(أيام الزهللة) الشيطان والسلطات وتاريخ العراق الحديث

كان جبران خليل جبران من خلال تصويره “أبونا سمعان”، الذي عثر على الشيطان جريحا ينزف ويعاني من سكرات الموت، فحمله على ظهره ليعالجه، قد اتهم بذلك الإكليروس لاعتبارهم أن الشيطان ضروري لإدامة سيطرتهم على الناس.

على خطاه تكتب الروائية العراقية المقيمة في كندا هدية حسين في روايتها “أيام الزهللة” قصة عن مرحلة من تاريخ العراق الحديث وصولا إلى الأيام الحالية من خلال مدينة عراقية خيالية، وتطرح أسئلة فكرية واتهامات عميقة للسلطات والقوانين والدولة والشعب.

وردت رواية “أيام الزهللة” للكاتبة هدية حسين في 214 صفحة متوسطة القطع، وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.

أما كلمة “الزهللة” فقد شرحتها الكاتبة في الحاشية وبينت أنها تعني الأيام المفرحة، وهي كلمة مركبة من مفردتين سومريتين لا تزالان تستعملان في العراق، وتعني الكلمتان أن أيــام الفــرح ولــت وجــاءت الأيام الــسيـئة.

ولدت هدية حسين ببغداد في عائلة فقيرة تسكن حيا شعبيا لا تزال تعتبره “الخزان الأول لكتاباتها”. وصدر لها نحو عشرين كتابا بين رواية وقصص قصيرة ونقد في القصة والرواية. تعتبر حسين من أهم التجارب القصصية العراقية والعربية، بأسلوبها المؤثر والمقنع حتى في تصوير عالم خيالي.

وفي روايتها الأخيرة نجحت في أن ترسم لنا مدينة النور الهادئة حيث لا جرائم ولا مخالفات وحيث الناس طيبون يتعاونون بعضهم مع بعض. أرسلت السلطات في العاصمة مفوض شرطة إلى البلدة لينشئ مخفرا، في حدث لم يكن السكان قد عرفوه سابقا ولا شعروا بضرورته، فهم منصرفون إلى التعاون والغناء والشعر وتسيير أعمالهم بسرور.

تقول الكاتبة “على الرغم من الهدوء الذي يخيم على المدينة في المساءات إلا أن بعض الليالي قد تشذ عن هذا النظام. يعلو الصوت بالغناء والعزف حتى ساعات متأخرة. إنها الليالي المقمرة ليالي الأفراح، التي يهب فيها الجميع للمشاركة والمتعة”.

أثناء الاجتماع الأول الذي دعا إليه الوزير في العاصمة فوجئ مفوض الشرطة المدعو “حيران جبار” بأنه كان محط انتقاد وسخرية، لأنه قال إن لا جرائم ولا مشكلات في مدينة النور.

ثار الوزير واتهمه بالتقصير وبأنه يعيش في عالم خيالي ليس من هذا العالم، فليس ثمة مكان لا جرائم فيه. وأبلغه أن عليه أن يقوم بواجبه إذا شاء أن يبقى في خدمة الدولة.

فعاد المفوض وقام بالتعاون مع بعض من أفراد الشرطة بزرع الجرائم في المدينة، فقتلت سيدة فاضلة يحبها الجميع، وكتبت على جدار مخفر الشرطة كلمات تهدد الشرطة والنظام برمته، واعتقل أبرياء وألصقت بهم التهم، إلا أن ذلك خلق حالة من التململ والاستعداد للتمرد. لذلك ترسل سلطات العاصمة إلى المدينة تعزيزات وضابطا أعلى رتبة من المفوض هو “شداد العلي”.

أوصاف هذا الضابط الأخير تذكر بأوصاف صدام حسين. اكتسب شداد ثقة الفقراء في “حي التنك” الشعبي الفقير من خلال إجراء بعض الإصلاحات، فتأملوا الكثير مما لم يحصل. وشدّد على معرفة كل أمر عن كل إنسان في المدينة، ولم يكفه ما كان قد قام به المفوض. جنّد كثيرا من الشرطة وأحاط نفسه برجال أشداء هم “عيون المدينة” كما قيل، وجعل الناس يراقب بعضهم بعضا وحذرهم من العدو الذي يستهدفهم دون أن يعرفوا شيئا عن هذا العدو.

وتتحدث هدية حسين عن ظهور المتشددين الإسلاميين فتقول “برز بعد غياب طويل رجل كان نكرة يبيع الخردوات في سوق المدينة، وتحول إلى رجل آخر، سيصبح علامة من علامات مدينة النور. وتكاثر عدد الذين يرتدون الدشاديش القصيرة ويطلقون اللحى والفتاوى. لقد اختلط الحابل بالنابل، وصار يلقي فتاويه الغريبة على الناس ويعتبر كل شيء في المرأة فتنة أو عورة يجب إخفاؤه؛ وجهها، كفاها، قدماها، صوتها، ضحكتها… فالمرأة مصدر الفساد وبؤرة الفتن والافتتان”.

وتساءلت باتهام مبطن للنظام العراقي السابق قائلة “هل كانت عيون المدينة غافلة عنه أو متغافلة؟ الإجابة بين بين. إما أن تكون غافلة لأن الرجل عرف كيف يتمسكن حتى تمكن، وإما متغافلة لأنها لم تقدر حجم خطره على المقبل من الأيام أو، وهذا ما همس به البعض، هو واحد من رجالاتها الذين تدربوا على القيام بدور ستكشف عنه الأيام”.

Facebook
Twitter