أصيب العراقيون بالإحباط أمام هوس سياسيين ونواب عراقيين يمارسون أبشع أنواع الخيانات لبلدهم وشعبهم حين يصطفون مع الأجنبي لتمرير مصالحه على حساب شعبهم، طمعا في المناصب وأثمان التبعية للدولار الخليجي، بشكل خاص.
وتجسّد هذا الهوس في سباق محموم للدفاع عن تصريحات السفير السعودي ثامر السبهان، التي انتقصت من دور الحشد الشعبي في الحرب على داعش، ناهيك عن تدخلها في الشأن الداخلي العراقي.
وعلى ما يبدو فقد تطورت حالة التبعية للأجنبي لدى سياسيين ونواب عراقيين من كونها، “عقدة مؤقتة” فرضتها الأحداث، الى “مرض نفسي” مزمن، افرز سلوكيات سياسية واجتماعية خطيرة على المجتمع والعملية السياسية.
ولم يعد العراقيون لاسيما في المناطق التي حررتها القوات الأمنية وداعش يطيقون أصناف سياسيين يتقمّصون شخصيتين، الأولى تمارس دورها في العملية السياسية والبرلمان وتنعم بالامتيازات، فيما شخصيتهم الثانية ترتدي ثوب المعارض الشرس الذي يرى في العملية السياسية، ظاهرة طائفية ويجب ان تُسقّط، حتى ولو بالقوة.
وفي الشخصية الأولى، يحرص هذا السياسي المتلوّن على التنعم بامتيازات المنصب، والمداخيل الجيدة التي ضمنها له الدستور والقوانين، وفي الشخصية الثانية المعارِضة يطمح الى عمولات سياسية، وأرصدة من المال الخليجي أثمانا لمواقفه الموالية لدول أجنبية تسعى الى التدخل في الشأن العراقي بأدوات داخلية.
هذا الانفصام الذي عزّزت آثاره الخطيرة، النقص في مخزون المعرفة، المتسلحة بالاحقاد الطائفية، يجسّده عز الدين الدولة وهو أحد أعضاء “اتحاد القوى” في تفاعله مع تصريحات السفير السعودي في بغداد، حين اعتبر ردود الأفعال عليها بأنها “زوبعة إعلامية وسياسية غير مبررة”، مبينا أن تصريحات السفير لم تتجاوز الأصول الدبلوماسية.
وقال عز الدين الدولة في بيان إن “الزوبعة الإعلامية والسياسية والمواقف المتشنجة وغير المبررة لوزارة الخارجية وردات فعل بعض السياسيين تجاه بعض ما ورد في تصريحات السفير السعودي المعتمد في بغداد ثامر السبهان، لا تصب في مصلحة العراق حكومة وشعبا”.
وأدى شيوع المنفعية السياسية والارتزاق من المواقف، ظهور الكثيرين من أمثال عز الدين الدولة، من رجال مال وأعمال، يقودوهم الجهل السياسي، وخلفيتهم الاجتماعية والسياسية إلى مواقف من البلطجة واللصوصية والنصب والسمسرة، في انهيار بالغ في القيم الأخلاقية التي تحصّن النائب أو السياسي عن الانزلاق في هاوية خيانة الشعب والوطن.
واعتبر عز الدين أن “ما ذكره السفير عبّر عن محض حقيقة رفض مناطقنا لدخول الحشد الشعبي إليها والتجارب المريرة التي عاشها أهالي المناطق”.
فيما يُطرح السؤال، على عز الدين وأمثاله، فيما اذا هو مَنْ حرّر مناطق صلاح الدين والرمادي من داعش، وفيما اذا هو مستعد لحمل السلاح لتحرير الموصل من براثن الإرهاب.
ولم يكن موقفا محرِجاً فحسب، بل مهزلة سياسية، وأخلاقية أوقع فيها “اتحاد القوى” نفسه حين أشاد في بيان، بتصريحات السفير السعودي في بغداد، حول الوضع الداخلي العراقي والحشد الشعبي، معتبرا إياها تصريحات “طبيعية”.
