراتهم بالامر الطبيعي”.
وقال صالح “هناك طلب ضعيف في عملية البيع والشراء ولا يوجد تحرك في الاسعار بسبب حالة الانكماش التي لجأ اليها المواطنون ومحاولتهم الحفاظ على سيولتهم ومدخراتهم فضلا عن تشبع السوق بالبضائع فلدينا خزين من السلع المعمرة تكفي لنحو خمس سنوات مقبلة”.
وأضاف “كما لا ننسى وجود عمليات امنية في خمس محافظات اي ان اساس الطلب فيها متوقف وكذلك الطلب الحكومي أيضا ضعيف ومشتريات الحكومة كانت كبيرة من سلع وخدمات في السنوات الماضية وهذه اليوم متوقفة”.
وأشار الى ان “من الطبيعي ان نرى حالة التخوف والتردد لدى الناس من الاقبال على الشراء والانفاق بسبب الظرف الامني والاقتصادي وانخفاض اسعار النفط وهذه الحالة تسمى اقتصاديا بفخ السيولة الفردي حيث لا يرغب فيها الفرد بصرف سيولته عدا النفقات اليومية كالمعيشة وهذا سلوك طبيعي”.
وأكد مستشار رئيس الوزراء عمل الحكومة على “تحسين واقع الاقتصاد اعتماداً على واردات النفط التي تمثل اساس الاقتصاد العراقي وبالتأكيد تحسن اسعارها ينعكس ايجابا على الواقع المعيشي”.
وطمأن المسؤول الحكومي بوجود تحوطات حكومية وصفها بـ”الكبيرة لاي تداعيات اقتصادية في السنوات المقبلة كون لا يمكن التكهن باسعار النفط مع العمل على تدوير الموارد المالية بالشكل الأفضل ووضع الاولويات لها في الحرب وتأمين رواتب الموظفين والاحتياجات والخدمات العامة الاساسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها”.
ورغم جهود حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في سد عجز الموازنة التي وصلت الى 25% والاستقراض من الخارج لكن تبقى عدة تحديات تواجهها ابرزها الملف الامني الضاغط ما يضع الحكومة امام اختبار حقيقي في الاشهر المقبلة في تأمين مستوى معيشي معقول للمواطنين

 

 

 

 

Facebook
Twitter