في ظل الاتهامات الموجهة ضد وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي، والتي زُعم فيها “علمه المسبق” بالتوغل العسكري التركي في شمال البلاد، يجري الحديث في صالونات السياسة والإعلام، عن مؤشرات تدعم فرضية “غضه الطرف” عن انتشار الجنود الأتراك بمعداتهم المتوسطة والثقيلة في نينوى.
من بين تلك المؤشرات المتواترة، غيابه عن المؤتمر الصحافي الذي خول فيه مجلس الوزراء رئيسه حيدر العبادي، باتخاذ الخطوات والإجراءات المناسبة ضد تجاوز القوات التركية على الأراضي العراقية وخرقها للسيادة الوطنية.
الوزير “المتهم” كان حاضرا في الجلسة الحكومية الدورية التي عقدت يوم الثلاثاء الاسبق، إلا انه لم يكن متواجدا مع زملائه الوزراء في المؤتمر الصحافي المذكور هو ووزير التربية محمد إقبال، وكلاهما من أبناء مدينة الموصل وممثلاها في البرلمان ولاحقا في الحكومة بعد أن تم استيزارهما.
مصدر سياسي مقرب من الكتلة النيابية التي ينتمي إليها العبيدي، قلل ” من أهمية عدم تواجد وزير الدفاع في المؤتمر المذكور، مبررا ذلك بـ”وجود موعد مسبق مع السفير التركي ببغداد.. وانشغاله في متابعة التطورات العسكرية أيضا”.
وفي معرض دفاعه عن ما يثار ضد العبيدي من اتهامات بـ”التواطؤ” مع الأتراك، قال المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه إن “هذه الاتهامات ليس لها ما يبررها.. وتدخل في إطار التسقيط السياسي”.
وأضاف “كيف للوزير أن يكون متواطئا.. وهو من خول مع بقية أعضاء الكابينة الوزارية رئيس الحكومة باتخاذ ما يلزم من إجراءات للرد على التدخل العسكري التركي!”، إلا أن تسريبات من داخل مجلس الوزراء تفيد بان العبيدي “تحفّظ” على تخويل العبادي، الى درجة تقترب من المعارضة.
المؤشر الأخر الذي أورده المراقبون، واتهموا فيه العبيدي بـ”تضليل” العبادي، هو البيان الصحافي الذي أصدره المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع يوم الثلاثاء الفائت عقب لقاء الوزير بالسفير التركي لدى بغداد فاروق قايمقجي.
إذ نقل البيان المذكور، عن قايمقجي قوله إن بلاده سحبت قواتها التي تسببت بالأزمة مع بغداد من منطقة “بعشيقة” التي تقع على أطراف محافظة نينوى، وهو ما تبين عدم صحته لاحقا.
وهنا تهكمت النائب عن ائتلاف “دولة القانون” عالية نصيف، على ما جاء في هذا البيان، قائلة “كيف للوزارة أن تصدر مثل هكذا بيان تضليلي، دون تحري المعلومات الموثقة فيما إذا كانت القطعات التركية قد انسحبت فعلا أم لا؟”.
نصيف التي اتهمت العبيدي بالتماهي مع المشروع التركي في نينوى، أشارت في تصريح صحافي، إلى الوثيقة المسربة التي تفيد بان “قيادة عمليات نينوى” أبلغت وزير الدفاع في الثالث من الشهر الجاري، بدخول قوات تركية جديدة للمعسكر الذي كان يتواجد فيه بضعة مستشارين عسكريين أتراك كانوا يتولون مهمة تدريب “الحشد الوطني” في المحافظة.
واتهمت نصيف، الوزير العبيدي بأنه لم يبلغ المسؤولين في بغداد بالمعلومات التي وصلته عندما تم سؤاله عن ذلك.
المؤشر الثالث الذي وضع العبيدي في خانة الشبهات بهذه القضية، هو صلة القرابة التي تربطه مع محافظة نينوى المُقال أثيل النجيفي، والأخير متهم مع أخيه رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي بـ”تنفيذ أجندات تركية في الموصل”، فضلا عن كونه (أثيل النجيفي) من أكثر المرحّبين بتدخل القوات التركية والمدافعين عن بقائها في المحافظة التي تولى عرش حكمها المحلي لسنوات.
وإلى جانب علاقة المصاهرة بين العبيدي وآل النجيفي، فانه في نفس الوقت ينتمي إلى كتلة “متحدون” الحزبية التي يتزعمها نائب رئيس الجمهورية المقال أسامة النجيفي. وبذلك يرى المراقبون ومن بينهم النائب عالية نصيف، أنه “لا يمكن للعبيدي مخالفة تعليمات أخوال أولاده ولا توجيهات كتلته الحزبية”، وهو أمر ينطبق على معظم وزراء ومسؤولي العراق في ظل نظام الحكم الجديد الذي تأسس ما بعد نيسان أبريل 2003.
وخلافا لهذا التجاذب السياسي، كسر وزير الدفاع صمته، وخرج بتصريح أراد منه على ما يبدو إخلاء ساحته مما وجه إليه من اتهامات، وعكس صورة مغايرة لما يشاع عنه.
إذ دعا العبيدي، خلال لقائه وفدا تركيا رسميا زار بغداد سلطات أنقرة إلى سحب “جندرمتها” فورا وبشكل كامل من البلاد، ومراعاة قواعد القانون الدولي العام ومبادئ حسن الجوار.
وفي خضم الجدل الدائر وما تقدم من مؤشرات وتصريحات، يبقى الانقسام في المشهد العراقي حيال هذه الأزمة، سيد الموقف بين فريق سياسي رافض للتصعيد مع الجارة الشمالية، وآخر مندد بما أطلق عليه “عدوانا سافرا”.