ووصفت تدوينات وآراء لعراقيين بان ما حدث “عار” على “اتحاد القوى”، وتعبير عن “عدم نضج سياسي” وإقرار بالتبعية للمواقف الأجنبية من دون ان يكلف هؤلاء أنفسهم دراسة حجم الخسارة من جراء هكذا مواقف غير مدروسة.
وكان السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان، قال في حديث مع قناة السومرية التلفزيونية، السبت الماضي، إن على قوات الحشد الشعبي أن تترك قتال الإرهابيين للجيش العراقي وقوات الأمن الرسمية لانها قوات “غير مقبولة” من قبل أهل السنة.
يُطرح السؤال، على عز الدين وأمثاله، فيما اذا هو مَنْ حرّر مناطق صلاح الدين والرمادي من داعش، وفيما اذا هو مستعد لحمل السلاح لتحرير الموصل من براثن الإرهاب.
دفاع اتحاد قوى العار عن السفير السعودي في بغداد عبر البيان الذي تلاه حيدر المُلا الناطق باسم هذه القوى، كشف وبشكل جلي انهيار الأخلاق السياسية والروح الوطنية لهؤلاء السياسيين الذين انتظروا فتح السفارة السعودية في بغداد على أحر من الجمر، طمعا في العمولات والمال السياسي، الذي ترصده الرياض كالعادة للتابعين لسياساتها والمنفذين لأوامرها، كما هو الحال في لبنان ودول أخرى.
وكان بيان “تحالف القوى” الذي يضم جميع الكتل السنية السياسية، اعتبر تصريحات السفير السعودي ثامر السبهان، “طبيعية” “مستغربا” ما اعتبره “حملة سياسية معدة سلفا ضد السبهان”.
ووصف البيان تصريحات السفير، بأنها ” تحمل نوايا طيبة للملكة العربية السعودية تجاه جميع إخوانهم العراقيين بلا تمييز على أساس الطائفة والعرق”.
ما يلفت في بيان “اتحاد القوى”، انه لم يدافع عن العراق بقدر حماسة المنقطع النظير في الدفاع عن السعودية.
التفسيرات لهذا الموقف بحسب استطلاعات بين إعلاميين وسياسيين تشير الى ان “اتحاد القوى” وضع نفسه في مأزق من “العار” و”التبعية”، طمعا في التمويل من الدولار السعودي.
يجدر ذكره ان اغلب سياسيي “اتحاد القوى” عرفوا بكونهم “تجار سياسة” وارتبطت بهم ملفات فساد معروفة مثل آل الكربولي وصالح المطلك، وبالتالي فان استمالتهم بالمال أمرا لا يبدو صعبا، وهو ما يفسر دفاع القيادي في “اتحاد القوى” النائب محمد الكربولي، المستميت عن تصريحات السفير السعودي.
وكانت السفارة السعودية في بغداد قد أغلقت عام 1990 بعد الغزو العراقي للكويت وافتتحت مؤخرا، وعدّت بمثابة علامة ايجابية على تعاون أوثق في قتال تنظيم داعش الذي يسيطر على أراض في العراق وسوريا.
واستدعى العراق، السفير السعودي الجديد لدى البلاد، الأحد، بعد أن أشار إلى أن فصائل عراقية تتسبب في تفاقم التوترات الطائفية ويجب أن تترك محاربة تنظيم داعش للجيش العراقي، وقوات الأمن الرسمية.
ويسلّط موقف “اتحاد القوى” من السفير السعودي عمق التبعية لسياسيين عراقيين، ولهاثهم وراء مؤامرات التحريض بين السنة والشيعة في بلدهم، وسعيهم إلى إقحام دول اجنبيه في الشأن الداخلي لبلادهم.