بدأتْ تظاهرات العراق قليلة العدد والعدة الصيف الفائت ، بسبب شحة الكهرباء أولاً ، ثم نما وتطور العنوان وذهب إلى صرخات عالية ضد الحرامية ، وتوسّع بمرور الوقت فشمل الخائنين والقتلة والطائفيين ومزدوجي الجنسية والولاء ، لكنَّ هذا الهياج الفقير لم يصل أبداً حدّ هتاف إنّ الشعب يريد إسقاط الحاكم والحثالة مع أنّ كل عناوين اليافطات المرفوعة على الرؤوس تشير الى الفساد وتخلف ولصوصية ودونية الحاكمين ، وشيئاً فشيئاً تمّ امتصاص الغضبة بمعسول الكلام والخطب التخديرية الضحلة التي تناوب على سردها الحاكم السياسي في المحمية الخضراء ، بمعونة تسويفية من الحاكم الديني والحاكم العشائري ، فضلاً عن الإنقسام الطائفي والإجتماعي الذي يميز أيام العراقيين ، وظهور خطر داعش التي صارت بمثابة غطاء منتظر تدثرت تحته كل جرائم السرقة والخيانة والقتل .
إنتهت التظاهرات التي لم تكن مليونية أو عشر مليونية حتى ، إلى هبّات صغيرة متفرقة ، وطغى عليها الجانب الإستعراضي فصارت مثل حفلات سيلفي وهواتف نقّالة تصنع حدثاً مضحكاً أبطاله وجوه أدبية وفنية وصحفية بائسة ، ودكاكين مرتزقة قد يكون عنوانها منظمة مجتمع مدني ، وهؤلاء سحقتم قوة الطائفية والمال الحرام .
أما الآن فقد نزل على رأس اللعبة التخديرية التسويفية ، عامل إلهاء جديد هو النفط وسعر برميله المريض ، فصارت الناس تنام وتصحو على تهديد يخصّ المعدة هذه المرة ، فيوم يقولون لهم إن معاشاتكم الشهرية في خطر ، ويومان ينصحون الرعية البائسة المستسلمة بشدّ الأحزمة على البطون ، والقماشة مانعة التفكير والثورة على الرؤوس .
من الواضح إن خطر الإنهيار النفطي قد تم نفخه إعلامياً ولغوياً ليصب في خدمة بقاء الحرامية على كراسيهم ، والحقّ هو أن سعر البرميل حتى لو وصل إلى العشرين دولارا فإن خراجه سيكفي تماماً كلفة معاشات الناس الشهرية ، وأثاث البطاقة التموينية الفاسدة ، في بلاد لا تدفع مالاً آخر غير تأمين الرواتب وهي صمام أمان بقاء الحرامي واقفأ بباب القصر الجمهوري . بلاد ليس فيها صناعة ولا زراعة ولا خدمات ، مع ارتفاع هائل بنسبة الأميين والمتخلفين حتى يكاد المشهد المريع يتحول إلى حكام بيدهم المال وشعب مطلوب منه السكوت لتأمين إمدادات المعدة فقط .
- info@alarabiya-news.com